د. علي الصلابي - خاص ترك برس

ثبت أنّ اسم امرأة فرعون: "آسية"، وقيل إن اسم والدها مزاحم، مَنَّ الله تبارك وتعالى عليها بكفالة نبيه موسى عليه السلام صغيراً وقد آمنت به كبيراً، كما أعانها عزّ وجل على تحمل الأذى في سبيل ثباتها على الدين، فكان ثوابها عند الله عظيماً، فالقرآن الكريم حدثنا عن موقف مشرف لهذه المرأة قبل إيمانها في دفاعها عن نبي الله موسى عليه السلام لدى فرعون واستيعابها له منة، وقد أراد قتله الأمر، وهو الذي جعلها سبباً رئيساً في نجاته من القتل والإبقاء على حياته ليكبر بعد ذلك ويبعثه الله رسولاً، ويكون هلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل على يديه. (الدور التربوي للمرأة في قصة موسى، جوهرة عبد العزيز، ص٩٣)

وإن لفضل آسية زوجة فرعون وعلوّ شأنها ورفعة مقامها في الدنيا والآخرة، عدّها رسول الله ﷺ من النسوة الكمّل، من خير نساء العالمين وأفضل نساء الجنة، فعن أبي موسى الأشعري قال رسول الله ﷺ : كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: خط رسول الله ﷺ في الأرض أربعة خطوط ثم قال: تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال رسول الله ﷺ : أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم -امرأة فرعون.
نموذج للتفاؤل "امرأة فرعون":

في قوله تعالى: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ ]القصص:٩[، ففي الوقت الذي التقط فيها آل فرهون تابوت موسى عليه السلام من الساحل وحملوه إلى فرعون، وقفت امرأة فرعون تحاج عن الطفل الصغير وتذب دونه وتحبب آل فرعون وقد حنن الله قلبها عليه وعطفه وحببه إليها كأشد ما يكون الحب ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾، فرجَت نفعه وتوسمت فيه الخير، فتركه فرعون واستحيا، وكان موسى عليه السلام سبباً في انتفاعه به وإنقاذها من الكفر إلى الإيمان ومن الضلال إلى النور، ورفع منزلتها ومقامها في الدنيا والآخرة.

وإن هذا الخطاب الرائع في متانته ورقته وإقناعه ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ له أثر في أعظم طاغية عرفه التاريخ البشري، فحمت موسى عليه السلام بتعاطفها وحبها.

وفي قول آسية امرأة فرعون ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ فضل الفأل الحسن وقد نالها ما رَجَت من النفع؛ أما في الدنيا فهداها الله به، وجعل لها أحسن الثناء في الآخرين بقوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ ]التحريم:١١[، فاستعملها الله سبحانه وتعالى بطاعته وصبرها إلى فسيح جنته.

لقد ظهرت آسية بنت مزاحم في حياة موسى عليه السلام صاحبة دور وأي دور؛ إنه دور الأم والمربية والحاضنة ثم مؤمنة بالرسالة متبرئة من فرعون وعمله، داعية إلى الله تعالى أن يبدلها قصرها في الدنيا ببيت في الجنة. (الدور التربوي للمرأة في قصة موسى، ص٩٧)

قدوة في الصبر "امرأة فرعون":

صبرت على تكاليف الإيمان وتعرضت للأذى والتعذيب، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، كانت ترى بيتها في الجنة.

كانت كلمة واحدة تنقذها من القتل البشع وتعيدها لترفل في النعيم، ربه التاج في مصر، فماذا اختارت آسية بنت مزاحم؟ اختارت رضى الله والقرب منه ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾، لقد اختارت كما يقول العلماء: الجار قبل الدار، اختارت ربها فقالت: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ ولم تقل: رب ابن لي بيتاً عندك في الجنة، ولقد حقق الله الأمل والرجاء بعد أن صبرت على البلاء والتضحية. (الدور التربوي للمرأة، ص١٠٣)

إن الإيمان ليس كلمة تقال، إنما حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء وجهاد يحتاج إلى صبر واحتمال، فلا يمكن أن يقول الناس: آمنّا وهم لا يتركون لهذه الدعوة، حتى يتضرعوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتتن النار الذهب لتفصل بينه وبين هذه العناصر الرخيصة العالقة به، وهذا أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب. (في ظلال القرآن، ٥/٢٧٢٠)

امرأة فرعون "آسية بنت مزاحم" آمنت بالله عزّ وجل، ورأت النور بقلبها فعذبها فرعون ولكنها صبرت وتعلقت بالله تعالى وناجته ودعته فاستجاب الله دعاءها، قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ ]التحريم:١١[.

إن القرآن الكريم حدثنا عن نموذج من عالم النساء اختارت العبودية المطلقة لله تعالى، فتحققت لها ذلك يوم أن صدقت مع الله فصدق الله معها: فالمرأة في القرآن لا يؤثر عليها وهي صالحة فساد الرجل وطغيانه ولا ينفعها وهي صالحة صلاح الرجل وتقواه، فإنها ذات مسؤولية مستقلة فيما يتعلق بشؤونها أمام الله، فلا شكّ إذن في اهتمام القرآن بالمرأة من حيث تسويته بين الرجل والمرأة أمام التكليف الشرعي والجزاء الأخروي، وأن كل منهما مسؤول عن نفسه مسؤولية مستقلة عن الآخر. (الدور التربوي للمرأة في قصة موسى، ص١٠٤)

هذه آسية بنت مزاحم امرأة فرعون وسيدة مصر الأولى تَضرب مثلاً طيباً للمرأة المؤمنة الصالحة في البيئة الفاسدة المرأة التي واجهت الإغراءات والمساومات والترغيب والترهيب والتعذيب بصبر وثبات المرأة التي لم تغتر بجمالها ولم تغتر بسلطانها، المرأة التي تتخلى عن المتع الفانية والأعراض الزائلة وتتطلع إلى ما عند الله تعالى.

فآسيا هي تلك المرأة التي ترتقي إلى أعلى الدرجات في عالم المرأة، ويقترن ذكرها بمريم بنت عمران وبخديجة بنت خويلد، وبفاطمة بنت محمد ﷺ، لم تصل إلى هذه المكانة الرفيعة بجمالها ولا بمالها ولا بسلطانها، وإنما وصلت إليها بإيمانها وعملها الصالح ودعوتها إلى الحق، ألا ما أحوجنا في عصرنا هذا إلى مثل هذه الأمثلة الرائعة وهذه النماذج الطيبة. (المرأة في القصص القرآني، للشرقاوي، ١/٤٢٧).

إن آسية بنت مزاحم كانت نموذجاً في الثبات وصلابة الإيمان وقوة المعتقد، ولم يضرها كفر زوجها وطغيانه إذ كانت مؤمنة بالله لأن من أحكام الله في خلقه ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. (الدور التربوي للمرأة، ص١٠٥)


ملاحظة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: "موسى عليه السلام"، للدكتور علي الصلابي، واستفاد كثيراً من كتاب: "الدور التربوي للمرأة في قصة موسى عليه السلام"، جوهرة عبد العزيز.

·     الدور التربوي للمرأة في قصة موسى، جوهرة عبد العزيز، ص٩٣.

·     في ظلال القرآن، سيد قطب.

·     المرأة في القصص القرآني، أحمد محمد الشرقاوي.

·     موسى عليه السلام عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، علي محمد الصلابي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس