ترك برس

رأى الخبير والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر وضوحا قليلا في رغبتها بالانسحاب من المنطقة والتخلص من عبء تنظيم "بي كي كي" الإرهابي.

وقال بستان إن هناك مرحلة حاسمة تجري حاليا في مكافحة الإرهاب بالنسبة إلى تركيا، حيث تسجل تطورات هامة على الصعيد الأمريكي في ما يتعلق بالجانب السوري للقضية.

وعلى الصعيد العراقي - يضيف بستان في مقال بصحيفة يني شفق - تجري مفاوضات دبلوماسية مهمة مع بغداد بالتزامن مع الولايات المتحدة.

وأضاف: "إنني أتابع مسار الأحداث عن كثب منذ بدايتها مستندا إلى المعلومات المتاحة والتفاصيل المخفية. لقد تسارعت وتيرة الأحداث في هذين الجانبين".

وقال إن جذور العملية الجارية مع العراق تعود إلى أغسطس 2023، عندما قام وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" بزيارة إلى العراق آنذاك. التقى خلالها بجميع الأطراف المعنية، وحذَّر كل من يتعاون مع التنظيمات الإرهابية، وطالب العراق باعتبار "بي كي كي" تنظيما إرهابيا. 

وجاء مشروع "طريق التنمية" المعروف باسم "القناة الجافة" ليشكل نقطة التقاء مشتركة بين البلدين. ففي 16 ديسمبر اعترف العراق لأول مرة بـ "بي كي كي" كتنظيم إرهابي، وذلك بعد قمة الأمن التي عقدت في أنقرة. بحسب الكاتب.

ومنذ ذلك الحين، ازدادت وتيرة الزيارات المتبادلة، حيث زار وزير الدفاع التركي "يشار جولار" ورئيس جهاز الاستخبارات التركي"إبراهيم قالن" العراق. كما استقبلت أنقرة العديد من الشخصيات المؤثرة في السياسة العراقية، بمن فيهم رئيس هيئة "الحشد الشعبي" "فالح الفياض".

وأضاف الكاتب: "سبق وأن أشرنا إلى أن حرس الحدود العراقي قد بدأ بنشر قواته في المناطق التي ينشط فيها تنظيم "بي كي كي" في 27 فبراير. مما أثار ردود أفعال غاضبة لدى التنظيم. ولكن بافل طالباني لم يتراجع عن موقفه رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها أنقرة. ففي 3 مارس، صرح طالباني، الذي اتخذ من السليمانية (التي تعد منطقة عمليات خاصة لجهاز المخابرات التركية) مقرا له، بشكل علني عن موقفه من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي لأول مرة ، حيث قال: "بي كي كي ليس عدوا لنا، بل لدينا علاقات معهم. لقد قتلت الدولة التركية ثلاثة من أصدقائي المقربين الذين كانوا يقاتلون ضد داعش". لم تنشر هذه التصريحات في وسائل الإعلام التركية، ولكن لا شك أنها أثارت استياء كبيرا في أنقرة. ففي أعقاب هذا التصريح مباشرة، نفذ جهاز المخابرات التركية عمليتين منفصلتين في السليمانية، تم خلالهما تحييد قياديين رفيعي المستوى من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي".

بعد ذلك تأتي تصريحات الرئيس أردوغان الحاسمة في هذا السياق. ففي 4 مارس، صرح أردوغان قائلا: "نحن بصدد استكمال حزام الأمان على حدودنا مع العراق، وسنحل مشكلة حدودنا مع العراق بشكل دائم خلال هذا الصيف". وردَّ محافظ دهوك "علي تتر" على "تنظيم بي كي كي" الإرهابي الذي عبر عن استيائه من تواجد القوات العراقية في المنطقة، قائلا: "تم إخلاء 60% من قرى منطقة العمادية وتدميرها. ستقوم القوات العراقية بحماية الحدود، وسيتمكن المهجَّرون من العمادية من العودة إلى ديارهم." كما قام قائد الجيش الثاني، الفريق "متين توكل"، بزيارة الحدود والتباحث مع المسؤولين العراقيين حول أمن خط الحدود. وأمس توجه وزير الخارجية فيدان ووزير الدفاع الوطني غولر ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية قالن إلى بغداد لحضور القمة الأمنية. ومن المتوقع أن يزور الرئيس أردوغان العراق أيضا في شهر نيسان القادم.

وبحسب بستان، تشير التطورات المتسارعة التي شهدها الأسبوع الماضي إلى أن تركيا تعد العدة لعملية تطهير واسعة على امتداد حدودها مع العراق بعمق 30 كيلومترا. وتجرى هذه الاستعدادات بالتنسيق مع الحكومة العراقية. وتمثل هذه الخطوة دخول تركيا مرحلة جديدة في مكافحة الإرهاب "الكفاح حتى آخر نفس". وستطهر العراق أولا، ثم سوريا.

تواصل أنقرة استعداداتها دون الاعتماد على أي طرف آخر، لكن قد لا تكون هناك حاجة لعملية عسكرية في سوريا. فمن الواضح أن هناك مفاوضات مهمة تجري مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وتابع المقال:

لم يمض وقت طويل على مقالتي التي نشرت في 1 مارس بعنوان "هل تضع الولايات المتحدة تنظيم "بي كي كي" الإرهابي على طاولة المفاوضات؟" حتى حدث تطوران هامان. فقد قام وزير الخارجية هاكان فيدان بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في إطار اجتماعات آلية الحوار الاستراتيجي. وناقشت مجموعات العمل من كلا البلدين قضايا استراتيجية، ثم عرضت هذه القضايا على طاولة المفاوضات على مستوى الوزراء. كما زار رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن الولايات المتحدة الأمريكية والتقى برئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز. وناقشا خلال اجتماعهما مكافحة التنظيمات الإرهابية؛ "بي كي كي" و"غولن" و"داعش"، بالإضافة إلى الأوضاع في العراق وسوريا وغزة.

في مقالي الذي نشر في الأول من مارس ذكرت أنه من المتوقع أن تقول الولايات المتحدة لتركيا في المستقبل القريب ما يلي:

"قاتلوا داعش في سوريا. وسيطروا على مخيم الهول الذي يقيم فيه عناصر داعش وعائلاتهم. وادعموا اندماج تنظيم "واي بي جي" مع نظام الأسد. واسمحوا بوجود "واي بي جي/بي كي كي" في منطقة دير الزور النفطية. وفي المقابل، ستتوقف تنظيم "واي بي جي/بي كي كي" الإرهابي عن تهديد تركيا".

وفي البيان الصادر عقب اجتماع فيدان وبلينكن، برزت قضية مكافحة الإرهاب والقضايا المتعلقة بسوريا، وشدد البيان على التعاون في مكافحة الإرهاب. والأهم من ذلك أنه تمت الإشارة فيه إلى أوضاع المعتقلين المرتبطين بداعش والمخيمات التي يقيمون فيها. كما أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كتشالي، أن أنقرة بعثت برسائل واضحة لواشنطن حول توقعاتها من الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بتنظيمي "بي كي كي" و"غولن" الإرهابيين.

تشير الصورة أمامنا إلى أن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى الموقف المطلوب منها بخصوص تنظيم "بي كي كي". لكنني أعتقد أن واشنطن أصبحت أكثر وضوحا قليلا في رغبتها بالانسحاب من المنطقة والتخلص من عبء تنظيم "بي كي كي" الإرهابية. لقد كنت أبحث في هذه القضية منذ فترة، وأحاول استخلاص المعلومات من المصادر المفتوحة حول استراتيجية واشنطن للتخلص من تنظيم "بي كي كي. وبعد قراءة العديد من التقارير والمقالات الغربية توصلت إلى الاستنتاج التالي:

أولا: ستشجع إدارة بايدن التقارب بين نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" تمهيدا للانسحاب من سوريا.

ثانيا: ستدرج الولايات المتحدة مراجعة العقوبات المفروضة على الأسد على جدول أعمالها، وذلك لتخفيف الضغط الروسي الإيراني عليه.

ثالثا: ستسمح الولايات المتحدة لنظام الأسد بالوصول إلى حقول النفط والزراعة في شمال وشمال شرق سوريا.

رابعا: ستطالب في المقابل بمنح "قسد" حكما ذاتيا جزئيا، على غرار شمال العراق، ودمج عناصرها الإرهابية في الجيش السوري.

خامسا: ستتعاون بشكل وثيق مع تركيا في مكافحة تنظيم "داعش".

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإقناع تنظيم "بي كي كي" الإرهابي بقولها "لن تتحسن الأمور بالنسبة لكم طالما بقينا هنا"، وبأن انسحابها سيحسن وضعها. ولكن (كيف ستنظر موسكو وطهران إلى هذا الأمر، هذا موضوع آخر للنقاش.)

وكما ذكرت سابقا: مصير جميع المنظمات الإرهابية هو أن تلقى في سلة المهملات بعد استخدامها. وسنرى عاجلا أم آجلا أن تنظيم "بي كي كي" الإرهابي سيواجه نفس المصير.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!