احسان الفقيه - خاص ترك برس

ولاية الفقيه التي اخترعها الخميني جذورها تعود للشاه إسماعيل الصفوي..

فكرة تقديم العقل على النقل جذورها تعود إلى المعتزلة..

آفة التكفير جذورها ترجع إلى فرقة الخوارج..

فكل داء فكري معاصر حتما ستجد له جذورا سابقة كرّست له، وألمحت إليه، ليأتي المعاصرون لإحيائها.

* لم يكن ظهور العلمانية في تركيا قد بدأ في عهد مصطفى كمال أتاتورك، وإنما سبقه إليه السلطان محمود الثاني، الذي تسرّبت أفكار العلمانية إلى تركيا في عهده عن طريق الطلاب الأتراك الذين درسوا في الغرب وخاصة في فرنسا.

* يقول منصور عبد الحكيم في كتابه ( تركيا من الخلافة الى الحداثة – من أتاتورك الى أردوغان):

"عُرفت الأفكار العلمانية في تركيا بداية باسم التغريب الذي ظهر في عهد السلطان محمود الثاني الذي تولّى الحُكم في القرن الثامن عشر الميلادي حيث قام بإنشاء جيش جديد على غرار الجيوش الأوروبية واستبدل بالقوانين الإدارية قوانين جديدة على غرار القوانين الأوروبية كما أصدر قوانين تتعلّق باللباس وأجبر الموظفين والعسكريين علي ارتداء الطربوش وحلق اللحية".

عارض الشعب التركي هذه المظاهر الغربية الوافدة بقوة، وتصدى للمحاولات التي قام بها السلطان للاتجاه نحو الغرب العلمانية، حيث يُعدّ التغريب أولى مراحل العلمانية الداعمة لفصل الدين عن الدولة وشؤون الحياة، وأطلق الشعب حينها على السطان محمود الثاني لقب "السلطان الكافر".

* وبالرغم من أن السلطان محمود له جهود في حركة التعمير والمرافق وإعادة إعمار المساجد الشهيرة، إلا أن همه قد انصرف إلى مُحاكاة الغرب، وليته اقتصر على ذلك في الصناعات والعلوم الحديثة، لكنه قد استورد كذلك العادات التي كانت مقدمة لعلمنة البلاد، ومن ذلك أنه استحدث اللباس الأوروبي وأجبر موظفي الحكومة المدنيين والعسكريين على ارتدائه في أماكن عملهم.

* وفي القرن التاسع عشر، برزت شخصيات علمانية ثائرة على الأوضاع العثمانية ترمي إلى علْمنة تركيا أمثال "نامق كمال" و"ضياء كوك ألب باش"، كما أسس الشباب المتأثر بالثقافة الفرنسية نتيجة تلقيهم التعليم فيها، جمعية الشباب العثماني عام 1865م.

قام هؤلاء الشباب والساسة بإعداد دستور جديد، ونادوا بفتح البرلمان ومنح السيادة في الحكم للشعب التركي على النحو الغربي، فشكل هؤلاء قاعدة للنظام العلماني في تركيا بعد عمل مستمر داخل وخارج تركيا في السر والعلن، وبناء أرضية للنظام السياسي الجديد.

* كانت هذه الحركات الشبابية هي الأرض الخصبة التي غرس فيها مصطفى كمال أتاتورك النظام العلماني بعد أن تولى زمام الأمور، ومن الغريب أنه حرص في البداية على الظهور بمظهر ديني، وقام بنفسه بإلقاء خطبة الجمعة في مدينة "بالي كسير".

وقام بتعيين مساعدين له من الطرق الصوفية بعدما ترأس المجلس الوطني الكبير، وما ذلك إلا للتحايل على الشعب التركي المتدين.

ولكن لم يُخفِ أتاتورك توجّهه العلماني إذا قام على الفور بتغيير نمط الحياة التركية ذات الصبغة الإسلامية، واستبدل بها نظاما علمانيا معاديا لشعائر الإسلام ومبادئه.

*عام 1924 ألغى أتاتورك من الدستور التركي عبارة "دين الدولة الرسمي (الإسلام)"  وورد في الدستور التركي أن الدولة لا تعترف بأي دين رسمي رغم أن غالبية الأتراك من المسلمين، ورغم أن تركيا كانت تقود العالم الإسلامي بأسره.

قام أتاتورك بإلغاء المحاكم الشرعية الدينية ...

* ومنذ عام 1925 وهو يسعى لتغريب تركيا في ثقافتها وحضارتها، وجعل من الجيش حارسا للنظام العلماني الذي يحارب المظاهر الإسلامية، وأصدر قوانين عديدة لهيمنة المظهر العلماني.

ألغى القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية حيث أعطى المرأة المسلمة حق الزواج من غير المسلم، وحق تغيير دينها، والمساواة بين الجنسين في الميراث.

ومنح الأب حق الاعتراف بولده من السفاح وهو ما يخالف الشريعة الإسلامية...

حارب أتاتورك الحجاب وألزم النساء بالسفور وإلا حُوكم أزواجهن وأوليائهن.

* قام أتاتورك بتغريب التعليم من خلال توحيد المدارس، واستبدل الحروف العربية بالحروف اللاتينية لفصل الأتراك عن تراثهم.

ولم تكن علمانية أتاتورك تسير على نسق العلمانية الغربية التي تفصل الدين عن الدولة وتطلق الحريات للأفراد، بل كانت علمانيته ديكتاتورية تقوم على فكرة القومية بحيث يكون الرابط بين أبناء الشعب علاقة الوطن بعيدا عن الدين، كما أنه ولإظهار المساواة بين أبناء الشعب قام بضرب نفوذ الطبقة الأرستقراطية ورجال الدين، وهي ما يعرف بفكرة "الشعبية".

* وحوّل أتاتورك الدولة أداة لفرض العلمانية والتغريب، وعمم فكرة الثورة على كل ما هو سائد من الأوضاع التقليدية، ومن ذلك إجبار الشعب على المفهوم الذي يراه هو لممارسة شعائر الدين.

* ويعد أخطر ما قام به أتاتورك أنه جعل من الجيش المؤسسة التي تحمي استبداد النظام العلماني، وحارب تسلّل أي مظهر من المظاهر الإسلامية إلى داخل الثكنات العسكرية.

وبالفعل تدخل الجيش لإحباط أي محاولة لعودة الصبغة الإسلامية، وقام بالانقلاب على عدنان مندريس رحمه الله  عام 1960، وتم الحكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، والتي لم تكن سوى السماح ببعض المظاهر الإسلامية في تركيا.

وحرص أتاتورك ألا يظل الجيش وحده منفردا يقوم بحماية العلمانية، وإنما ركّز على علمنة القضاء والإعلام، والذي كان له الدور الأبرز في المحافظة على النسق العلماني.

* لقد مات أتاتوك وخلّف آثارا للعلمانية المتوحشة، واستكمل الكماليون المسير على الدرب ذاته، فمجموعة (آيدن دوغان) تمتلك أكثر من 60% من وسائل الإعلام وهي تقوم على التأليب ضد الحكومات التي تحيد عن النهج العلماني الأتاتوركي، وأبرز مثال على ذلك تأليبها للجيش على نجم الدين أربكان عام 1997م.

وأما محكمة الدستور والمحاكم العليا والمحاكم الإدارية العليا فهي تقوم بإصدار الأحكام لصالح النظام العلماني، حيث أغلقت الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية مثل حزب الرفاه والفضيلة والسلام الوطني.

* كما كان من آثار الهيمنة العلمانية الأتاتوركية مجموعة (صبانجي) المُتنفّذة اقتصاديا، ومجموعة (كوج) التي تعمل على استمرار علمانية أتاتورك في هذه الدولة.

يقول منصور عبد الحكيم: "من الاجراءات التي أقرّها الكماليون في تركيا لترسيخ العلمانية الأتاتوركية وفرضها بالقوة :

إلغاء نظام تعدد الزوجات الذي يُقرّه الإسلام ويُحلّه في القرآن الكريم.

إباحة زواج التركية المسلمة من المسيحي واليهودي او غير المسلم وهذا مخالف للشريعة.

منع النساء من ارتداء الحجاب ومحاسبة أزواجهنّ أو اولياء أمورهنّ إن فعلن.

منع أئمة المساجد من ارتداء العباءة خارج المسجد.

تحويل المساجد الكبرى الى متاحف.

جعل يوم الأحد إجازة رسمية بدل من الجمعة.

السماح لأي تركي تغيير دينه.

إبطال كتابة اللغة التركية بالأحرف العربية واستبدالها بالأحرف اللاتينية.

الغاء منصب شيخ الإسلام ووزارة الأوقاف والتعليم الديني".

* نستطيع القول بأن العلمانية مُتجذّرة في المجتمع التركي خاصة المؤسسات، وقام حزب العدالة والتنمية على مدى 13 عاما على ترويض العلمانية، لإعادة الشعب التركي الى جذوره العثمانية، وبالفعل عادت كثير من المظاهر الإسلامية التي رانَ عليها تراب العلمانية من جديد في تركيا.

لقد كان أردوغان يُناجز العلمانيين بعلمانيتهم، ويُطالبهم بردها إلى النسق الغربي وهي العلمانية الديموقراطية لا العلمانية الديكتاتورية المستبدة، فالغرب يُقصي الدين بالأفكار وليس بالحديد والنار، والحرية الدينية مكفولة في أوربا والغرب، فلماذا استوردوا جانبا من الفكرة وتركوا البقية؟

فكان منطق الحريات هو الذي سار به أردوغان لمواجهة العلمانية، أنتم تقولون أننا بلد ديموقراطي، فلم لا يصبح الحجاب حرية شخصية على غرار السفور؟

تقولون أننا بلد ديموقراطي، فلم لا نسمح للناس جميعهم بممارسة شعائر دينهم كما يحلو لهم؟

* نستطيع القول أن نجاح الحزب في إدارة تركيا سهل وروج للفكرة الإسلامية، خاصة وأن الشعب التركي على عكس ما يشاع عنه، هو شعب متدين، يحب الدين، ويحب أصوله وجذوره وهويته.

ومن هنا أتساءل:

أيّهما أفضل أن تعتلي دبابة وتدخل القصر الحاكم لحرق القصر على من فيه فيقتُلك الحراس أنت ومن سيُقلّدك بعد محاولتك الفاشلة تلك .. أم أن تعمل في ذات القصر وتُقنع العاملين معك وذات الحُرّاس أن سائق تلك الدبابة ليس عدوّا بل ربما لديه وجهة نظر ويستحقّ أن تسمع منه.. وبأنه ولو أشهر سيفة فليس بخائن بل جاهل مُتسرّع.. يظنّ أن لا حلّ الا بالتدمير وأن التطهير لغة العاجزين؟

أيّهما أفضل أن تحرق بلادك وتسفك دم الغافلين والضعفاء والآمنين ببيوتهم من أجل تكريس فكرتك أم أن تستخدم أدوات العدوّ ذاتها فتنتصر عليه بذات ما أخضعك به يوما إليه؟

عن الكاتب

احسان الفقيه

كاتبة أردنية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس