محمد تشليك - ديلي صباح

تجري الولايات المتحدة وأرمينيا حالياً مناورات عسكرية عالية المخاطر بالقرب من يريفان، وهي مناورة عسكرية مشتركة تحمل اسم "الشريك النسر".

هذه التدريبات، المقرر عقدها في الفترة من 11 إلى 20 سبتمبر/أيلول، ليست مجرد عرض روتيني للبراعة العسكرية؛ إنها مناورة استراتيجية يقوم بها رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان لجذب الدعم الغربي أو، كما يتوقع البعض، لإزعاج روسيا.

وفي مقابلة أجريت معه مؤخراً مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية، وصف باشينيان بجرأة اعتماد أرمينيا التاريخي على روسيا في الأمن بأنه "خطأ استراتيجي" كبير.

وقال باشينيان لصحيفة "لا ريبوبليكا" إن "البنية الأمنية لأرمينيا كانت مرتبطة بروسيا بنسبة 99.999%، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بشراء الأسلحة والذخيرة".

"لكننا نرى اليوم أن روسيا نفسها بحاجة إلى أسلحة وأسلحة وذخيرة (للحرب في أوكرانيا)، وفي هذا الوضع، من المفهوم أنه حتى لو أراد ذلك، فإن الاتحاد الروسي لا يستطيع تلبية احتياجات أرمينيا الأمنية.

وقال رئيس الوزراء الأرميني "هذا المثال يجب أن يوضح لنا أن الاعتماد على شريك واحد فقط في المسائل الأمنية يعد خطأ استراتيجيا".

في الوقت نفسه، تراقب روسيا تحول أرمينيا بمزيج من الانزعاج واليقظة. وبما أن أوكرانيا لا تزال ساحة معركة، تبدو موسكو حذرة من تحويل موارد كبيرة واهتمام كبير إلى مسرح جيوسياسي جديد. ورداً على الانجراف الاستراتيجي لأرمينيا، استدعت وزارة الخارجية الروسية المبعوث الأرميني، معربة عن استيائها مما أسمته سلسلة من "الخطوات غير الودية" من جانب القيادة الأرمينية. وشملت هذه التدريبات العسكرية الأميركية على الأراضي الأرمينية، والزيارة التي قامت بها زوجة رئيس الوزراء الأرميني إلى كييف، والقرار المفاجئ الذي اتخذته أرمينيا بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ومما صب الزيت على النار، غرد غونتر فيلينغر، رئيس اللجنة الأوروبية لحلف شمال الأطلسي، أنه ينبغي على أرمينيا التفكير في عضوية الناتو.

وتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إعادة تنظيم أرمينيا في خطاب ألقاه مؤخراً. ولم يتقن الكلمات، مشددًا على أن قضية قره باغ هي قضية مغلقة، مع اعتراف أرمينيا رسميًا بها كأراضي أذربيجانية. تبدو تصريحات بوتين وكأنها توبيخ خفي لتصرفات أرمينيا في منطقة محفوفة بالمخاطر بالفعل.

وكانت هزيمة أرمينيا في مرحلة ما بعد قره باغ سبباً في جعل قيادتها ضعيفة، وقدمتها بيدقاً في التنافس الجيوسياسي الأوسع بين الغرب وروسيا. بالرغم من مبادرات السلام الجارية وجهود المصالحة الإقليمية، تواصل يريفان استفزاز جيرانها. ويبدو أن هذا الموقف لا يتماشى مع حقيقة مفادها أن الاستقرار والتعاون الإقليميين، إلى جانب المساهمات البناءة في المفاوضات مع أذربيجان، من شأنه أن يخدم المصالح الأفضل لأرمينيا.

التوترات في جنوب القوقاز

من الممكن أن يؤدي تحالف أرمينيا المتطور والتحول النموذجي إلى تأجيج التوترات القائمة في جنوب القوقاز. وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية هائلة.

تقع المنطقة على مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وغرب آسيا، وهي موقع فريد من نوعه بما تتمتع به من موارد طبيعية وأهمية تاريخية وصراعات إقليمية مستمرة، وتشمل أرمينيا وأذربيجان وجورجيا. إنها مركز عبور حيوي للطاقة للنفط والغاز الطبيعي، وهو أمر بالغ الأهمية أيضًا لأمن الطاقة في أوروبا.

بالإضافة إلى ذلك، فهي ممر نقل بالغ الأهمية يربط آسيا بأوروبا من خلال الطرق والسكك الحديدية التي تمكن من حركة الأشخاص والبضائع من آسيا الوسطى إلى أوروبا. وتمر مبادرة الحزام والطريق الصينية أيضًا عبر هذه المنطقة.

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وزوال القطبية الثنائية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، كان العالم في حالة تغير مستمر، بحثاً عن نظام عالمي جديد. بالرغم من ظهور التعددية القطبية مع صعود الاقتصادات الصينية والهندية وغيرهما، فإن بقايا التنافس بين القوى العظمى في عصر الحرب الباردة لا تزال قائمة، خاصة في المناطق التي كانت تحت النفوذ السوفييتي ذات يوم، مثل جنوب القوقاز.

ويجسد غزو روسيا لأوكرانيا هذا الصراع، في حين يجسد جنوب القوقاز التنافس الدائم على القوى العظمى من عصر القطبية الثنائية الماضي.

وبعد أن كانت مقيدة في السابق بالمدار الروسي، تشكك أرمينيا الآن في هذا التحالف، وتعتبره "خطأ استراتيجيا". مع ذلك، فإن التحول أكثر نحو الحلفاء الغربيين يمكن أن يورط أرمينيا في لعبة شد الحبل الخطيرة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وروسيا.

إن أفضل طريق أمام أرمينيا إلى الأمام يكمن في إعطاء الأولوية للاستقرار والسلام الإقليميين. وهذا الطريق هو أضمن طريق لمستقبل آمن ومزدهر لمواطنيها. إن عملية تطبيع واعدة مع تركيا جارية بالفعل، وتدعمها أجندة بناءة بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان .

بالإضافة إلى ذلك، يجب على يريفان أن تأخذ في الاعتبار الشراكة الاستراتيجية القوية بين تركيا وأذربيجان، التي تأسست على مبدأ "أمة واحدة ودولتين"، وأن تدرك أن مستقبل التطبيع مع تركيا لا يمكن فصله عن التوترات المتصاعدة مع أذربيجان.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس