ترك برس

أشار تقرير لشبكة الجزيرة القطرية إلى أن الوساطة التركية تعتبر أحدث مسعى لإصلاح العلاقات الدبلوماسية بين مقديشو وأديس أبابا اللتين توترت العلاقات بينهما في يناير/كانون الثاني الماضي عندما اتفقت الأخيرة مع "أرض الصومال" على استئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومترا من الإقليم مقابل الاعتراف باستقلاله.

وأوضح التقرير أنه في إطار جهود وساطة تبذلها أنقرة، استقبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ووزير خارجيته تاي أسقي سيلاسي وزيرَ الخارجية التركي  هاكان فيدان الذي يقوم بزيارة رسمية للبلاد لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين والمصالحة بين أديس أبابا ومقديشو.

ولفت إلى أن تركيا قد شرعت في محادثات وساطة بين الصومال وإثيوبيا بشأن اتفاق حول ميناء بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن الذي وقعته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، بعد أن توجه آبي أحمد إلى العاصمة التركية في مايو/أيار الماضي، في زيارة التقى خلالها الرئيس رجب أردوغان، وطلب آنذاك من أنقرة التوسط بين البلدين لحل الخلاف.

ومطلع يوليو/تموز الماضي، استضاف وزير الخارجية التركي نظيريه الإثيوبي والصومالي، ووقعوا على بيان مشترك بعد محادثات وصفت بـ"الصريحة والودية" فيما يتعلق بحل الخلافات بين هذين البلدين.

وأعلن فيدان أن الجولة الثانية من المحادثات ستعقد في الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل في أنقرة، مما يشير إلى استمرار الجهود التركية في لعب دور الوسيط لتحقيق تفاهمات دبلوماسية بين هذين الطرفين.

وتسعى أنقرة لاستثمار علاقاتها الجيدة مع كل من مقديشو وأديس أبابا للعب دور الوسيط بينهما حيث تحظى بثقة الطرفين، بحسب الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الباحث أن زيارة فيدان تهدف إلى تهيئة بيئة ملائمة لنجاح المحادثات المرتقبة بين الصومال وإثيوبيا في أنقرة والمقرر إجراؤها في سبتمبر/أيلول المقبل.

ويعتقد الكاتب أن مثل هذا الدور لا تقتصر فوائده على الصومال وإثيوبيا فقط، بل تمتد أيضا لتعزز من حضور تركيا في منطقة القرن الأفريقي. ورغم الشراكة الإستراتيجية التي تجمع تركيا بالصومال، فإن أنقرة تُولي اهتماما بالغا للحفاظ على علاقتها مع إثيوبيا وتطويرها في مختلف المجالات.

ويرى أن إثيوبيا تُعتبر قوة إقليمية صاعدة، ومن شأن بناء شراكة معها أن يساعد تركيا في تعزيز وجودها في القارة الأفريقية بشكل أكبر. وبالتالي، سيكون على أنقرة إيجاد توازن بين تعزيز حضورها في القرن الأفريقي وتحقيق مصالح كل من الصومال وإثيوبيا.

وأشار الباحث إلى أن إستراتيجية تركيا في أفريقيا تقوم على بناء شراكات متنوعة مع مختلف دول القارة، ولا سيما الفاعلة منها، مع تجنب الانخراط في النزاعات فيما بينها، وهذا يتوافق مع السياسة التركية في منطقة القرن الأفريقي.

وأظهرت أنقرة حتى الآن قدرتها على تجنب الانخراط السلبي في الصراعات الأفريقية للحفاظ على إستراتيجيتها الرامية إلى بناء شراكات متعددة، إلا أن الأزمة بين الصومال وإثيوبيا تُمثل تحديا صعبا أمام تركيا، وتضعها أمام اختبار حقيقي لقدرتها في الحفاظ على توازن إستراتيجيتها وتحقيق أهدافها في المنطقة، بحسب الباحث.

منذ نهاية الحرب الباردة، تبنت تركيا نهجا متعدد الأوجه في سياستها الخارجية، بهدف تعزيز بناء السلام والوساطة في أفريقيا وأميركا اللاتينية، من خلال توسيع شبكاتها الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية.

وتعتبر أفريقيا ميدانا حيويا لتطبيق السياسة الخارجية التركية متعددة الأوجه. فقد أعلنت أنقرة 2005 "عام أفريقيا" مما أطلق سلسلة من المبادرات السريعة لإقامة شراكات تجارية وتنفيذ مشاريع للسلام والأمن بالدول الأفريقية.

وبحلول عام 2008، نالت تركيا لقب الشريك الإستراتيجي للاتحاد الأفريقي، حيث نجحت في تحقيق التوازن بين تعزيز الأمن وبناء المؤسسات ودعم السلام من خلال مساعداتها وتوسعاتها التجارية، بالإضافة إلى جهود الوساطة التي تبذلها.

وتجلّى الدور التركي في القرن الأفريقي بشكل خاص منذ عام 2011، حيث انخرطت في جهود متعددة الأبعاد في الصومال، حيث تُعتبر أنقرة من أكبر الداعمين للمعونات الإنسانية بالصومال. كما بدأت منذ عام 2013 بتقديم جهود وساطة بين مقديشو وإقليم أرض الصومال، مما يعكس قدرتها على التأثير في تحقيق الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق تحديا في العالم.

وأشار المحلل السياسي أحمد أوزغور إلى أن الصومال لا تنظر إلى وصول إثيوبيا إلى ميناء تجاري نظرة سلبية، إذ إن تصريحات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أمام تجمع دول شرق أفريقيا أظهرت حسن النية والانفتاح على التعاون فيما يتعلق بوصول إثيوبيا إلى البحر.

وأضاف أوزغور في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذا يعكس أهمية الوضع في تعزيز السلام والتكامل الإقليمي، وضرورة تقدير الجهود الدبلوماسية المبذولة من كلا الجانبين بهذا الشأن. ومع ذلك، فالحكومة الفدرالية الصومالية لن تسمح بإنشاء قاعدة عسكرية يمكن استخدامها لأغراض غير تجارية دون موافقتها.

وأوضح المحلل السياسي أن الوساطة التركية تمثل خطوة أولى في طريق تسوية الخلافات بين إثيوبيا والصومال، خاصة وأن الأخيرة كانت ترفض أي وساطات خارجية في السابق، مشيرا إلى أن حل القضية سيستغرق وقتا أطول ما لم يبادر أحد الطرفين للاستجابة لمطالب الآخر.

وشدد على أن الخطوات التي يمكن اتخاذها بهذا الاتجاه يجب أن تُحلل بعناية من قبل دول المنطقة، إذ يوجد خطر حقيقي من أن يتم سد فجوات السلطة، التي ظهرت نتيجة للتطورات الأخيرة بمنطقة الساحل، من قبل المنظمات الإرهابية المرتبطة بتنظيميْ داعش (الدولة الإسلامية) والقاعدة.

وأكد أوزغور على الدور المحوري الذي تلعبه تركيا في هذه العملية حيث تحظى بقبول الدولتين، مضيفا أن الخلل بآلية الأمم المتحدة في ظل أزمة النظام العالمي والأزمات الدولية الحالية يعزز من أهمية الدور الذي تلعبه تركيا في حل الأزمات الإقليمية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!