محمد قرة مريم – خاص ترك برس

تتواصل أصداء زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى أنقرة ولقائه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الصحف ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية، حيث تطرح الزيارة العديد من الأسئلة حول دوافعها وأهدافها وتداعياتها، فضلاً عن تأثيرها على العلاقات الثنائية والإقليمية خلال المرحلة المقبلة.

وفي هذا الإطار، حاور "ترك برس" الأكاديمي والمحلل التركي، غوكهان تشينقارا، حول تفاصيل زيارة بن سلمان إلى أنقرة، وعن دوافعها الأساسية، وعما إذا كانت قد نجحت فعلاً في نقل العلاقات إلى حقبة جديدة عنوانها التعاون والشراكة على مختلف الأصعدة.

"تشينقارا" وهو أكاديمي في قسم العلوم السياسية بجامعة نجم الدين أربكان التركية وأحد كتّاب صحيفة "اندبندنت التركية" المملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق (SRMG)، قال إن زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا، أمر يتجاوز العلاقات التركية السعودية وتهم المنطقة برمتها، مبيناً أن الشرق الأوسط مقبل على تحالفات عسكرية أشبه بحلف شمال الأطلسي "ناتو".

وأضاف أن "هناك العديد من الدوافع للزيارة، أبرزها مساعي بن سلمان لتعزيز سلطته المقبلة كحاكم للسعودية، لذا قام بزيارة أهم 3 بلدان في المنطقة وهي مصر والأردن وتركيا، حيث أن القاسم المشترك بين هذه الدول كونها بلدان مسلمة سنيّة ومعتدلة. ويعتقد بن سلمان أن تعزيز مجالات الشراكة والتعاون مع هذه البلدان الـ 3 سيسهّل من إدارته للسلطة في بلاده وفي المنطقة."

وأشار إلى أن الدافع الآخر للزيارة، هو أن بن سلمان "يسعى لتشكيل تحالف عسكري وجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط. ولتأمين ديمومة هذا التحالف وعدم مواجهته تحديات من المحيط الإقليمي، سعى لنيل موافقة ودعم الدول الهامة في المنطقة. لا سيما وأن دعم تركيا ومصر والأردن لهذه الخطوة هامة جداً من حيث إنجاحها."

وفي معرض رده على سؤال حول مكانة الجانب الاقتصادي في زيارة بن سلمان لأنقرة، قال المحلل التركي إنه "لا شك أن هناك دوافع اقتصادية ومساعي لتأسيس شراكات تجارية بين البلدين، وخاصة في مجال الصناعات الدفاعية، إلا أنه وبحسب اعتقادي فإن هذا الجانب هو ثانوي بالنظر إلى الدوافع الجيوسياسية الأخرى."

وفيما يلي النص الكامل للحوار:

هل حققت زيارة بن سلمان لأنقرة أهدافها في الانتقال فعلياً بالعلاقات التركية السعودية إلى حقبة جديدة؟

يمكننا القول إن العلاقات تخطت عتبة هامة وقطعت شوطاً كبيراً في إطار الانخراط بمرحلة جديدة لتطبيع العلاقات. ورغم أن الأمر سيحتاج بعض الوقت لتحقيق تقدم ملموس في هذا الخصوص، إلا أن البلدان دخلا فعلياً في مرحلة التطبيع ويمتلكان نوايا إيجابية في هذا الإطار كما نرى ذلك في التصريحات المتبادلة. كذلك فإن علاقات أنقرة والرياض ستكتسب عمقاً وزخماً استراتيجياً أكثر مع تكثيف مجالات الشراكة والتعاون في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا والعراق واليمن. وبحسب اعتقادي فإن العودة إلى المستوى الجيد للعلاقات الثنائية لن يستغرق الوقت الكثير، لأنني عندما أتواصل مع فئة النخبة في السعودية، ألمس لديهم محبة ومودة غير طبيعية تجاه تركيا ولديهم رغبة كبيرة. لذا أتوقع أن التطبيع بين تركيا والسعودية ستكون سريعة، بل وأسرع من التطبيع الذي حصل بين أنقرة وأبو ظبي.

