ترك برس

تناول تقرير تحليلي في موقع "TRT عربي" الإخباري التركي (حكومي) إمكانية أن يجهض الغضب الشعبي في القارة السمراء مخطط فرنسا لحشد قواتها بتشاد آخر موطئ لها في الساحل الإفريقي.

وأشار التقرير إلى استمرار مسلسل "قرارات الطرد" المتتالية التي تتلقاها القوات الفرنسية من دول الساحل الإفريقي، فبعد مالي وبوركينا فاسو، نجحت السلطات العسكرية في النيجر، في الضغط على باريس من أجل إجلاء قواتها عن أراضي البلاد. وهو ما أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون، بالقول: "وضعنا حداً لتعاوننا العسكري مع سلطات الأمر الواقع في النيجر، لأنها لم تعد ترغب في محاربة الإرهاب".

وفي ظل هذا الواقع، لم يبق أمام فرنسا سوى سيناريوهات قليلة من أجل الإبقاء على وجودها في الساحل. ومن أبرزها وأكثرها ترجيحاً، حسب محللين، سحب هذه القوات نحو قواعدها في تشاد، التي تعد حليف باريس الوثيق في المنطقة.

ولفت التقرير إلى معارضة جهات مدنية وسياسية تشادية زيادة القوات الفرنسية في بلادهم، وهو ما دفعهم إلى تخطيط برنامج نضالي، يشمل الدعوة لاحتجاجات واسعة، لإجهاض القرار المحتمل اتخاذه قريباً. فيما ليست هي المرة الأول التي تتحرك فيها هذه الفاعليات في هذا الصدد، إذ شهدت تشاد عام 2022 مظاهرات للمطالبة بجلاء فرنسا عن البلاد.

وأكد أن الوجود العسكري الفرنسي في تشاد يعود إلى ما يزيد عن 40 عاماً، فيما تحتفظ فرنسا اليوم بنحو 950 جندياً متفرقين في ثلاث قواعد عسكرية، من بينها القاعدة الجوية "حجي قصي" بالعاصمة نجامينا، والتي كانت لوقت قريب تحوي غرفة قيادة عملية بارخان.

ومن المرجح أن يزيد هذا الوجود العسكري، حسب وسائل إعلام فرنسية، بعد إعلان انسحاب القوات الفرنسية من النيجر. وتضم النيجر ما بين 1300 و1500 جندي فرنسي، نقلوا إليها من مالي وبوركينا فاسو، بعد أن طردتهم السلطات التي أتت بها الانقلابات على رأس تلك البلدان.

ونقل الموقع عن الأكاديمي والمحلل السياسي روماريك بادوسي، قوله أنه "بعد أن أُرغمت فرنسا على مغادرة مالي وبوركينا فاسو، وأصبح استمرار وجودها في النيجر مستحيلاً، لم يبقَ أمامها سوى بلدين اثنين في تحالف G5 (موريتانيا وتشاد)، اللذين إلى الآن لم يُعبرا (على مستوى السلطات الحاكمة) عن عداء تجاه باريس".

ويرجح المحلل البنيني خيار تشاد لكون "فرنسا تحظى بعلاقات استراتيجية متقدمة جداً مع تشاد، ولها قاعدة عسكرية هناك (...) وبالتالي بعد خروجها من النيجر، من المحتمل جداً أن تعيد باريس تموقع قواتها في تشاد".

وهو ما يتفق معه المحلل والصحافي التشادي المهتم بالشأن الإفريقي، إسحاق عبد الرحمن، الذي قال في تصريحات لـTRT عربي، إنه لم يبقَ لفرنسا سوى تشاد "كمحطة أخيرة لقوات برخان في منطقة الساحل منذ انقلابات إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو".

ماذا يعني سحب فرنسا قواتها إلى تشاد؟

فيما إذا تحقق هذا السيناريو، يبقى السؤال مطروحاً حول ما يعنيه سحب فرنسا قواتها إلى تشاد، في ارتباطه بالاستراتيجية الفرنسية في إفريقيا، كما في علاقته بالساحة السياسية والاجتماعية الداخلية التشادية.

وهو ما يجيب عنه الأكاديمي والمحلل التشادي إسماعيل محمد طاهر، الذي قال إن هذا الانسحاب "ليس إلا امتداداً لعملية قد حصلت من قبل، عندما سحبت باريس قواتها من إفريقيا الوسطى وكانت تشاد محطة استقبال لها"،

وقال إن "هناك استراتيجية تتبعها فرنسا وهي أن تظل قواتها متمركزة في وسط إفريقيا، وهذه المسألة أصبحت جلية عندما انسحبت فرنسا من مالي نحو النيجر ومن إفريقيا الوسطى نحو تشاد".

ويضيف الأكاديمي المختص في الشأن الإفريقي أن: "تشاد هي واحدة من المعاقل التي يهتم بها الفرنسيون، بحكم موقعها الاستراتيجي الذي يسمح لها بالتدخل السريع في الساحل، بخاصة في النيجر وفي مالي. وعليه ستتشبث باريس بتشاد لهذا الغرض (...) كما تعد نجامينا حليفاً قوياً لباريس ولا يستطيعون التنازل عنها".

وعن أوجه هذا التحالف السياسي الفرنسي مع السلطات التشادية، يوضح محمد طاهر أن: "النظام الحاكم في تشاد، منذ إدريس ديبي إلى الآن، حليف قوي لفرنسا".

وقال "علاقات فرنسا مع الرئيس محمد إدريس ديبي متينة، وقد ساعدت حكومته بتقديم المشورة السياسية ومتابعة التطورات الأمنية على مستوى الساحل والصحراء، وكذا اتفاقيات أخرى كتلك التي أطّرت تدخل الجيش التشادي في مالي".

ويسترسل الأكاديمي التشادي في تحليله، قائلاً: "لا يوجد تأثير كبير للتدخل الفرنسي (في الصراع الداخلي على السلطة بتشاد)، إلا من المعلومات الاستخباراتية والضربات الجوية القليلة التي نفذها الطيران الفرنسي ضد الحركات المسلحة المتمردة، كحركة "تجمع القوات من أجل التغيير" المتمردة بقيادة تيمان إرديمي (...) أما الآن، فقد تمت المصالحة مع تيمان إرديمي بعد وفاة الماريشال إدريس ديبي، وقد عاد إلى السلطة ويتقلد هو وحركته الآن وزارة في الدولة".

وأوضح أن "الوجود الفرنسي في تشاد يعتبر امتداداً للوجود الغربي ككل في خاصرة القارة الإفريقية، وقريباً من الدول التي بدأت تحاول أن تتحرر من ارتباطاتها بفرنسا، مثل إفريقيا الوسطى والنيجر (...) ومنذ وفاة إدريس ديبي، لم يتدخل التشاديون عسكرياً في أي مكان، وحتى الأسابيع الماضية عندما اندلعت المشكلات في النيجر رفضوا التدخل وأيدوا الحوار والحلول الدبلوماسية".

رفض شعبي ودعوات لاحتجاجات

بالرغم من هذا الوفاق الكبير بين باريس والسلطة في تشاد، بدأت تنمو داخل الشارع التشادي مشاعر الرفض للوجود العسكري الفرنسي في أراضي البلاد. ومنذ عام 2022، تشهد تشاد احتجاجات واسعة مطالبة بجلاء المستعمر القديم، تقودها فعاليات مدنية وسياسية أبرزها حركة "وكت تما".

ومع تزايد الحديث عن إمكانية نشر فرنسا قواتها المنسحبة من النيجر في تشاد، يتزايد نشاط الجهات المعارضة من أجل الحيلولة دون ذلك. وفي 28 سبتمبر/أيلول، وقعت هذه الجهات بياناً، ترفض فيها أن تصبح تشاد معسكراً للمزيد من القوات الفرنسية وطالبت بجلاء القوات الموجودة حالياً في البلاد.

وفي البيان الذي نقله "TRT عربي"، أمهل الموقعون السلطات التشادية مدة ثلاثة أشهر لإنهاء الوجود العسكري الفرنسي بالبلاد، وإلا "سيجري اتخاذ إجراءات واسعة النطاق ومظاهرات في جميع أرجاء البلاد".

من جانبه، يؤكد صلاح إسحاق محمد، الناشط السياسي التشادي وأحد قيادات حركة "وكت تما"، أن: "الجيش الفرنسي لعب دوراً سيئاً بالتدخل في الشأن الداخلي التشادي، وساهم بزعزعة استقرار قوى المعارضة عدة مرات".

وقال: "من تشاد، يتدخل الجيش الفرنسي بانتظام في دول إفريقيا، ويشكل تهديداً للقوى الشعبية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. ونتائج هذا التدخل ليست إيجابية بالنظر إلى التكاليف وحقيقة أن انعدام الأمن يتزايد حتى الآن في منطقة الساحل".

وأمام هذا الواقع، يضيف الناشط السياسي: "لدينا برنامج سياسي جديد يهدف إلى إطلاق مقاومة شعبية واسعة في جميع أنحاء البلاد ضد فرنسا ولطرد الجيوش الغربية"، من أجل هذا الغرض "وحدنا جميع الجهات المدنية تحت راية تحالف موحد"، و"نحن الآن بصدد تعبئة جماهيرية للشعب التشادي، وبخاصة في العاصمة نجامينا".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!