د. علي حسين باكير - عربي 21

من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن بنظيره التركي رجب طيّب أردوغان هذا الأسبوع في قمّة تجمعهما على هامش قمّة حلف شمال الأطلسي التي ستعقد في بروكسل في الـ14 من الشهر الجاري. ويبدو الجانب التركي متفائلاً إزاء ما يمكن لهذه القمّة الثنائية أن تتوصّل إليه في ظل الخلافات المتزايدة بين الطرفين خلال العقد الماضي.

ففي كلمة ألقاها نهاية الشهر الماضي، أعرب الرئيس التركي خلال اجتماع له مع مسؤولي شركات كبرى في الولايات المتحدة الأمريكية عن ثقته بأنّ الاجتماع مع بايدن سيكون بمثابة فتح صفحة جديدة وبداية لحقبة جديدة مع الولايات المتّحدة الأمريكية بالرغم من الخطوة السلبيّة الأخيرة والتي تمثّلت بالبيان المتعلّق بمزاعم الإبادة بحق الأرمن. 

ويشكّك كثيرون مؤخراً في أهمّية الشراكة بين الطرفين في الوقت الذي يؤمن فيه المسؤولون الأتراك بجدوى هذه الشراكة خاصّة إذا ما تمّ تجاوز الخلافات الحالية بين الطرفين. ومن المتوقع أن يناقش الطرفان ضمن الملفات الثنائية والإقليمية إمكانية زيادة التعاون الاقتصادي وتفعيل الآليات الثنائية التي يمكنها زيادة حجم التبادل التجاري والإستثمار مثل مجلس الشراكة الاقتصادية، وإطار التعاون الاستراتيجي الاقتصادي والتجاري، ومجلس اتفاقية إطار التجارة والاستثمار. كما أن من المتوقع أن يطرح الجانب التركي آلية تعاون مشتركة في الملفات الإقليمية مثل سوريا وليبيا والوضع في شرق المتوسط والبحر الأسود والقوقاز وأفغانستان ومكافحة الإرهاب. 

وبحسب المسؤولين الأتراك، فانّ أنقرة ستشارك في هذه القمّة بأجندة إيجابية وتتوقع أن يقوم الجانب الأمريكي بالشيء نفسه، وفي ظنّي أنّ الجانب التركي سيشدّد على نقطتين أساسيّتين في الاجتماع.. أوّلهما، أهمّية تركيا والتعاون التركي-الأمريكي في رفع فاعلية حلف الناتو، وثانيهما أنّه لا بديل عن تركيا إقليمياً إذا ما أرادت واشنطن أن تواجه التهدّيدات المتصاعدة في الشرق الأوسط وتحد من النفوذ الصاعد للدول الغريمة أو المنافسة كروسيا والصين.

ملف (إس400) ومقاتلات (إف35) سيكون الملف الإشكالي الأبرز ربما على طاولة البحث رغم حساسية تركيا العالية من ملفّين آخرين هما احتضان واشنطن لفتح الله غولن المتّهم من قبل الحكومة بوقوفه وراء انقلاب يوليو 2016، ودعم الولايات المتّحدة للفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابيا في كل من واشنطن وبروكسل والناتو وأنقرة. ويعود السبب في ذلك إلى أنّه لا مؤشرات على إمكانية حصول تقدّم في ملف تسليم فتح الله غولن، ولأنّ تركيا كانت قد أحبطت بالفعل مخطط المليشيات الكردية في إقامة دولة انفصالية على حدودها من خلال العمليات العسكرية التي تمّ تنفيذها داخل العمق السوري خلال السنوات القليلة الماضية. 

 

وعليه، وإن بقيت المطالب التركية ثابتة في هذين الملفّين قائمة إلاّ أنّ التعاون بين أنقرة وواشنطن لن يقف إذا لم يحصل تقدّم كبير فيهما، وذلك بخلاف ملف (إس400) ومقاتلات (إف35) المتعددة المهام والذي من الممكن له أن يشلّ التعاون في مجالات متعددة ويقوّض التعاون الاستراتيجي بين البلدين. خلال السنوات القليلة الماضية، أصبح في حكم اليقين أنّ ملف (إس400) هو ملف سياسي بامتياز وليس ملفا تقنيا كما حاول الجانب الأمريكي الترويج له في الآونة الأخيرة لتبرير منع تركيا من الحصول على مقاتلات (إف35) وفرض عقوبات عليها وتقييد قدرتها على الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية. 

وبما أنّ الملف ذو طابع سياسي، فإنّ الحلول المعقولة والمنطقية ممكنة كما بيّن وزير الدفاع التركي أكار الذي أبدى استعداد بلاده لتبديد أي قلق يتعلّق بالجانب التقني. هناك مؤشرات متضاربة في ما يتعلق بمدى انفتاح الولايات المتّحدة على إيجاد حلول خلاّقة للخلاف المتعلق بهذا الملف. ففي الوقت الذي يبدي فيه المسؤولون الأتراك تفاؤلاً، تشير معظم التصريحات الأمريكية فضلاً عن التحليلات الأمريكية إلى موقف تقليدي. وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أشارت مؤخراً كذلك إلى أنّه لم يصدر شيء عن الإدارة يمكن فهمه على أنّه انفتاح على حل أزمة هذا الملف إذا لم تقم تركيا بالتخلي عنه كلياً. 

واستناداً إلى هذه المواقف المتضاربة، يمكن القول إنّ التفاؤل الحذر سيكون سيّد الموقف في الاجتماع الثنائي بين الرجلين. الأكيد أنّ التوصّل الى اتفاق حول هذا الملف سيفتح آفاقاً جديدة من التعاون بين البلدين، لكّن غياب الحلول سيؤدي حتماً إلى تفاقم المشاكل مستقبلاً بشكل يصبح من الصعب معه إعادة العلاقة بينهما إلى ما كانت عليه سابقاً فضلاً عن تقويضه لإمكانية التعاون بينهما في الشرق الأوسط. 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس