د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

اعتمد نور الدين نفس النظم الإدارية المعمول بها في عصره، والتي كان السلاجقة قد أرسوا قواعدها العريضة، وجاء الأيوبيون، والمماليك من بعدهم لكي يسيروا بها نحو مزيد من النضج، والتخصص، والشمول، لكن نور الدين أكَّد على مؤشر أساسي في ميدان الإدارة، ذلك هو أن كفاءة أجهزتها، وحصيلة معطياتها لا تعتمد على بنيان الجهاز، أو تركيب المنصب نفسه بقدر اعتمادها على الرجال أنفسهم؛ الذين يعهد إليهم بتسييرها، ومن ثم فإننا نجد نور الدين يملأ بنماذج متنوعة من هؤلاء الرجال؛ الذين كانوا يتباينون في الانتماء الجنسي، والجغرافي، والاجتماعي، ولكنهم ـ في الأغلب ـ يجتمعون على تلك الميزات، التي لا تستقيم بدونها إدارة ما( خليل،1980، ص54)

1 ـ أسد الدين شيركوه وبنو أيوب:

 عندما قتل عماد الدين زنكي عام 541هـ  1146م والد نور الدين محمود؛ وجد نور الدين في بعض رجالات والده، المتقدمين في ميادين الإدارة المدنية والعسكرية ساعده الأيمن، الذي اعتمده في الوصول إلى الحكم في حلب، وتثبيت أركان إمارته الفتية هناك.

2 ـ مجد الدين ابن الداية وإخوته:

 لم يشأ نور الدين أن يجعل جل اعتماده على العناصر الإدارية المخضرمة، ورأى أن يطعِّمها بعناصر جديدة أكثر ملاءمة وفهماً لأهدافه أسوة بما يفعله مؤسسو الدول في إعادة تنظيم أجهزتهم الإدارية، وترشيح العناصر الأكثر تقبّلاً للوضع الجديد، وتجانساً معه.(خليل،1980، ص55)

وقد كان مجد الدين محمد أبو بكر بن الداية، شقيق نور الدين في الرضاعة، وإخوته: شمس الدين علي، وسابق الدين عثمان، وبدر الدين حسن، وبهاء الدين عُمر، الذي لم يبرز في ميدان الإدارة كما برز إخوته لربما لصغر سنه.

ويتحدَّث العماد الأصفهاني عن المكانة العالية، التي بلغها مجد الدين، وإخوته في إمارة نور الدين، فيقول: (كان مجد الدين رضيع نور الدين، قد تربَّى معه، ولزمه، وتبعه إلى أن ملك الشام بعد والده، ففوض إليه نور الدين جميع مقاصده، وحكمه في الملك، فلا يحلُّ، ولا يعقد إلا برأيه. وكان يسكن قلعة حلب. وقد سُلِّمت قلعة جعبر، وتل باشر لأخيه الأصغر سابق الدين عثمان، وحارم لأخيه الثالث بدر الدين حسن. وثمة مواقع عديدة أخرى مثل عزاز، وعين تاب، وغيرهما، كان مجد الدين يشرف عليها بنفسه عن طريق نوابه، وعندما هدمت الزلازل شيزر عام 552 ـ 1157م واستولى عليها نور الدين من بني منقذ سلَّمها إلى مجد الدين.

3 ـ العماد الأصفهاني:

 غادر بغداد ميمماً شطر الشام، فوصل إلى دمشق في شعبان سنة 562هـ  1166م، وأعانه قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري، وأنزله بالمدرسة الشافعية النورية، وسرعان ما توثَّقت العلاقة بينه وبين بني أيوب: نجم الدين، وأسد الدين، وصلاح الدين، ثم ما لبث كمال الدين الشهرزوري أن قدَّمه في أواخر السنة إلى نور الدين، ونوَّه بشأنه، فرتَّبه نور الدين في ديوانه، منشئاً في مطلع عام 563هـ، 1167م، وصار رئيس ديوان الإنشاء، وكاتب السر، ومُدبّج الوثائق الرسمية، حتى وفاة نور الدين، وكان يتلقى من بني أيوب في مصر، تقارير مفصَّلة عما يستجد فيها من أحداث، فيقرؤها على نور الدين، ويكتب أجوبتها، وقد جاء تعيين العماد في هذا المنصب ـ كما يذكر هو نفسه ـ بعد استعفاء أبي اليسر بن عبد الله من الخدمة في ديوان الإنشاء، واعتكافه في بيته.

4 ـ خالد بن محمد القيسراني:

 مستوفي المملكة حتى عام 568هـ  1172م، والذي يصفه العماد بأنه كان عند نور الدين في مقام الوزير، وله انبِساط زائد، ويُذْكَرُ في الخريدة: أنه لما وصل الشام؛ وجد القيسراني في صدر مناصبها، وبدرِّ مراتبها، وكان نور الدين قد رفعه، واصطنعه، وبلغ منه مبلغاً من الأمر كأنه أشركه في الملك معه، ولقد كان حقيقاً بذلك. ويتحدث عنه أحد أحفاده المدعو معين الدين بن محمد، فيقول: كان جدي خالد قريب المنزلة من نور الدين إلى الغاية، وإليه استيفاء دواوينه بأسرها، وكتابة الإنشاء، وإمرة مجلسه، وهو المشير والوزير، والأمور كلها عائدة إليه. وواضح: أنَّ عمله في كتابه الإنشاء كان في الفترة التي سبقت توليها من قبل العماد الأصفهاني.(خليل،1980، ص62)

5 ـ محمد العمادي:

 صاحب نور الدين، وأمير حجابه، وأحد كبار نوابه في حلب، وصاحب بعلبك وتدمر. ويصفه سبط ابن الجوزي: (كان عزيزاً عند نور الدين)، ومن أعظم أمرائه.(بن قزاغلي، 1951،ج8، ص280)

6 ـ الشيخ الأمير مخلص الدين أبو البركات:

 عبد القاهر بن علي بن أبي جرادة الحلبي، الأمين على خزائن أموال نور الدين، كان كاتباً بليغاً، حسن البلاغة نظماً ونثراً، مستحسن الفنون من التذهيب البديع، وحسن الخط، المحرَّر على الأصول القديمة المستطرفة، مع صفاء الذهن، وتوقد الفطنة والذكاء.(المقدسي،1997،ج1، ص360)

7 ـ أبو سالم بن همام الحلبي:

 وَلِيَ الإشراف على الديوان بدمشق، حتى عام 551هـ  1156م حينما كشف التحقيق معه عن استغلاله المنصب لسرقة أموال الدولة، فألقي القبض عليه، واعتقل ثم أصدر نور الدين أمراً بكشف خيانته للناس، وعقابه عقاباً قاسياً، والطواف به في الأسواق، حيث كان المنادي يصيح: هذا جزاء كل خائن. وبعد أن أقام في المعتقل بدمشق أياماً؛ أمر نور الدين بنفيه إلى حلب، فغادر دمشق: (على أقبح صفة من لعن الناس، ونشر مخازيه).(خليل،1980،ص63)


مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، الدولة الزنكية، دار المعرفة، بيروت، 2007، ص 226-230

ابي شامة شهاب الدين المقدسي، عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: ابراهيم الزيبق، منشورات وزارة الثقافة، دمشق ،1418-1997

شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاغلي، مراة الزمان في تاريخ الأعيان، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الهند 1370 هـ  1951 م.

عماد الدين خليل، نور الدين محمود، الرجل التجربة، دار القلم 1400 هـ  1980 م.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس