غزوان المصري - خاص ترك برس

لم يبق سوى أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات التركية التي يصفها المراقبون السياسيون بالهامة والحاسمة.. حيث سخونة الساحات وحرارة الأجواء الانتخابية وصلت ذروتها.

في خضم هذا الحدث الكبير والجو المشحون عمدت بعض الأطراف السياسية في المعارضة تعمل على زج ملف اللاجئين السوريين كأداة في حملتها الانتخابية، ولم تتورع عن استخدامه كوسيلة لتصفية حساباتها السياسية مع الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي تبنى ملف اللاجئين السوريين كحالة إنسانية.

من جانبها تبنت قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم قضية السوريين وأولاها عناية خاصة، حيث اعتبرتهم مهاجرين والشعب التركي أنصارا، فسهلت لهم سُبل الحياة الكريمة في تركيا، إذ لا تخلو خطاباتها وكلماتها ومهرجاناتها من الدفاع عن اللاجئين السوريين وتبني مسألة وجودهم في تركيا.. ولطالما كرر خطباؤهم ومتحدثوهم على مسامع الشعب التركي حادثة وقعت عام 1946 زمن رئيس الوزراء عصمت أنينو الذي قام بتسليم  146 تركماني من أصول آذرية  فروا من ظلم ستالين ولجؤوا إلى تركيا هرباً من الموت. حيث بالرغم من توسلهم للجنود الأتراك بالبقاء في أرض الأناضول وأنهم يفضلون الموت برصاص الجنود الأتراك على أن يتم تسلينهم إلى عسكر الروس، فقد باءت بالفشل لأن الأوامر العسكرية من أنقرة كانت تقضي بتسليمهم للروس لينالوا مصيرهم رميا بالرصاص أمام أعين ودموع الجنود الأتراك الذين لم يتحملوا هذا المشهد فقام قائد الكتيبة بإطلاق الرصاص على رأسه ليلتحق بركب الشهداء الذين اضطر قسراً لتسليمهم للموت.

علينا كسوريين أن نكون واعين للفتن التي تحاك من أجلنا، ويقظين لمن يريد زرع الفتنة بين الشعب السوري والشعب التركي الذي احتضن أكثر من مليوني سوري.. علينا أن نعي أن الانتخابات التركية التي تجرى الآن ليس لنا علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، وأنها ليست قضيتنا، وليس مطلوب منا تأدية أي عمل لدعم أو خدمة اي حزب من الأحزاب أو القيام بأي عمل دعائي.. علينا بضبط النفس وألا يدفعنا الحماس لحضور المهرجانات الانتخابية والمشاركة بها.. علينا كسوريين الابتعاد عن التجمعات الانتخابية ومراكز الأحزاب وعن الفعاليات الانتخابية وعن المساهمة بتوزيع المنشورات الدعائية أو تعليق اللافتات أوالأعلام أو الإشارات الحزبية او الاقتراب من صناديق الانتخابات.

هناك من يريد الاصطياد في الماء العكر.. هناك من يريد دفع السوريين إلى مثل هذه التصرفات عن سوء نية ليستخدمها كوسيلة يُدين بها خصمه السياسي، ويتهمه بأنه سهل دخول السوريين إلى تركيا ليحقق من خلالهم التفوق في الانتخابات. هذا بالرغم من علم الجميع باستحالة مشاركة الأجانب في الانتخابات حيث هي ممنوعة قانونيا.. وما الانتخابات الماضية عنا ببعيدة فقد حاولت بعض الجهات الإيقاع بين التجمعات السورية وبين الأتراك فحصلت مشاجرات في بعض المدن الجنوبية أرادت بعض الجهات استغلالها للنيل من الحزب الحاكم وتوجيه الاتهام له بأنه يدافع عن المخربين والمجرمين.

علينا ألا ننسى تجربة السوريين المريرة في مصر أثناء الانتخابات التي جرت هناك، حيث اتهم السوريون بالمشاركة فيها، الأمر الذي انعكس على السوريين سلبيا، واتخذ ذريعة لمنع دخول السوريين إلأى مصر إلا بتأشيرة كما وأخرج وسفر كثير منهم إلى خارج مصر.

قد يتعرض بعض السوريون لكلمات استفزازية في الأماكن العامة. لنعلم أن هذا الاستفزاز مقصود يراد منه ايقاعنا في الفخ، من أجل أن تنتقل ردود أفعالنا إلى الإعلام فتُستخدم في الحملة الانتخابية للنيل من الحكومة التركية.. علينا أن نتحلى بالصبر لنفوت الفرصة على من يريد الفتنة ويريد بنا الشر.  

واجبنا جميعا أن نكون حريصين ومنتبهين ويقظين، وأن نساهم في توعية الأخوة السوريين من حولنا لهذه الأمور الهامة إلى أن تمر هذه الانتخابات بسلام، وحتى نفوت الفرصة لمن يريد العبث بملف اللاجئين السوريين.

المطلوب منا كسوريين إن أردنا أن نقدم شيئاً في هذا الوقت الذي تخوض فيه تركيا انتخابات مصيرية حاسمة، الدعاء لتركيا بأن يحفظها المولى عز وجل ويديم عليها نعمة الأمن والأمان والسكينة والاستقرار، وأن يجنبها الفتن، وأن يجزي أهلها عن جميع المظلومين خير الجزاء على ما قدموه نصرة للشعب السوري، ووما بذلوه دعما ووقوفا بجانبه في محنته التي تعتبر مأساة العصر.

هذا هو واجبنا وتلك مهمتنا وما عدها فربما ضرره أكثر من نفعه.

عن الكاتب

غزوان المصري

خبير بالشؤون التركية، مهتم بالاقتصاد والسياسة والأعمال وبالتواصل العربي التركي ونائب رئيس منتدى الأعمال الدولي IBF


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس