علي الصاوي - 180 نيوز

يزداد الدور التركي يوما بعد يوم في الأزمة الحالية بين أوكرانيا وروسيا عبر دعوات رئاسية تركية لكلا الدولتين لزيارة تركيا سعيا لرأب الصدع وإيجاد صيغة تفاهم سياسي، يُجنّب الدولتين أى صدام عسكري قد يهدد مصالح أنقرة، وأيضا يحد من تنامي نفوذ روسيا في منطقة شمال البحر الأسود، بما يضمن أمن حدود تركيا الشمالية مستقبلا، خاصة وأن تركيا لا تريد مزيدا من الصراع الغربي الروسي لتجنب سيناريو شبة جزيرة القرم التى ضمتها روسيا في خطوة رفضتها أنقرة واعتبرتها غير قانونية. 

 وهناك الكثير من سكان منطقتى دونيسيك ولوهانسك جنستهم الحكومة الروسية بشكل متسارع، فقد حصل مليون أوكراني على الجنسية الروسية ما بين عامي 2016و2020 لتشكيل ذريعة تدخل فيما بعد، وخلق مسوغ سياسي لدعم الانفصاليين في الإقليم وذلك بعد هروب الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش عام 2014 إلى روسيا ليبدأ حراك الانفصال من قبل القوات المتمردة على الحكومة في كييف بدعم روسي. 

 

وسرعان ما تحولت تلك المناطق إلى نمط الحياة الروسية بعد سيطرة الانفصاليين المدعومين روسيّا، بدءا من الاتصالات، ومرورا بالخدمات، وحتى الاعتماد على الروبل الروسي بدلا عن الهريفنيا الأوكرانية، حيث يحصل السكان على رواتب شهرية وتقاعدية بدعم روسي غير معلن، كما أن الحدود البرية التي تسيطر عليها روسيا، مفتوحة أمام حركة السكان والبضائع في "الجمهوريتين" اللتين أصدرتا "جوازات سفر" خاصة بهما تعترف بها روسيا فقط.

ترحيب بالوساطة التركية

وفي ضوء التحركات التركية رحبت أوساط سياسية ودينية في أوكرانيا بالوساطة التركية لنزع فتيل التوتر المستمر منذ 8 سنوات، فقد صرح نائب رئيس مكتب الرئيس الأوكراني "ميهاي بودولياك" أن الدعوة التركية مدروسة بشكل جيد وتحمل روح المبادرة والرئيس أردوغان يعرف جيداً طبيعة الصراع في المنطقة، بدوره قال فلاديمير زوباينكو، رئيس مجلس كنائس الطوائف المسيحية في كراماتورسك، إن تركيا بلد فعّال، وإنها أثبتت ذلك خلال السنوات الماضية، معربا عن ترحيبه بالمبادرة التركية المتمثلة في الوساطة بين أوكرانيا وروسيا لحل الأزمة. 
 
في المقابل علق المتحدث باسم الكرملين "دميتري بيسكوف" على الوساطة التركية بقوله: إن الكرملين يرحب بجهود أي دولة بإمكانها المساعدة في تسوية الوضع في أوكرانيا، مضيفا أن الخلافات الرئيسية بين روسيا وأوكرانيا تتعلق على وجه التحديد بتعثر تنفيذ اتفاقيات مينسك من قبل كييف، فإذا كان بوسع شركائنا الأتراك التأثير على الأوكرانيين ودفعهم للوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاقيات مينسك، فلا يمكن إلا الترحيب بهذا الأمر. 

لكن في ضوء المعطيات الحالية يتضح أن تركيا تقف بجانب أوكرانيا ضد النفوذ الروسي، بسبب العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية التى تنامت بشكل كبير بين البلدين في السنوات الأخيرة وهو ما يجعل الموقف التركي أقرب إلى أوكرانيا تحت أي ظرف، كما أن شراكة تركيا في حلف الناتو يلزمها أن تتخذ موقفا أقرب إلى أوروبا منه الى الروس، لكن أردوغان يحاول أن يتجنب المعادلات السياسية الصعبة بسعيه المستمر لجمع البلدين على طاولة الدبلوماسية أو دعم أوكرانيا بشكل غير مباشر. 

ذاك الدعم غير المباشر تجلّت مؤشراته بتوقيع تركيا وأوكرنيا اتفاقية من شأنها أن توسع بشكل كبير إنتاج طائرات "بيرقدار" القتالية المسيرة داخل الأراضي الأوكرانية والتى من شأنها أن تغير دفة الصراع مع الانفصاليين في إقليم دونباس كما فعلت من قبل في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا ، وقد حذرت روسيا أوكرانيا أن تستخدم تلك المسيرات على حدودها، لكن  بهذه الاتفاقية أصبح لأوكرانيا الحق في استخدامها كونها صنعت على أراضيها ولم تستوردها من تركيا، وبذلك تكون تركيا في منأى عن الاتهام الروسي بدعم أوكرانيا عسكريا.  

تداعيات الأزمة على تركيا

وعن تداعيات نشوب حرب على المصالح التركية قال المحلل السياسي التركي فراس أوغلو إن أوكرانيا جزءا مهما من سياسة الاستقرار في المنطقة، وأى اضطرابات سوف تحدث سيكون لها أثر سلبي على المصالح التركية. 

وأضاف أوغلو في تصريحات خاصة لـ"موقع 180 تحقيقات" أن روسيا كلما اتسعت رقعة نفوذها سيكون بالطبع على حساب تركيا، لذلك تحاول تركيا أن تتجنب الصدام وتُبقى على قواعد اللعبة السياسية على ما هى عليه الأن.

وأضاف: حتى لو ظل الوضع كما هو الأن سيكون في صالح روسيا لأنها تسيطر على أجزاء من الاراضي الأوكرانية أو تدعم موالين لها يسيطرون على أجزاء من أراضى في إقليم دونباس المجاور لروسيا. 

وقال أوغلو أن التعاون العسكري بين تركيا وأوكرانيا موجود، وقد تجلى ذلك في شراء أوكرانيا طائرات مسيرة من تركيا، لكن أوكرانيا تعول أكثر على التعاون العسكري مع حلف الناتو، ثم تأتى دول أخرى مثل تركيا لتدعمها بشكل غير مباشر، كما أن أوكرانيا دولة متقدمة عسكريا لكنها بحاجة إلى دعم كبير من أمريكا والناتو خاصة في ظل القوة العسكرية التى تتمتع بها الدولة الروسية.

 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس