ترك برس

تشهد تركيا بعد قرابة أسبوعين انتخابات محلية لا تقل أهمية عن نظيراتها البرلمانية والرئاسية لأسباب عدة، لا سيما وأنها بمثابة معركة استعادة إسطنبول بالنسبة للحزب الحاكم وخاصة زعيمه الرئيس أردوغان الذي بدأ طريق السياسية من تلك المدينة.

ويتّفق الساسة والمراقبون في تركيا على أن الانتخابات المحلية القادمة نهاية مارس/آذار الجاري، لا تقل أهمية عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، والتي وصفت بأنها المعركة الديمقراطية الأصعب في تاريخ البلاد الحديث؛ وخاصة على حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ أكثر من عقدين.

وتنبع أهمية الانتخابات المحلية من أن نتائجها أصبحت مؤشرا، وأحيانا كثيرة محددا للانتخابات العامة. ويستشهد الخبراء على ذلك بالانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019، والتي خسر فيها الحزب الحاكم أول مرة منذ ربع قرن تقريبا مدينة إسطنبول، والعاصمة السياسية أنقرة. وتبعها معركة انتخابية طاحنة في أول انتخابات عامة عام 2023 المنصرم.

في إطار ذلك، يرى خبراء أن الانتخابات المحلية القادمة يمكن وصفها بأنها معركة استعادة إسطنبول خاصة، وأنقرة أيضا بالنسبة للحزب الحاكم وخاصة زعيمه الرئيس رجب طيب أردوغان الذي بدأ طريق السياسية من تلك الولاية الصاخبة، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".

في الجانب الآخر، تعد المحافظة على المدينتين من قبل المعارضة هدفا بالغ الأهمية بالنسبة لها، لما تتضمنه من تعويض لشيء من الخسارة الأخيرة، فعلى ماذا سيتنافس المتنافسون؛ وكيف سيكون شكل ذلك التنافس؟

الشخصية وغياب الإجماع

وفي هذا السياق يرى الصحفي والمحلل السياسي جونجور يافوز أصلان، أن الانتخابات في إسطنبول وشكل سيرها يحمل روح وشكل الانتخابات في عموم البلاد، ويعبر عنها بشكل كبير، ويتفق أصلان مع الخبراء في أهمية الانتخابات المحلية وحساسيتها العالية؛ وخاصة من زاوية استعادة إسطنبول.

ويقول أصلان: "أمام هذه الأهمية، عمل الحزب الحاكم على اختيار اسم مرشحه لإسطنبول بشكل دقيق، ووفق دراسات معمقة، فشخصية المرشح وسيرته الذاتية مهمة ومهمة جدا".

وواصل المحلل التركي: "كل العيون تتجه نحو إسطنبول ومستقبلها، وتقديم الحزب الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية لمراد كوروم -نائب برلماني حالي- مرشحا لانتخابات بلدية إسطنبول الكبرى خطوة مهمة".

ويرجع الصحفي جونجور، أهمية اختيار كوروم؛ لكونه وزيرا سابقا، وصاحب تجربة ناجحة، وله حضور وقبول قوي جماهيريا، والأهم أنه شخصية حيوية وشابة ومقبولة من قبل الشريحة الانتخابية المتنوعة في إسطنبول.

وسابقا، أكد حزب الشعب الجمهوري المعارض نيته دخول انتخابات إسطنبول عبر تجديد ترشيحه لرئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو، بينما أعلن حليفه حزب الجيد، ثاني أحزاب المعارضة (الطاولة السداسية)، أنه سيدخل الانتخابات المحلية القادمة بشكل منفصل ودون تحالفات.

وفي هذا الصدد، يقول الصحفي والكاتب التركي الشهير عبد القادر سلفي إن "المعارضة أو المرشح الحالي فقد أهم النقاط وهي إجماع المعارضة ودعمها لمرشح واحد كما حدث عام 2019".

عوامل وطنية

وتابع سلفي: "رغم جهد المعارضة إلا إنها لم تستطع تجميع قواها خلف مرشح واحد، ورغم أن الوقت أصبح متأخرا إلا أن هناك جهودا لا تزال تبذل في إطار ذلك".

وبعد شخصية المرشح وسجله العملي، يؤكد سلفي أن القضايا الوطنية والقومية ستكون حاضرة بقوة في الانتخابات المحلية خاصة في ظل أعمال "الإرهاب" المتصاعدة على حدود البلاد.

من جهة أخرى، يعتقد المحلل والصحفي جونجور يافوز أصلان، أن "أسماء المرشحين للبلديات الفرعية في إسطنبول وكذلك في العاصمة أنقرة ستلعب دورا مهما في نتائج وشكل انتخابات البلديات الكبرى". وبيّن أصلان أن نتائج ومخرجات الانتخابات العامة الأخيرة ستكون مؤشرا مهما، ونقطة درست وستدرس في إطار السعي للفوز من قبل الأطراف جميعا.

وتابع: "تركيا من الدول التي تشهد نسبة عالية جدا من المشاركة في الانتخابات، لذلك فهم الجمهور واحتياجاته وتلبية تطلعاته، ومراعاة تنوعه وتقسيماته خاصة في مدينة كإسطنبول التي تعبر عن 20% من الخزان والمزاج الانتخابي في البلاد، ونسبة المشاركة، ستلعب دورا مهما في تحديد نتائج هذه الانتخابات".

ويعتقد أصلان أن المعارضة غير الموحدة، ومرشحها الذي خسر جزءا من شعبيته وحضوره من خلال تجربته السابقة كرئيس لبلدية إسطنبول (2019-2024)، أقل جاهزية وحظا للفوز، خاصة أمام مرشح تم اختياره بشكل دقيق ووفق معايير واعتبارات مهمة.

مميزات خاصة

بدوره يعتقد الكاتب سلفي أن الانتخابات المحلية، وإن تشاركت مع الانتخابات العامة في الأهمية، إلا أنها انتخابات لها شكلها وملفاتها الخاصة. وبرأيه، فإن "المشاريع، والخدمات، وحل المشاكل من أهم مظاهر المنافسة، وعلى رأس اهتمامات الناخب، وهذه اللغة يجيدها الحزب الحاكم في ظل مرشحه صاحب التجربة والنجاحات؛ وزير البيئة والعمران السابق، وكذلك الاقتصاد والظروف المعيشية ستكون جزءا من ملفات المنافسة".

ووفقا لعدد من الخبراء والباحثين الأتراك، بالإضافة للخدمات الحياتية والازدحام، فإن ملف زلزال إسطنبول الكبير والاستعداد له، ومشاريع التحول الحضاري، ستكون من الملفات الأولى للمنافسة بين المرشحين، حيث منذ سنوات يجري الحديث عن زلزال كبير متوقع قد يضرب الولاية التاريخية في أي وقت، وقد زاد الحديث والتخوف منه بشكل كبير بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد مطلع العام الماضي.

ويؤكد الخبراء أن الزلزال أصبح كابوسا يطارد أفكار سكان إسطنبول، وأن شخصية مرشح الحزب الحاكم وتجربته النوعية السابقة في مشاريع التحول الحضاري والعمران، تجعله أوفر حظا في هذا المجال وفي مجال حل مشكلة الازدحام في المدينة؛ خاصة إذا ما تم مقارنة ذلك بمنجزات الرئيس الحالي؛ والتي توصف بالمتواضعة ودون مستوى مدينة عالمية كإسطنبول.

يذكر أن بلدية إسطنبول الكبرى بقيت تحت سيطرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأحزاب قادها أو كان جزءا من قيادتها لمدة 25 عاما تقريبا قبل أن يفقدها في انتخابات 2019، ويوليها الرئيس التركي مكانة مهمة في حياته السياسية والاجتماعية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!