صالحة علام - الجزيرة نت

رغم بشاعة المشاهد التي تتوالَى من غزّة، وتبثّها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كافةً على مدار الساعة، وردود الأفعال الشّعبيّة سواء العربية منها أو الإسلاميَّة، وحتّى الغربية، الغاضبة، والرافضة عمليّات التطهير العِرقي والإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الإسرائيليّ ضدّ أهلنا من المدنيين العزّل في قطاع غزة،

إلا أنَّ أحزابَ المعارضة التركيّة أبت إلا أنْ توظف هذه المأساة الإنسانيّة، لتوجيه سهامِها ضدّ حزب العدالة والتنمية الحاكم، ورئيسه أردوغان، والانتقاص من الجهود التي تُبذل في هذا الإطار، ضمن استعداداتها لخوض معركة الانتخابات المحليّة المقرّرة في شهر مارس/ آذار المقبل، بعد أن اعتبر قادتها هذه الفاجعة فرصةً جاءتهم على طبق من ذهب، في توقيت هُم في أمسِّ الحاجة إليها.

وعوضًا عن تبنّي مواقف أكثر رحمةً وإنسانيّة، والاصطفاف خلفَ الحكومة في هذا التوقيت الحرج، ودعوة المواطنين الأتراك إلى التّفاعل بإيجابية، ودعم المحاصرين من المدنيّين الأبرياء تحت وابل نيران الطيران الإسرائيليّ، هاجمت بعض أحزاب المعارضة التركيَّة المؤثرة في الشارع، موقفَ الحكومة، الذي اعتبرته نوعًا من المزايدة السياسيّة، متهمة إياها بالسعي إلى كسب تعاطف التيارَين: الإسلامي والمحافظ داخل تركيا، لضمان تأييدهما لها في انتخابات المحليات المُقبلة.

التّشكيك في نوايا الحزب الحاكم

وتساءل البعضُ منهم عن مغزى عدم إقدام أردوغان حتّى الآن على أي فعل حقيقي- بعيدًا عن الشجب أو التنديد- من شأنه وقف الهجمات الإسرائيليَّة العنيفة الموجَّهة ضدّ قطاع غزّة، التي تتسبَّب يوميًا في قتل الأطفال؛ رغم علاقاته الجيدة مع قادة الكيان الإسرائيلي، وعن الدوافع والأسباب التي تمنعه حتى من استثمار عَلاقات تركيا الدبلوماسية لإجبار إسرائيل على التّراجع عن تنفيذ مخططاتها الرامية إلى إبادة الفلسطينيين، وتصفية قضيّتهم.

ولماذا الاكتفاء بالحديث عن عدد الطائرات التي تمّ تحميلها بالمساعدات الإنسانية وإرسالها إلى المُحاصرين، خلافًا لما جرت عليه العادة في مثل هذه المواقف التي حدثت فيها مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تبنَّى فيها أردوغان مواقف أكثر قوَّة وتشدّدًا، تفوق في حدّتها وقسوتها تصريحاته الغاضبة التي أطلقها الأربعاء ضد المذابح التي يتعرّض لها أهل غزة!!.

ميرال أكشنار واستدعاء ملف اللاجئين السوريين

ولم تتخلّف ميرال أكشنار رئيسة حزب "الجيد" المعارض عن اللحاق بالركب، لكنها اتخذت منحى مختلفًا عن أقرانها، إذ أشادت بموقف الحكومة الذي اعتبرته متوازنًا وحكيمًا، قائلة:" يبدو أنّهم تعلموا الدرس من أخطائهم السابقة"، لكنها وكعادتها دائمًا سعت للاصطياد في الماء العكر، وإعادة فتح ملف اللاجئين السوريين، لكن بطريقة مُختلفة هذه المرَّة، إذ دعت، في كلمة لها أمام المجموعة البرلمانية لحزبها، اللاجئين السوريين لمغادرة تركيا والتوجُّه إلى غزّة للقتال إلى جوار الفلسطينيين، مؤكدةً استعدادها لتحمُّل تكاليف أول شاحنة لنقلهم على نفقتها الخاصة، داعيةً جميع الذين فرّوا من الحرب في بلادهم للذهاب إلى غزة للقتال بدلًا من ترديد البعض منهم شعارات: " فليذهب الجنود الأتراك إلى غزة"، وهو الهتاف الذي ردَّده المتظاهرون الأتراك في منطقة الفاتح، وأمام القنصلية الإسرائيلية، وليس السوريون.

من هو حليف أردوغان الذي هدد إسرائيل علنًا؟!

لم يتأخر الردّ كثيرًا على ما قالته أكشنار ورفاقها، لكنه جاءَ هذه المرّة من دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، وشريك أردوغان في السلطة، الذي سطر على منصة "إكس"، عددًا من التدوينات، هدَّد فيها الكيان الإسرائيلي علنًا، قائلًا: إنه في حال عدم التوصل لوقف إطلاق النار، ووقف العدوان فإن من الواجب على تركيا التدخل والقيام بكل ما من شأنه حماية غزة وميراث الدولة العثمانية " الذي وصفه بميراث أجدادنا"، في إشارة إلى إمكانية تدخل تركيا عسكريًا إذا لزم الأمر.

منددًا بصمت المجتمع الدولي تجاه الجرائم المتواصلة التي حدثت- ولاتزال تحدث- تحت بصره في غزة دون أن يهتزّ له طرف، مشيدًا بما يبذله أردوغان من جهد سياسيّ لوقف العدوان.

ويعدّ دولت بهجلي أحد أبرز المعارضين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، أو أي محاولة تطمس الهُوية الإسلامية للمجتمع التركي، الغريب في الأمر أنه كان معارضًا شرسًا لأردوغان ولحزبه العدالة والتنمية قبل أن يتحالف معه بصورة رسميّة عام 2018.

السخرية من القافلة الطبية وأعضائها

وكما حاول البعضُ التشكيك في نوايا الحكومة السياسية، لم تسلم تدوينة وزير الصحة التركي فخر الدين كوجا على موقع "إكس" من السُّخرية، والتي نشر فيها فيديو يوضح تجهيز الطائرة الرئاسية التي ستحمل فريقًا طبيًا مكونًا من عشرين طبيبًا متخصصًا، ومستلزمات طبية، وأدوية، للمساعدة في معالجة الجرحى من أهالي غزة، والموكلين أيضًا بإجراء دراسات جدوى لعمل عدة مستشفيات ميدانية عند بوابة معبر رفح الحدودية، ومطار العريش المصريين، في إطار ما تمّ الاتفاق عليه بين وزارتَي الصحة التركية والمصرية.

حيث تلقّف النائب البرلماني لحزب الجيد تورهان جوميز التغريدة، وسخر من التجهيزات الطبية التي تعدّها الوزارة، بتغريدة أخرى على نفس المنصة، مستهدفًا أعضاء القافلة الطبية التركية، الذين تطوّعوا للذهاب بهدف مساعدة الجرحى ومصابي الاعتداءات الإسرائيلية من سكان قطاع غزة، متهكمًا على الأطباء السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية ويعملون بمستشفياتها.

واستهجنَ البعض منهم عدم إقدام الخارجية التركية على سحب البعثة الدبلوماسية التركية من تل أبيب، بل وطرد بعثتها الدبلوماسية من أنقرة، ومطالبة رعاياها بمغادرة تركيا.

فيما وجّه البعض اتهامًا صريحًا لحزب العدالة والتنمية باللعب على جميع الحبال، إذ تساءل رئيس حزب تركيا الديمقراطية غولتاكين أويصال من داخل البرلمان التركيّ كيف للحكومة تدين الغارات الجوية التي يشنّها الجيش الإسرائيلي على غزة، بينما تقوم هي نفسها بتدريب هؤلاء الطيارين داخل القاعدة الجوية في مدينة قونيا!!

إدانة التظاهرات الداعمة لغزة ومطالبات بمنعها

حتى التظاهرات التي خرجت في العديد من المدن التركية، للتعبير عن رفض الشارع التركي للمجازر التي تحدث في غزة أدانتها أحزاب المعارضة، وفي مقدمتهم أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر المعروف بتوجهاته العنصرية، الذي اتهم اللاجئين السوريين، والعرب، والمسلمين المقيمين في تركيا بالوقوف وراءها، لتخريب علاقات بلاده الدبلوماسية، ووضعها في مأزِق سياسي هي في غنًى عنه.

مطالبًا الجهات المعنية بضرورة وضع المزيد من القيود على تواجد الأجانب داخل المدن التركيَّة، ومنع هذه التصرفات التي تسيء لصورة تركيا من وجهة نظره، معبرًا عن قلقه من إمكانية خروجها عن السيطرة في ظلّ الدعم المعلن لحماس من جانب اللاجئين، عمومًا والسوريين على وجه التحديد.

رغم أنّ هذه التظاهرات هي بالأساس تظاهرات تركيَّة خالصة، دعت إليها عدةُ منظمات أهلية وجمعيات خيرية تركية، وشارك فيها آلافُ المواطنين الأتراك، معبّرين عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، ودعمهم مساعي استعادة القدس، وتطهير المسجد الأقصى مما يتعرض له من حملات تدنيس مُمنهجة يقوم بها المتطرفون اليهود بصورة دوريَّة.

وردًا على ذلك، دعا حزب العدالة والتنمية الحاكم لتظاهرة مليونيّة تحت عنوان: "تجمع فلسطين الكبير" يوم السبت 28 أكتوبر/ تشرين أول، وهي التظاهرة التي من المقرر أن يحضرها إلى جانب الرئيس أردوغان كل من دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، وفاتح أربكان زعيم حزب الرفاة من جديد، ومصطفى دستيجي زعيم حزب الوحدة الكبرى، وزكريا يابيجي أوغلو زعيم حزب الهدى بار، وأوندر أكسكال زعيم الحزب الديمقراطي، وعدد من الشخصيات التركية  الفاعلة في مجالات الفن والرياضة والإعلام ورجال الأعمال، كما سيتمّ استضافة عدة شخصيات من الشّتات الفلسطيني، حيث من المتوقّع أن يشارك فيها الملايينُ من الأتراك من مختلف أنحاء المحافظات التركية لدعم القضية الفلسطينية وإدانة الهمجيّة الإسرائيلية وللردّ على ادّعاءات المعارضة.

عن الكاتب

صالحة علام

كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس