علي حسين باكير - العرب القطرية

بينما كانت عمليات فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا في تركيا قد شارفت على الانتهاء، قمت في بث حي مباشر من أمام مقر حزب العدالة والتنمية على قناة الجزيرة بالتعليق على النتائج التي أظهرتها عمليات الفرز، وذكرت أن هذه النتائج قد تعيد عبد الله غُل إلى واجهة الأحداث من جديد إذا ما أراد الحزب إجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وبينما كان لا يزال اسم عبدالله غُل غائبا عن اجتهادات المحللين في تناول المشهد الحالي والمستقبلي في تركيا، عاد عبدالله غُل من جديد إلى المشهد السياسي التركي في 14 حزيران/ يونيو الحالي، ولكن من البوابة الإعلامية، وتحديدا من خلال كتاب (12 سنة مع عبدالله غُل: عايشت، شاهدت، كتبت) لمؤلفه أحمد سفر المستشار الإعلامي لعبد الله غُل لمدة 12 سنة.

لم أقرأ الكتاب بعد، لكني تابعت تغطية الإعلام له وردود الأفعال المختلفة التي أثارها في الداخل التركي حتى الآن. يركز الكتاب وفق هذه التقارير على المواضيع الرئيسية والمهمة التي اختلف فيها عبدالله غُل مع أردوغان داخليا وخارجيا منذ العام 2009 ولا سيما في العام 2010 و2013، وهو من هذه الزاوية يؤكد الانطباعات التي كانت قائمة فعلا في المرحلة الماضية.

البعض حاول استغلال الكتاب للقول إنه بمثابة قنبلة ألقيت داخل حزب العدالة والتنمية وإنه يهدف إلى ضرب وحدة الحزب، آخرون قالوا إنه يأتي في سياق ترويج عبدالله غُل لنفسه من جديد، فيما قام بعض (المعارضين) باستغلاله لرمي أردوغان بما جاء فيه.

في 16 يونيو الحالي، أصدر عبدالله غُل بيانا نفى فيه الادعاءات التي تقول إنه أملى ما جاء في الكتاب على سفر أو أنه أعطى موافقة مسبقة عليه أو أنه يمثل وجهة نظره قائلا: "لم أقدم في أي حال من الأحوال التوجيه أو أتدخل في عملية إعداد الكتاب، بل على العكس أبلغت أحمد بأنني لست متحمسا لفكرة نشر الكتاب".

في 19 يونيو، جرى اجتماع مفاجئ بين كل من أردوغان والرئيس السابق عبدالله غُل في مكتب رئيس مجلس النواب التركي جميل تشيشيك لمدة 45 دقيقة، لم يُدلِ المجتمعون بأي تصريحات بعد انتهائه، لكن بعد مغادرة أردوغان، بقي غُل مع تشيشيك وانضم إليهم عدد من نواب حزب العدالة والتنمية الذين لم يستطيعوا الترشح بسبب قاعدة الدورات الثلاث في النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية. ماذا بحثوا خلال الاجتماع؟ عودة غُل؟ تأسيس حزب جديد؟ بحث استثناء لقاعدة الدورات الثلاث؟

عُلم من مصادر تركية رسمية رفيعة المستوى أن "عودة جول أمر صعب للغاية لأن الأخير لن يقبل بأقل من أن يكون في الواجهة في رئاسة الحزب ومن ثم الحكومة، وأن هذا سيتطلب إخراج داود أغلو من المعادلة وليس هناك استعداد حتى الآن لفعل ذلك". إذا كان ذلك صحيحا، فهل تم بحث تأسيس حزب جديد من قبل هؤلاء؟ لا أعتقد لأن غُل إذا فعل ذلك فسيدمر حزب العدالة والتنمية بالتأكيد وهو رجل عقلاني ومسؤول رغم أن له الحق في أن يفعل ذلك بعد دفعه بشكل قسري إلى خارج اللعبة السياسية.

الأرجح أنه تم بحث استثناءات ربما على قاعدة الدورات الثلاث مع إبقاء خيار عبد الله غُل مفتوحا أيضا. لكن على كل حال، الرجل لم يعط حقه حتى الآن، وكانت عدة وسائل إعلامية مقربة من الحكومة قد تولت قبل انتهاء ولايته بأيام التشهير به. لقد كان ذلك تصرفا غير لائق على الإطلاق، ولا يليق أيضاً برئيس من هذا الطراز، والمشكلة أن من قاموا بهذا العمل حديثو العهد بالسياسة وبحزب العدالة والتنمية، لا يعرفون فضله وقدره في تأسيس الحزب، ولا في إرساء أسس السياسة الخارجية الحديثة لتركيا عندما كان وزيرا للخارجية ولا المخاطر التي واجهها عند إنشاء الحزب.

الشق الغائب دوما في تداول المسائل الخلافية بين الرجلين يكمن وفق تقرير نشر في بداية العام 2014 تحت عنوان "تحليل السمات الشخصية والنفسية للقيادة التركية: غُل وأردوغان وجها لوجه" في عدم فهم منطلقات الاختلاف في وجهات النظر والتي تعود في جزء كبير منها إلى الخصائص الذاتية التي كونت الرجلين ودفعت أحدهما لأن يصبح زعيما شعبيا حازما والآخر لأن يكون رجل دولة حكيما.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس