ترك برس

مع استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد؛ زاد الاعتماد على الطلبات الخارجية بسبب الخشية من الاختلاط المباشر مع الآخرين، أو عدم القدرة على التجوال وشراء الحاجيات في أوقات الحظر الكلي والجزئي وفق القرارات المطبقة في تركيا منذ بدء الجائحة. 

هذا الأمر جعل مهمّة "موزع الطلبات" أكثر دقة وحساسية، لأنه الشخص الوحيد الأكثر عرضة للتعامل مع الآخرين، والذي يُخشى تسببه في انتقال الفيروس بين الطرفين. وفق تقرير نشره موقع الجزيرة نت. 

ويصف الموقع موزعي الطلبات بأنهم "أبطال من وراء الكواليس، ليس لديهم مكتب ولا ظل مكان ثابت يعملون به، مصدر رزقهم تلك الدراجة النارية التي قد لا يأبه البعض بأهمية دورها لكنها هي صلة الوصل الوحيدة لتيسير وصول طلبات الأشخاص من المطاعم ومختلف المحلات مهما كان التوقيت وحالة الطقس".

ويؤكد أنه طوال أيام شهر رمضان، يزداد ضغط العمل على موزعي الطلبات، خصوصا عند اقتراب موعد الإفطار من أجل تلبية احتياجات العائلات والموظفين.

قصص موزعي الطلبات

وبين أزقة شوارع في إسطنبول، يسرع الشاب أحمد القجمي (22 عاما) لركوب دراجته النارية ومعه مجموعة من طلبات وجبات الطعام كي يوصلها لأصحابها في منطقة "باشاك شهير" التي غدا القجمي خبيرا بشوارعها الفرعية وأماكن مجمعاتها السكنية الكثيرة.

يقول أحمد القجمي "هذه المهنة فيها تفاصيل كثيرة، ليس فقط تسليم الطلب وأمشي". ويوضح أنه يأخذ فاتورة قيمة الطلب، وعناوين أصحاب الطلبات، ونقودا، وعندما يصل إلى منزل صاحب الطلب تبدأ معاناته في تأخر الرد من قبل موظف الأمن عند مدخل المجمّع السكني، وهنا يضيع الكثير من الوقت في الانتظار، مما يؤثر على مواعيد باقي الطلبات ووصولها ساخنة كما يجب.

لكن القجمي يؤكد أن غالبية الأشخاص "زبائن من السهل التعامل معهم، ولطيفون وكرماء"، وهذه الصفات أيضا ينعت بها أحمد القجمي مديره بالعمل فهو "شخص متفهّم وطيب وابن أصل".

رمضان وضغط الطلبات

يبدأ دوام أحمد في شهر رمضان من الساعة الثانية بعد الظهر وينتهي بعد الإفطار، وتكثر الطلبات قبيل أذان المغرب بساعتين، وهو ما يؤدي إلى زيادة حالة التعب والعطش لديه، وكذلك "حرق الأعصاب" -كما يصف- لتلبية حجم طلبات وجبات الطعام في أسرع وقت.

لكن ما يُضايق أحمد القجمي ليس فقط ضغط العمل، بل لأنه لا يستطيع الإفطار مع زوجته التي تصر رغم ذلك على انتظاره ومشاركته تناول وجبة الفطور.

وتتطلب مهنة توصيل الطلبات عبر الدراجات النارية عدة مهارات، يقول القجمي "تحتاج الدقة العالية في قيادة الدراجة النارية تجنبا لأي حادث، وكي لا تتأثر وجبات الطعام بالمطبات والحفر في الشارع".

متوسط الراتب وأيام العطل

بحسب تقديرات القجمي لفترة عمله في 6 أعوام، يُقدّر عدد ساعات عمل موزعي طلبات المحال العربية بين 10 و12 ساعة، أما العطلة فتقتصر على يوم واحد لكل 15 يوما، لكن القجمي أفضل حظا فهو يحظى بعطلة يوم كل أسبوع.

وبالنسبة لمتوسط الراتب يقدّر بما بين 2300 و3 آلاف ليرة تركية (277 و360 دولارا)، وهو لا يكفي العائلة الصغيرة، حسب القجمي، الذي يؤكد أنه يواجه كل شهر صعوبة في التكفل بمتطلبات عائلته الصغيرة.

الطلبات في المناطق المكتظة

وفي منطقة الفاتح بإسطنبول ذات الحارات الضيقة والكثافة السكانية العالية، يعمل عبد الرحمن (اسم مستعار) في توزيع طلبات وجبات أحد المطاعم العربية في المنطقة.
يقول عبد الرحمن "توزيع الطلبات في المناطق المكتظة ليس بالأمر السهل، فالشوارع الفرعية متشابهة، وأي خطأ بسيط في العنوان يرهقني، خاصة وأن المنازل في منطقة الفاتح ليست في مجمعات سكنية منظمة كما في بعض المناطق الأخرى في إسطنبول".

ويعتقد عبد الرحمن أنه محظوظ بالمقارنة بغيره لأنه يسكن قرب مكان عمله، إذ يحظى بميّزة الإفطار مع عائلته في شهر رمضان، كما يحاول قبيل أذان المغرب ترتيب طلبات التوصيل وفق قرب أصحابها من منزله، ولا يخلو الأمر من تأخر إفطاره مع أسرته في أوقات ضغط العمل.

ومن المواقف اللطيفة التي حصلت مع عبد الرحمن خلال جولة توصيل الطلبات، قدّمت له إحدى الأسر التمر واللبن عندما قام بتوصيل الطلب وقت أذان المغرب.

ويضيف أنه لم يتعرض لأي موقف يضايقه من أصحاب الطلبات إلا في حالات تأخر وصول الطلب، وعادة ما يكون السبب ظروفا خارج إرادته مثل تأخر إعداد الوجبة أو عدم وضوح العنوان، وفي بعض الأحيان بسبب أزمات حركة السير.

من ناحية أخرى، يتحدّث عبد الرحمن عن حقوق موظف موزع الطلبات التي يتهاون أرباب العمل في توفيرها كلها أو جزء منها، مثل "تأمين إذن العمل، وصرف زيادة سنوية للراتب، وتوفير اللباس الخاص بسائق الدراجة النارية، وكذلك بدلات شتوية تحمي السائق من البرد والمطر".

الخوف من حوادث السير

ومن إسطنبول إلى غازي عنتاب جنوبي تركيا، حيث يقيم نعيم الذي يبلغ من العمر 34 عاما والذي يعمل موزع طلبات مواد غذائية وتموينية.

ويعاني نعيم من ضغوط العمل في شهر رمضان "أولها العطش، وكثرة الطلبات قبل أذان المغرب، وأيضا أزمة السير".

موزع الطلبات في زمن كورونا

يتّبع نعيم كافة الاحتياطات اللازمة للوقاية من فيروس كورونا المستجد، بدءا من ارتداء القفازات والكمامة والحرص على استخدام المعقم.

وأما عن آلية تسليم الطلب فيقول نعيم "عندما أصل إلى منزل صاحب الطلب، أستلم المبلغ المالي النقدي، ثم أعقم يدي حتى وإن كنت أرتدي القفازات، وعندما أعود إلى السوبر ماركت أعقّم المبلغ المالي للاحتياط".

بالإضافة إلى ذلك، يحاول نعيم التأكد من أن صاحب الطلب غير مصاب بالفيروس، ويضيف "وإن كان مصابا لا نرد طلبه، بل نأخذ احتياطات أدق عند الاستلام والتسليم".

حُسن التعامل أساس استمرارية العمل

وتفتقد أسرة نعيم وجوده في وقت الإفطار، كما هي معاناة عائلة أحمد القجمي، وعدا عن ذلك تبقى عائلته قلقة إلى أن يصل إلى المنزل، ويقول نعيم "زوجتي تبقى خائفة من ركوب الدراجة النارية خشية من الحوادث".

ويضيف أن بعض موزعي الطلبات يخشون التعرض لمخالفات بسبب عدم حصولهم على إذن العمل، وإذن الخروج أثناء الحظر، كما لا يوفر كل أرباب العمل اللباس الكامل الخاص لسائق الدراجة النارية التي تحميه إن حصل حادث سير.

نعيم لا يشتكي من معاملة الزبائن، وعلاقته مع صاحب "السوبر ماركت" الذي يعمل به مليئة بالاحترام والتفاهم والتقدير المتبادل، لكنه يرى أن العائد المالي للعمل اليومي الذي يصل إلى 12 ساعة لا يكفي وخاصة مع ارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة التركية، مما أدى إلى ارتفاع مستوى المعيشة في تركيا وتكاليف الحياة فيها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!