محمود علوش - الجزيرة نت

أحدثت العملية العسكرية الكبيرة التي شنتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس ضد إسرائيل فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري زلزالا أمنيا وسياسيا مدويا في إسرائيل، وستكون لها ارتدادات قوية على السياق الإقليمي المؤثر في ديناميكية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

لا يحتاج الفلسطينيون إلى الكثير من الأسباب والمبررات عموما لتصعيد صراعهم مع الاحتلال، فيما تسعى أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل إلى تصفية القضية الفلسطينية تماما وضم الضفة الغربية وتدمير بصيص الأمل الصغير المتبقي للسلام.

وبينما يشعر الفلسطينيون بأنهم أصبحوا معزولين بشكل متزايد في محيطهم الإقليمي في وقت تبني فيه إسرائيل شراكات متزايدة مع العالم العربي فإن ردا من هذا النوع على هذه الخيبات هو أقل ما يطمح إليه الفلسطينيون في الواقع.

إن تداعيات عملية "طوفان الأقصى" على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى الشرق الأوسط قد تعمل على إعادة تشكيل هذا الصراع من جديد

ومع ذلك، فإن حقيقة أن هذه العملية غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي من حيث الشكل والحجم والنتائج والكفاءة في التخطيط والتنفيذ تضفي الكثير من الإثارة على الأسباب والأهداف ودلالات التوقيت الذي اختارته حركة حماس لتنفيذ الهجوم.

كغيرها من العمليات الأخرى الكبيرة التي نفذتها الفصائل الفلسطينية في السنوات الأخيرة -والتي كان آخرها عملية "سيف القدس" في عام 2021- تسعى عملية "طوفان الأقصى" إلى التأكيد على أن تأثير المقاومة الفلسطينية في مسار الصراع مع إسرائيل لا يزال قويا وحاسما في المنعطفات التاريخية للقضية الفلسطينية.

لقد سعت إسرائيل منذ فرض حصارها على غزة قبل أكثر من عقد ونصف إلى تقويض قدرة الفصائل الفلسطينية في القطاع على التأثير في المعادلات السياسية والعسكرية للصراع، كما استخدمت الحصار وسيلة لدفع الفلسطينيين في غزة إلى التمرد على إدارة حماس للقطاع.

وفي السنوات الأخيرة اعتقد الإسرائيليون أن الضعف المفترض لمعادلة غزة في الصراع يساعدهم على تصعيد سياساتهم في القدس والضفة الغربية.

إن أيا من ذلك لم يتحقق قط، وعلاوة على فشل الحصار في إضعاف الحاضنة الشعبية لحماس في القطاع فإن القدرات العسكرية لحماس والفصائل الأخرى تنامت بشكل كبير منذ فرض الحصار.

وتُظهر الاحترافية العسكرية التي نفذت فيها كتائب القسام عملية "طوفان الأقصى" كيف أن حماس والفصائل الأخرى أضحت أكثر قدرة على القيام بعمليات كبيرة رغم التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي.

ويعكس نجاح حركة حماس في إحداث الصدمة الأمنية الكبيرة من خلال عملية "طوفان الأقصى" فشلا أمنيا واستخباراتيا إسرائيليا ذريعا، ومن المؤكد أن ارتداداته ستكون كبيرة على السياسة الداخلية الإسرائيلية.

ومن المفارقات أن بنيامين نتنياهو -الذي بنى جانبا كبيرا من إرثه الداخلي على حروبه العديدة في غزة من أجل إضعاف فصائل المقاومة الفلسطينية- سيتعين عليه اليوم التعامل مع ارتدادات زلزال أمني كبير من صنع غزة نفسها.

قد يجد نتنياهو في شن حرب مميتة على غزة وسيلة لإعادة الاعتبار المعنوي لمعادلة الردع الإسرائيلية، لكن التكاليف ستكون باهظة على إسرائيل أكثر من أي وقت مضى.

وكوسيلة لرفع هذه التكاليف لجأت حماس في عملية "طوفان الأقصى" إلى إستراتيجية اختطاف أكبر عدد ممكن من الرهائن الإسرائيليين بهدف زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية ودفعها للتفكير مليا في عواقب شن حرب شاملة على القطاع، وهذه الإستراتيجية ستعمل بمثابة عامل ضغط قوي على النهج الذي سيدير فيه نتنياهو مرحلة ما بعد عملية "طوفان الأقصى".

وحقيقة أن عملية "طوفان الأقصى" تتزامن مع مساعي الولايات المتحدة لتوسيع نطاق التطبيع الإسرائيلي العربي وإبرام صفقة سلام بين السعودية وإسرائيل تفسر بعض الأهداف المهمة المرجحة التي سعت حركة حماس لتحقيقها.

ولا يزال من غير الواضح قياس الآثار المحتملة المترتبة لهذا التطور على مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، لكنه بالتأكيد يجعل الأمور أكثر تعقيدا.

وعموما يُظهر هذا التطور الكبير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن التطبيع العربي الإسرائيلي ومن يعمل على خلق واقع إقليمي جديد أن قدرته على التأثير في الديناميكية المباشرة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبدو محدودة، وأن سلاما عربيا إسرائيليا لن يؤدي بالضرورة إلى سلام إسرائيلي فلسطيني في نهاية المطاف إذا لم يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأساسية للفلسطينيين والظروف الموضوعية الأساسية المتحكمة بهذا الصراع.

وتبدو الحالة الفلسطينية اليوم ضعيفة من حيث التأثير على السياسات العربية في الصراع مقارنة بالسنوات والعقود الماضية، لكنها في الواقع لم تعد قادرة على التعبير عن نفسها وإظهار قدرتها على مقاومة محاولات تصفية القضية الفلسطينية سوى من خلال إعادة إشعال الجبهات مع إسرائيل.

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم وتراجع أهميتها في السياسات الإقليمية والدولية فإن المرحلة الجديدة التي يدخلها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى" ينبغي أن تعمل كتحذير للمنطقة والعالم بأن القضية الفلسطينية لا تزال قادرة على التعبير عن نفسها وحضورها بمختلف الوسائل والأشكال بمعزل عن مدى حضورها في السياسات الإقليمية والدولية، وأن سلاما إسرائيليا عربيا لن يكون له أي معنى لاستقرار الشرق الأوسط إذا لم يدفع إسرائيل إلى تغيير نهجها مع الفلسطينيين ويجبرها على تقديم خطوات جوهرية تؤدي إلى إنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين على حدود الـ67.

ومن غير المتصور بأي حال أن تكون إسرائيل اليوم في ظل أكثر الحكومات تطرفا في تاريخها مستعدة لتغيير النهج، لكن عملية "طوفان الأقصى" ستعقّد على نحو كبير قدرة اليمين المتطرف في إسرائيل على مواصلة أجندته الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية بحد أدنى من العواقب، إن عملية "طوفان الأقصى" هي أولى العواقب الكبيرة لهذه الأجندة.

إن تداعيات عملية "طوفان الأقصى" على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى الشرق الأوسط قد تعمل على إعادة تشكيل هذا الصراع من جديد.

عن الكاتب

محمود علوش

صحفي لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس