مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

تحتوي الدنيا التي نعيش فيها على خمسة أصناف مختلفة من البشر كالآتي:

الصنف الأول: منفعته لنفسه فقط لا غير.

الصنف الثاني: مضرته لنفسه فقط لا غير.

الصنف الثالث: منفعته لنفسه ومضرته لغيره. 

الصنف الرابع: مضرته لنفسه ومنفعته لغيره.

الصنف الخامس: منفعته لنفسه ولغيره؛ ولا يضر أحدا. 

فطوبى لهذا الصنف الأخير الذي فهم الحكمة الإلهية والغاية الإنسانية وترجمهما لأرض الواقع، حيث الإنسان (العاقل)  حامل للأمانة المقدسة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} فهو مكلف وله حقوق وواجبات وقضايا تجاه نفسه وربه ولنظائره في الخلق. ولعل من أبرز وأهم تلك الواجبات والقضايا وبالأحرى القضية الأساسية والجوهرية هي: إقامة العدل. 

وتمر علينا هذه الأيام ذكرى العاشر من محرم (يوم عاشوراء) التي وقعت فيها أكبر تراجيديا إنسانية ألا وهي استشهاد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام الحسين وأولاده وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) في أرض كربلاء بصورة اقشعرت لها الأبدان وبكت لها الصخور والجبال قبل الإنسان. 

وذكرى استشهاد الحسين تعني لنا استلهام الدروس والعبر ووسيلة للاقتداء بنهج الحسين وترجمته على حياتنا اليومية؛ فهذه الذكرى الأليمة وسيلة لفهم الحسين بالصورة الصحيحة ومن ثم السير على نهجه. فهو ضحى بدمه وبأولاده وأنصاره في سبيل ترك منظومة للإنسانية جمعاء؛ نعم لجميع الإنسانية فالحسين ليس لفئة دون أخرى وليس للمسلمين حصراً، بل إنه قدوة الأحرار وسيد الثوار في أقصى المشارق والمغارب من الأرض؛ لأن منظومته تكمن في إقامة العدل ومقارعة الظلم. وهذا مبدأ وتصور يشترك فيهما الإنسان أياً كان دينه أو عقيدته أو قوميته أو حغرافيته. 

وفي هذه الذكرى أود مشاركة القارئ الكريم في هذا المقال الوجيز البعض من الدروس والعطايا التي تعلمناها من الحسين؛ كالآتي: 

1. الإيمان بعقيدة وفكر ومبدأ: الإنسان لم يخلق عبثاً؛ وهو بطبعه "كائن مؤمن" يؤمن بعقيدة ما. وهذا لا يعني تبني الدوغمائية. كلا؛ فالحسين كان يحترم كل الآراء، ولكنه كان صاحب عقيدة ومبدأ. 

2. الثبات على المبادئ: الإيمان بمبدأ لا يكفي لوحده؛ فالإنسان متقلب المزاج؛ وتغره الدنيا وملذاتها في معظم الأمور. والثبات على المبادئ من شيم الكرام وهذا ما تعلمناه من الحسين. فكم من شخص يوجد في عصرنا هذا إزدواجي الطبع وجليس كل الموائد وإذا ما رأى الملذات يضرب مبادئه بعرض الحائط؛ وهذا غير موجود في فلسفة الحسين.

3. التضحية من أجل المبادئ والقيم والمُثُل العليا: والثبات على المواقف لا يكفي تارة؛ فبعض الأحيان يتطلب تقديم التضحيات بشتى الوسائل والطرق لأجل المبادئ والقيم والمثل العليا وهذا مما لا شك فيه ليس من السهل، فالأمور تتحول هنا من المجرى النظري إلى العملي والفعلي؛ وقد رأينا في الحسين كيف قدم التضحيات في سبيل مبادئه وتعلمنا منه هذا الدرس العظيم. 

4. إتباع الحق مهما كلف الثمن: سلك طريق الحق صعب جداً؛ ولقد رأينا في الحسين وتعلمنا منه كيف نتبع الحق بالرغم من صعوبته. فهل كان الحسين لا يدرك مدى صعوبة مواجهة الظالم؛ طبعاً كان يدرك ذلك، ولكنه اختار إتّباع طريق الحق؛ طريق العدل ومواجهة الفساد والظلم والطغيان. 

5. محاربة الباطل أياً كان عنوانه أو حجمه: وهذه نقطة مهمة جداً في نظري؛ تتطلب الوقوف عليها وفهمها فهماً صحيحاً. فالباطل يجب أن يحارب بشتى الوسائل مهما كان عنوانه أو حجمه. 

6. تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة: وهذه نقطة مهمة جداً في تجسيد روح الأخوة وتطبيق العدالة في المجتمع وبالتالي تأسيس دولة فاضلة. فالحسين كان عنواناً في نكران الذات وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؛ وهذا ما نفتقر إليه اليوم وهو أحد أهم أسباب الفساد الذي نواجهه. 

7. التفكير بالمستقبل وبالأجيال القادمة في اتخاذ القرارات: وهذا الأمر مهم جداً سواء على المستوى الشخصي أو القيادي. فكان بإمكان الحسين عدم الخروج على الظالم أو التريث في قراره؛ ولكنه فكّر بالأجيال اللاحقة واتخذ قراراً يتخذ منه نبراساً منذ تلك الفترة وإلى يومنا هذا. 

8. مواجهة المصائب والبلايا بالصبر والصمود: الإنسان الذي يسلك طريق الحق يبتلى في معظم الأحيان والأوقات والحسين خير مثال على ذلك. والأهم أنك كيف تتصرف تجاه تلك البلايا؛ هل بفعل تعصي به خالقك أو بتهور تضر به المجتمع ومن حولك؛ أم بحكمة وعقلانية وذلك بالصبر وعدم الاستعجال وبالصمود وعدم الرجوع كما فعل ذلك الحسين. 

9. الشهادة بكرامة تعني الانتصار؛ والغلبة بلا كرامة تعني الهزيمة: ولعل هذا أهم درس وأفضل عطية أهداها الحسين لنا وللإنسانية؛ فقد غير بها الكثير من المفاهيم والتصورات، فليس كل غلبة تعني الانتصار. فالغلبة التي تفقد بوصلة الكرامة والأخلاق والعدل فهي عين الهزيمة والسقوط، والشهادة لأجل العدل وطريق الحق بكرامة ما هي إلا النصر والفوز والفلاح. فتعلمنا من الحسين كيف ينتصر الدم على الظلم. 

10. ترك بصمة وأثر جميل في الدنيا: الإنسان مهما عاش ومهما طال عمره فهو يرحل من هذه الدنيا الفانية بلا شك (كل نفس ذائقة الموت) فالعاقل الذي فهم الحكمة الإلهية من خلق الإنسان والذي أدرك المسؤولية التي على عاتقه من خلال قبوله حمل الأمانة في "بزم ألست"؛ يترك خلفه سيرة وبصمة وأثراً يقتدى به من بعده. فطوبى للحسين الذي ترك أثراً عظيماً يقتدى به منذ قرون وإلى يومنا هذا. 

فالسلام على قدوة الأحرار وسيد الثوار الإمام الحسين. 

والسلام على أولاد وأصحاب وأنصار الحسين. 

والسلام على من فهم الحسين وعلى من سار بنهج الحسين وعلى من طبق نهج الحسين.

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس