ترك برس

توقع الأكاديمي والخبير التركي يوسف قابلان، في مقال تحليلي، حدوث موجة عداء جديدة ضد المسلمين في الدول الغربية بسبب انتشار الإسلام بسرعة خلال الأعوام الأخيرة.

واستشهد قابلان في بداية مقاله بصحيفة يني شفق بتصريح مثير للجدل أدلى به المؤرخ اليهودي البريطاني برنارد لويس قبل وفاته، يقول فيه إنه "لا ينبغي قبول تركيا أبدًا في الاتحاد الأوروبي. فإذا انضمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ستصبح أوروبا مسلمةً خلال قرنٍ من الزمن".

وقال الكاتب إن السؤال الذي يجب طرحه هنا ليس حول صحة أو خطأ هذا الكلام، فالمسألة الجوهرية التي يجب تتبعها هي أن الغربيين أنفسهم "المفكرون الغربيون، كبار السياسيين" يدركون أنّ ثقة أوروبا بنفسها تتلاشى، وأنّها لم تعد تتمتع بأي أساس فلسفي قوي يحافظ عليها حيةً وفعالة.

وبحسب قابلان، أثار وقوف الجماهير الغربية الصريح ضد المجازر والإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة بفلسطين، قلق العواصم الغربية. لذلك أخشى أن تشهد المنطقة اندلاع موجةً ثالثةً من معاداة الإسلام في الغرب.

وأشار إلى استهداف منظمات حقوق الإنسان التي تدعم فلسطين في الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى، ومنعها من ممارسة أنشطتها.

وقال: تمثل المنظمات غير الحكومية في كل بلد متنفساً للشعب في مواجهة جبروت الدولة التي تمارس "العنف المنظم". إن إدراج المنظمات غير الحكومية التي ترفع صوتها عاليا ضد قتل الأبرياء أمام أعين الإنسانية في القائمة السوداء في الدول الغربية يثبت مدى هشاشة الأسس التي ترتكز عليها. بل إن فكرة أن الدول الغربية هي دول تسود فيها الحرية والديمقراطية وسيادة القانون قد تحولت إلى خرافة بعد تأييدها لإسرائيل التي ترتكب المجازر وجريمة الإبادة الجماعية في غزة.

ويرى الكاتب أن موجة العداء للإسلام في الغرب بدأت عندما استخدمت الدول العربية النفط كسلاح ضد الإمبريالية الغربية في حادثة تعرف ب "أزمة أوبك". وأشعل المؤرخ البريطاني اليهودي برنارد لويس فتيل معاداة الإسلام في الغرب من خلال مقال كتبه في مجلة "ذا أتلانتيك" الشهرية الثقافية في الثمانينات بعنوان "الغضب الإسلامي".

وأضاف: كان الإسلام من المغرب إلى ماليزيا قد أصبح الممثل الأقوى في العالم الإسلامي، فلو لم توقف مسيرة صعود الإسلام، لكانت ستحدث ثورة حضارية تغير مجرى التاريخ العالمي، مما يشكل تهديدا "خطيرا" لمستقبل الهيمنة الغربية على العالم.

ولذلك، تم إنهاء الحرب الباردة على عجل في بداية التسعينيات، وتم شن حرب خبيثة على الإسلام باستخدام أساليب ما بعد الحداثة تحت غطاء "مكافحة الإرهاب".

وشهد العقد الأول من الألفية الجديدة أزمة مهينة تمثلت في الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي اجتاحت جميع الدول الأوروبية. ثم اتخذت موجة معاداة الإسلام اتجاها جديدا، حيث بدأ مهاجمو نبينا - صلى الله عليه وسلم - هذه المرة بحرق المصاحف في العواصم الغربية.

وتابع المقال:

أثارت الإبادة الجماعية التي ترتكب في فلسطين اهتماما جماهيريا واسعا بالإسلام في الغرب، ودفعت الكثيرين إلى المسارعة في اعتناقه.

لقد قمنا بجولة في أوروبا منذ عدة أيام. أعتقد أن هناك موجة جديدة من معاداة الإسلام على وشك الانفجار في أوروبا، وعلى المسلمين في أوروبا أن يكونوا على أهبة الاستعداد لها.

ومن المحتمل أن تشن هجمات تستهدف المسلمين في أوروبا. وتكمن أهم أسباب موجة العداء هذه، في انتشار الإسلام بسرعة في أوروبا، بعد أن أصبح واضحا أن المسلمين في فلسطين هم من يحافظون على كرامة الإنسان رغم الحملات السلبية ضدهم.

الإسلام هو الدين الوحيد الذي يُمارَس ويُطبَّق في أوروبا

لقد انتهى عهد المسيحية، وأصبحت تاريخا قديما، وطردت من الحياة. لم يبق من المسيحية سوى كنيسة بلا روح، تشبه وحشا ضخما، فالكنائس فارغة، يتم إغلاق أبوابها واحدا تلو الآخر، وتباع لتتحول إلى دور سينما، أو معارض فنية في البداية، ثم يشتريها المسلمون ويحولونها إلى مساجد.

من ناحية أخرى، فإن ازدياد انتشار الإسلام في أوروبا وكونه الدين الأكثر حيوية ونشاطا يثير قلق الغربيين، كما يثير قلقهم أيضا النمو السريع لعدد المسلمين الذين يقدسون العائلة.

قد تبدو الحركات العنصرية والفاشية في الدول الأوروبية هي من تحرك موجة معاداة الإسلام، إلا أنني أرى أن هذا وهم كبير. فالحكومات الأوروبية تنفذ مخططا متعدد الأهداف، تسعى من خلاله إلى وقف صعود الإسلام، وإبعاد الشعوب الأوروبية، وخاصة المسلمين، عن الإسلام، ودفع شعوبهم إلى معاداة الإسلام من خلال إظهار ردود فعل قوية من المسلمين الذين يحتجون على الغرب.

وفي الواقع إن معاداة الإسلام ليست من صنع الحركات العنصرية والفاشية، بل هي مجرد أداة. ومعاداة الإسلام هي نتيجة حتمية لاستراتيجية أوروبية طويلة الأمد، نابعة من الأسباب الجوهرية التي ذكرتها.

إن المجازر الجماعية التي تعرض لها اليهود في أوروبا قبل قرن من الزمان، قد يُرتكَب مثلها هذه المرة ضد المسلمين. لا ضمير لأوروبا، ولا رحمة لها. إنها بلا روح. وينبغي ألا ننسى مقولة "توماس بين" القوية: "لا أحد يضاهي الغربيين في قدرتهم على تدمير أصول الإنسانية".

الغرب عدو للإنسانية والحقيقة؛ إنه يعبد ذاته ويلقي من يرفض الخضوع له في قدور الشعوذة، ويعذبه في محاكم التفتيش ويحرقه في الأفران، ولا مبالغة في أي من هذا الكلام أليس كذلك؟

قد تندلع موجةٌ هائلةٌ من معاداة الإسلام في أوروبا في الفترة المقبلة. ولذلك بات من الواجب على المسلمين أن يُقوّوا أنفسهم، وأن يُحيوا شعورَهم بالأمة الواحدة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!