ما هي التوقعات الأساسية التي يجب أن نتوقعها مع هذه الزيارة؟

الزيارة ليست محدودة بالعلاقات التركية السعودية، بل تهم المنطقة برمتها، لأن سياسات ترامب وبريطانيا فرضت معادلة مختلفة على المنطقة تمثلت في "الاتفاقيات الإبراهيمية" بين إسرائيل وبلدان الخليج. لذا تحاول هذه الدول حالياً تحويل هذه الاتفاقيات إلى تحالف أمني تحت مظلة عسكرية. وتركيا ستكون في قلب هذه المعادلة والمظلة الأمنية المرتقبة.

ما رأيكم في التحليلات المتعلقة بلغة الجسد التي انتهجها بن سلمان خلال مراسم الاستقبال الرسمية في أنقرة؟

عند النظر إلى زيارات بن سلمان الأخرى، أرى أن لغة الجسد لولي العهد كانت طبيعية جداً في أنقرة. أما فيما يخص إلقائه السلام على حرس الشرف خلال مراسم الاستقبال الرسمية، بدلاً من القول "مرحبا عسكر" (وفق قواعد بروتوكول الاستقبال التركية)، فإن هذا موجّه للرأي العام الداخلي في السعودية، لأنه هو الآخر (بن سلمان) يحرص على الظهور بمظهر "الواثق من نفسه الذي لا يتراجع" أمام شعبه. لذا أرى أنها كانت رسالة موجهة بشكل كامل للداخل السعودي ولا علاقة لها بتركيا.

كيف قرأتم تغطية الإعلام السعودي لزيارة ولي العهد إلى تركيا؟

كانت إيجابية جداً بشكل لا نستطيع مقارنتها مع تغطيتها لزيارة أردوغان إلى الرياض، حيث أن زخم التغطية والتحليلات كانت مكثفة جداً. وانطلاقاً من هنا أتوقع أن الخطاب المناهض لتركيا في الإعلام السعودي قد انتهى. لا سيما وأن التحليلات والآراء التي ينشرها إعلام السعودية وصحافتها، تظهر بأن السعوديين باتوا يرغبون برؤية تركيا في التحالف العسكري المزمع إنشاؤه في الشرق الأوسط والذي سيكون أشبه بحلف شمال الأطلسي "ناتو."

هل تتخلص العلاقات التركية السعودية من تداعيات قضية خاشقجي؟

أرى أن قضية الصحفي جمال خاشقجي، انتقلت تماماً إلى مضمار القضاء السعودي ولن تلقِ بظلالها على العلاقات الثنائية بعد الآن. الدولة التركية لا تتطرق لهذا الملف على الصعيد الرسمي. لكن قد تكون هناك مبادرات من قبل منظمات المجتمع المدني للإبقاء على القضية حية، إلا أن حكومات وساسة حزب العدالة والتنمية الحاكم يبدو أنهم لن يتطرقوا بعد إلى هذا الأمر، بخلاف حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار أوغلو الذي أكد أنه سيواصل متابعة القضية.

ماذا سيكون مصير الحظر غير الرسمي على البضائع التركية في السعودية؟

الخطوات الميدانية تشير إلى اتجاه الرياض لرفع هذا الحظر رويداً رويداً، إذ أنه من غير المعقول الإبقاء على هكذا خطوة في ظل تكثيف رحلات الطيران بين البلدين. ناهيك عن أن السعوديون لديهم رغبة كبيرة في رؤية الشركات التركية وهي تستثمر في مشروع مدينة نيوم ومركز الملك عبد العزيز المالي وإكسبو 2030. كما أن بقاء هذا الحظر يعد متناقضاً مع رغبة السعوديين في الدخول إلى السوق التركي والاستثمار فيه وبخاصة في المجال الإعلامي، لأن السعودية والإمارات يعتبرون تركيا "مركزاً فكرياً جديداً."

انطلاقاً من هذا، هل يمكنناً رؤية منصات إعلامية وصحفية سعودية وإماراتية قريباً في تركيا؟

بالطبع هذا وارد جداً من قبل السعودية والإمارات. بل وأعتقد أن العديد من القنوات السعودية سواء القائمة أو التي ستتأسس لاحقاً، ستكون لها أنشطة بارزة في تركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!