ترك برس

ذكر تقرير للكاتبة التركية جانان دومان، أن الأتراك يميلون إلى التصويت للزعيم السياسي أكثر من برنامجه الانتخابي في أغلب الأعراس الديمقراطية التي شهدتها البلاد منذ انتقالها إلى التعددية الحزبية أواسط القرن الماضي.

وقالت "دومان" إنه "على نحو متزايد، يلجأ الناس في تركيا عند اتخاذ خياراتهم السياسية، للنظر إلى شخصية القائد والوعود التي يطرحها والصور التي ينشرها كل مرشح، بدلاً من النظر إلى الأيديولوجية والبرنامج الانتخابي."

وأضافت في تقريرها على صحيفة "اندبندت عربية" أن في تركيا ينظر إلى السياسة على أنها قوة ويصبح "الزعيم القوي" الذي يتمتع بالسلطة مهماً، لكن في بعض الأحيان تجلب القوة معها بعض الأخطار، حيث إن الشعور بالقوة يمكن أن يؤدي إلى فقدان التواصل مع الآخرين، والموافقة على بعض السلوكيات غير الأخلاقية، ومحاولات الخداع لزيادة فرص الفوز.

وفيما يلي النص الكامل للتقرير:

يمكن للسلطة أن تجعل القائد أكثر اهتماماً بذاته وأكثر توجهاً نحو الأهداف التي يضعها نصب عينيه، ولكنها أيضاً قد تجعل من الزعيم أقل اهتماماً بالآخرين، بخاصة إذا كان هذا "الزعيم" يجلس في منصب قيادي لفترة طويلة، فبقاؤه الطويل بالسلطة قد يجعل منها "سماً"، فيستطيع الجميع من أدنى البيروقراطيين إلى القائد الاعتماد على السلطة في أهدافهم.

إن إساءة استخدام السلطة أمر مكلف في كل النواحي التي يمكن تصورها، بدءاً من تضاؤل الثقة في المجتمع إلى تدهور الرفاهية. فالقائد السياسي هو الشخص الذي يخلق مجتمعه الخاص، ويحافظ عليه متماسكاً، ويضمن تنظيمه وتحفيزه، ويوجه هذا المجتمع ويسحبه نحو الأهداف التي يحاول حزبه تحقيقها، ومن أجل تحقيق ذلك من المهم أن يتمتع القائد بالقدرة على الإقناع وخلق الولاء له.

منصب القائد ليس كباقي المناصب، فالزعيم السياسي لا يملك وسائل المكافأة مثل زيادة الأجور أو الترقيات أو الإجازات، وكذلك لا يسلط عليه عادة سيف العقوبات مثل الفصل أو تخفيض راتبه، أو تنزيل رتبته، لذلك هو في حاجة إلى أن يكون قادراً على ضمان الإعجاب، وأن يفرض احترام نفسه بطريقة ما، وكل ذلك يكون من خلال التواصل وإقناع جمهوره به، فينبغي عليه التصرف بصورة مناسبة مع الموقف واستخدام مهارات الخطابة المقنعة.

عندما يسأل الناخبون في تركيا عن الحزب الذي صوتوا لصالحه، فإنهم يقولون اسم القائد بدلاً من اسم الحزب، فتجد ناخباً ما يقول إنه انتخب رجب طيب أردوغان بدلاً من أن يقول "حزب العدالة والتنمية"، أو يقول إنه انتخب أكرم إمام أوغلو بدلاً من أن يقول "حزب الشعب الجمهوري"، لذلك يحتاج الحزب السياسي في تركيا إلى تحديد توقعاته من الشعب من خلال معرفته بنوع القائد أو الزعيم الذي يريده الشعب، وما الخصائص المميزة لهذا الشخص الذي يدفع الشعب إلى التصويت له.

المنافسة السياسية في تركيا يمكن القول إنها لم تعد بصورة كبيرة بين الأحزاب، بل أصبحت بين قادة الأحزاب، واليوم أصبح العنصر الأهم هو الخصائص التي يتمتع بها رئيس الحزب، والمواصفات المتوفرة بالزعيم السياسي الذي سيختاره الناخب، لذلك على الأحزاب إيلاء مزيد من الاهتمام عند اختيارهم زعيم الحزب.

أنواع القادة السياسيين

هناك تصنيفات كثيرة جداً لأنواع القادة والزعماء السياسيين، لكن هناك أربعة أصناف هي الأشهر في العالم، وهم: الاستبدادي والديمقراطي والكاريزمي والتحويلي.

الشخصية القيادية الاستبدادية: تصنف كأقدم نوع شخصية قيادية على مر التاريخ، وتظهر في الغالب في المجتمعات التقليدية، حيث يقرر القائد كل شؤون الدولة والمجتمع، ويتوقع التنفيذ من دون شرط أو قيد. وهذا النوع قد حصل فعلاً ولو بصورة نسبية في تركيا، ويكون أحياناً على مستوى بعض الشركات والأحزاب السياسية، بل وحتى في إدارة الدولة، وهناك شريحة واسعة تقبل بهذا وتدعم هذا النوع من الشخصيات القيادية.

الشخصية القيادية الديمقراطية: هذا النوع من الشخصيات عادة لا يكتفي بقدراته الذاتية، بل دائماً يستشير مرؤوسيه ويأخذ برأيهم، ويشركهم في التخطيط وصنع القرار والأنشطة التنظيمية، فيتفاعل بصورة واسعة مع البيئة والأتباع الذين يحظون ببيئة يمكنهم من خلالها التعبير عن أفكارهم وتقديم اقتراحات.

في الأنظمة الديمقراطية، يتطلب الأداء الكامل للنظام الديمقراطي أن تتصرف الأحزاب السياسية في البلاد وفقاً لمبادئ الديمقراطية في نظامها الداخلي، كما يتطلب من قادة الأحزاب السياسية إظهار أسلوب القيادة الديمقراطية داخل كل حزب.

الشخصية القيادية الكاريزمية: القائد الذي يمتلك كاريزما جذابة لن تسمعه أبداً يصف نفسه بهذه الصفة، فأحد صفات الشخصية الكاريزمية هي أن الآخرين هم من يصفونه بهذه الصفة ولا يطلقها هو على نفسه، وذلك لأن الكاريزما هي سمة شخصية يحكم عليك الآخرون أنك تمتلكها.

ويتزامن تقرير الكاتبة التركية مع استعداد الأتراك للتوجه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية المقررة نهاية مارس/ آذار الجاري، بعد أقل من عام على انتخابات برلمانية ورئاسية أجريت في آن واحد، ووصفت بـ "التاريخية" لكونها تتزامن مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، وانتهت بفوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بولاية جديدة بعد تحقيقه الفوز من جديد على منافسه، زعيم المعارضة السابق كمال كلجدار أوغلو.

وتخوض الأحزاب التركية الانتخابات المحلية المقبلة إما بشكل مستقل أو ضمن تحالفات يبرز منها تحالف "الجمهور" بزعامة الرئيس أردوغان والذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، فيما يخوض حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة في تركيا، الانتخابات دون أي تحالف علني، مع وجود تحالفات محلية (غير معلنة) في بعض الولايات والأقضية مع أحزاب مختلفة أبرزها حزب المساواة الشعبية والديمقراطية (DEM) ذو التوجه الكردي.

ويضع تحالف "الجمهور" نصب عينيه في هذه الانتخابات استعادة بلديات مدن كبرى أبرزها العاصمة أنقرة وإسطنبول، من المعارضة التي تعاني من خلافات سواء بين صفوف الحزب الواحد أو على صعيد الأحزاب التي كانت تشكل تحالف "الطاولة السداسية" في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!