أوفق أولوطاش – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

لقد سنحت لي الفرصة بمجالسة السوريّين الذين أجبروا على النّزوح إلى الأراضي التركية مع بداية الأحداث الدّامية في بلادهم. فقد بدأت وفود النّازحين السوريّين تقصد الأراضي التركية اعتباراً من الحملة الأولى التي شنّتها قوات المعارضة السورية على بلدة جسر الشّغور، وما حولها قبل أكثر من سنتين من أجل تحريرها من قوات الأسد. وبناء على الاحتياج المتزايد، قامت السلطات التركية بإنشاء مخيّم للاجئين الوافدين من هناك في منطقة "يايلاداغ" الحدودية لإيواء آلاف السوريّين وحمايتهم من برد الشتاء.

وكان من بين قاطني ذلك المخيمّ أناس نزحوا من بلدة جسر الشّغور نفسها. وضمّ ذلك المخيّم العديد من أطياف الشّعب السوري لاحقاً، فقد نزل فيه العرب والمسيحيّين والتركمان الذين حموا ظهر الدّولة العثمانية لسنين طويلة. وكان هناك أناس ينتمون إلى الطائفة العلوية أيضاً.

إنّ مسألة فتح الأبواب في وجه من يقصد هذا البلد من أجل الاحتماء من ظلم الطّغاة دون النّظر إلى أعراقهم وأجناسهم ومذاهبهم ومشاربهم، موجودة في أعماق الشّعب التركي. فالتاريخ يشهد على ذلك ولو كانت هناك بعض الاستثناءات أيام حكم الطّغاة في هذا البلد.

لقد قام النّظام السوري بقتل ما يزيد على 120 من جنوده عام 2011 في بلدة جسر الشّغور، بعد أن رفض هؤلاء إطلاق نيرانهم على صدور الشّعب. وقام حينها النّظام الغاشم بإطلاق ادّعاءات كاذبة حول قيام العناصر المسلحة بقتل هؤلاء الجنود. ولم يكتفِ النّظام بقتل هؤلاء، بل تعمّد اتّباع هذا الأسلوب في أكثر من منطقةٍ سورية.

وبينما يصعب على المعارضة السورية قتل 120 عنصراً من عناصر النّظام في اليوم الواحد في هذه المرحلة ومع تصاعد قوتهم وخبرتهم القتالية، فإنّ فكرة قيام المعارضة السورية بقتل 120 جندي في عام 2011 مع قلّة الخبرة والعتاد، هُراء لا يقتنع به إلّا النّظام السوري وأعوانه الذين يفتقرون إلى العقل والتّفكير.

لقد جالست العديد من اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى مخيّم يايلاداغ والذين كانوا من الشّهود العيان على الظلم الذي ارتكبته قوات الأسد بحقّ الأبرياء في جسر الشّغور وما حولها. جالست هؤلاء في وقت لم تكن فيه فكرة استقبال اللاجئين السوريين مطروحة على أجندة القيادة التركية، جالستهم عندما كان السيد كمال كلجدار أوغلو زعيم المعارضة التركية لا يعرف أسماء ثلاثة مدن سورية.

والنتيجة التي استخلصتها من خلال حديثي معهم أنّ رأس النّظام السوري المتمثّل بشخص بشار الأسد، قد اختار طريقة أبيه الذي قمع الثورة الشّعبية السلمية في مدينة حماة عام 1982، فقد عمل هذا الشّخص على مبدأ "عليك أن تقطع رأس الأفعى قبل أن تكبر وتتعاظم قوّةً".

ومع تتابع الأيام ازداد ظلم النظام السوري بحقّ الشّعب الأعزل. فقد ارتكبت قوات الأسد مجزرة في مدينة بانياس ومدينة دوما وما تبع هذه الأحداث من حالات اغتصاب بحقّ النساء والبنات العفيفات. ولم تكتفِ قوات الأسد بهذا ، بل قامت باستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً ضدّ الشّعب السوري، وذلك من دون تمييز بين طفلٍ أو مُسنٍّ أو إمرأة، حتى أُجبر هذا الشّعب على الرّحيل عن دياره تاركاً وراءه آلامه وذكرياته الحزينة، ليبحث عن ملجأ آمنٍ يحميه من ظلم الطّاغي ورصاصة الموت.

وأمام هذا المشهد المروّع قام بعض المتخاذلين في الدّاخل التركي والمتواطئين مع النّظام الظّالم في تركيا وعلى رأسهم قيادات حزب الشّعب الجمهوري وبعض الأحزاب اليسارية الأخرى، بمحاولات صبغ بشار الأسد وممارساته بحق الشّعب السوري، بالصبغة الدّيمقراطية، حيث شرّع هؤلاء ما يقوم به بشار الأسد وأعوانه واعتبروه دفاعاً عن سيادة الدّولة. بينما اعتبروا لجوء الملايين من السوريّين إلى دول الجوار، رحلة سياحية قام بها الشّعب السوري بكامل إرادته وكأنّهم لم يجبروا على ذلك. كما ذهب بعض العنصريّين في الدّاخل التركي إلى أبعد من ذلك، حيث اتّهموا اللاجئين الذين رفضوا دخول الحرب إلى جانب الأسد بالخيانة العظمى وبأنّهم خانوا بلدهم وقائدهم وأنّه كان عليهم الوقوف إلى جانب الأسد في وجه من يسمّونهم الإرهابيّين.

والآن نرى كيف أنّ السيد كمال كلجدار أوغلو وبعض الساسة الأتراك يحاولون استغلال مسألة وجود السوريّين داخل الأراضي السورية كسلاحٍ سياسي من أجل ضرب حكومة العدالة والتنمية التي يقودها السيد أحمد داود أوغلو.

إنّ هؤلاء اليساريّين وعلى رأسهم كلجدار أوغلو، يكنّون عداءً شديداً للأجانب، حتّى أنّهم سبقوا في شدّة عدائهم هذه، حركة الإسلاموفوبيا التي تكنّ العداء للإسلام والمسلمين.

على السيد كمال كلجدار أوغلو أن لا ينسى أنّ العديد من أبناء جلدته في مدينة طونجلي، لجأوا إلى الأراضي السورية عندما قامت حكومة حزبه الذي يترأسه في هذه الأثناء، بارتكاب فظاعاتٍ بحقّ الأكراد والعلويّين عام 1937. فالأكراد السوريّين معظمهم فرّوا من ظلم حزب الشّعب الجمهوري في تلك الفترة. فعندها لو أراد السوريون إعادة هؤلاء اللاجئين، فماذا كان سيحلُّ بأجداد كلجدار أوغلو يا تُرى؟

عن الكاتب

أفق أولوطاش

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس