د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في طريق عودته من الإمارات وقبل أن تهبط طائرته في مطار العاصمة التركية، أن بلاده والسعودية تواصلان الحوار، وإنه من المرتقب تحقيق تقدم عبر اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة. رسائل القيادات التركية والإماراتية لا يمكن فصلها أيضا عن اللقاء السعودي القطري الذي جرى مؤخرا بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بنظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن على هامش أعمال قمة ميونيخ للأمن المنعقد في ألمانيا.

تفاوض إيران أمام الطاولة "النووية" أميركا وأوروبا بتشجيع روسي. إسرائيل المستقوية دائما بالترسانة الحربية الأميركية تساوم طهران بطريقة غير مباشرة على أن تأكل من صحن غيرها لا من صحنها، ولا تريد تقديم تنازلات لصالح صعود طرف إقليمي آخر في المجال النووي. المتضرر الأكبر هنا سيكون تركيا والعالم العربي. فهل مخاطر المرحلة المقبلة هي التي تدفع الطرفين للتنسيق والتعاون؟

في أسباب الاستدارة التركية العربية نحو الطاولة حتما هناك حقيقة خروج إيران وإسرائيل بين الرابحين في فيينا. الحراك التركي العربي الجديد هو باتجاه واشنطن وطهران قبل غيره. ومضمونه هو أن ما يدور في فيينا يعنيهما عن قرب وإن نتائجه ستؤثر على التوازنات والمعادلات السياسية والأمنية والاقتصادية في الإقليم.

الدعوة التركية الإماراتية في أبو ظبي كانت باتجاه إعلان فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، لكن شقها الإقليمي كان باتجاه فتح أبواب الحوار لحل مشاكل المنطقة وأزماتها. أنقرة والعواصم العربية تستعد لما بعد محادثات فيينا النووية التي بدأت تقترب من نقطة القرار كما يبدو. إنشاء آلية حوار سياسي اقتصادي والحديث عن وضع أسس مسار استراتيجي جديد في العلاقات التركية الإماراتية رسائل مخاطبها إيران ومشروعها النووي بقدر ما هي موجهة إلى أطراف راهنت لسنوات على القطيعة التركية الخليجية.

هناك مفاجات ستحصل بأكثر من اتجاه. حديث الرئيس أردوغان عن تداخل الأمن التركي والعربي مسألة تعني أميركا وأوروبا بقدر ما تعني إسرائيل وإيران. كما أن التقارب التركي العربي يحمل في طياته توجيه رسائل مباشرة إلى إدارة بايدن أن لعب ورقة طهران مرة أخرى كما حدث في العراق واليمن ولبنان لن يمر بسهولة هذه المرة. وأن الصفقة التي تريدها واشنطن عبر لعب ورقة إيران ضد دول المنطقة هي التي قد تقرب بين أنقرة وتل أبيب وأبو ظبي والقاهرة أكثر فأكثر. وأن الهدف الإقليمي الاستراتيجي الآخر سيكون الإسراع في ترتيب انعقاد الطاولة المستديرة الخماسية التركية السعودية المصرية الإماراتية القطرية استعدادا لأية مفاجأة أميركية إيرانية إقليمية جديدة. الحديث عن تفاهمات تجارية ثلاثية تركية إماراتية إيرانية بينها خطوط نقل بضائع بحرا وبرا، جزئية بسيطة وسط حراك الدول الإقليمية الفاعلة لبناء معادلات سياسية أمنية أوسع وأكبر. هل من الممكن أن يكون هناك تقارب إسرائيلي إماراتي أو تطبيع تركي إسرائيلي وتقبل تل أبيب بإشراك طهران في مشاريع استراتيجية البعد مع أنقرة وأبو ظبي؟ إما أن واشنطن تعد للتقريب بين طهران وتل أبيب على حساب تركيا والدول العربية وإما أن إسرائيل ستغادر فيينا التي دخلتها من الأبواب الخلفية ولكن من الأبواب الأمامية هذه المرة معلنة رفضها لعب ورقة إيران مجددا في الإقليم.

تكرر طهران دائما أن حربها هي مع المخططات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة وتردد أن مشروعها النووي هو حلقة في خطة الدفاع عن الخليج وأمنه. ترجمة هذه المواقف جاءت بعكس ما تقول وسياساتها في العراق واليمن ولبنان ومحاولاتها اختراق أمن العواصم الخليجية أكثر من مرة عبر أدواتها أثبتت أنها تفعل عكس ما تقول.
أطلق حزب العدالة والتنمية مع وصوله إلى السلطة في بداية العام 2002 استراتيجية إعادة هيكلة السياسة الخارجية التركية، وأعطى مسألة العلاقة بدول الخليج مساحة كبيرة فيها، بهدف توسيع رقعة التعاون والتنسيق لحل المشاكل الإقليمية. كان هناك اختبار "ثورات الربيع العربي" عام 2010 ثم الأزمة الخليجية عام 2017 وسياسة تركيا في سوريا وليبيا وإفريقيا لتتحول كلها إلى امتحان صعب في مسار ومستقبل العلاقات التركية العربية.

التطورات الإقليمية المتسارعة على أكثر من جبهة وأزمات الداخل التركي الاقتصادية ومواقف الإدارة الأميركية الجديدة في المنطقة وفي مقدمتها هواجس الانفتاح الأميركي على إيران قلبت المعادلات رأسا على عقب، ودفعت العديد من العواصم لإعادة النظر في حساباتها ومواقفها والتحول نحو قراءة برغماتية جديدة هدفها التواجد أمام طاولة إعادة رسم التحالفات وحماية المصالح.

تواجد أردوغان في أبو ظبي إشارة مهمة في تحول مسار السياسة التركية الخليجية والعربية. الجديد هو شعور كلّ طرف بضرورة مراجعة حساباته ومصالحه وأولويّاته بطريقة وأسلوب مغاير يأخذ بعين الاعتبار التحوّلات الإقليمية والدولية القائمة.

تنتهج تركيا سياسة عربية جديدة. قليل هو عدد من كان يعول على سرعة التحول في مسار العلاقات التركية الإماراتية بعد كل هذا الكم من التوتر والتباعد. الحماس التركي نحو الرياض والقاهرة هو أكبر لكن الجميع سيراجع مواقفه في النهاية.

ما إن غادر أردوغان أبو ظبي حتى كان هناك قمة إماراتية هندية بطابع استراتيجي. الرئيس التركي سارع بإرسال المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن ومساعد وزير الخارجية سدات أونال إلى إسرائيل باتجاهين تل أبيب ورام الله. لا أحد يهدأ في الإقليم في هذه الآونة. نحن ننام ليلا وننهض في صباح اليوم التالي وقد تبدلت الكثير من المعادلات والتوازنات في المنطقة بمثل هذه السهولة والسرعة. أنقرة ما زالت تبحث عن فرص تحسين علاقاتها مع الرياض والقاهرة، والدوحة تصالحت مع العواصم الثلاث. الدور جاء على أبو ظبي لتفعيل جهود التقريب بين أنقرة من جهة ومصر والسعودية من جهة أخرى فمتطلبات المرحلة تحتم تسريع ترتيب الطاولة الخماسية.

 

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس