جلال سلمي - خاص ترك برس

فلسطين؛ دولةٌ ذات تاريخ عتيق، دولةٌ حضنت بين أحشائها العديد من الحضارات العريقة، دولةٌ بموقعها الجغرافي الاستراتيجي والمميز جذبت العديد من الأقوام لتستوطنها وتقيم بها، دولةٌ ذات مكانة دينية باركها المولى في إسراء سوره، وشرفها الرسول الأكرم "صلى الله وعليه وسلم" بإسرائه، وزاد بركتها المسيح بميلاده، وأكرمها عمر بن الخطاب بفتحه وتواضعه، وأعاد صلاح الدين الأيوبي لها طهرها ووقارها بتحريره.

خضعت فلسطين، خلال تاريخها الحافل، تحت حكم العديد من السلطات والدول، ولكل سلطة حكمتها قصة بداية وتطور ونهاية، تقلبت سنوات حكم فلسطين بين تلك الدولة وذات إلى أن وصلت سلسلة السلطات الحاكمة إلى عهد الدولة العثمانية، فكيف بدأت قصة حكم الدولة العثمانية لفلسطين؟ وكيف تطورت؟ ومتى انتهت؟

تروي الوثائق التاريخية بأن فتح فلسطين تم من قبل الدولة العثمانية، عام 1516،  بعد فتح بلاد الشام من خلال معركة مرج دابق،  وقد كان القائد لتلك المعركة الضروس هو السلطان العثماني سليم الأول.

خاض السلطان العثماني ييووز سليم أولى معاركه، في طريقه لفتح مصر بعد فتح الشام، على مشارف غزة، التي ضمها وفلسطين للحكم العثماني، فبدأ الحكم العثماني لفلسطين في ذلك التاريخ، "1916"، واستمر بجيشه إلى أن وصل القاهرة وتعارك على مشارفها مع المماليك وانتصر عليهم.

على الرغم من الانتصار العثماني إلا أن السلطان المملوكي طومان باي جمع جيشه من ضواحي القاهرة وعاد ليقاتل الجيش العثماني بداخلها واستمر القتال بين الطرفين لمدة يوم كامل، إلا أنهم في نهاية المطاف لم يتمكنوا من تحقيق النصر على الجيش العثماني وأُخمدت مقاومتهم بيد حديدية.

استطاع السلطان العثماني يووز سليم "سليم الأول" فتح بلاد الشام ومصر خلال أقل من عام، ولكن بعد 400 عام حاول وزير البحرية والقائد العام للمنطقة العربية جمال باشا أن يحكم سيطرته على منطقة الخليج العربي وبلاد الشام ومصر، ولكن التوقيت الخاطئ والقادة ضعيفي الخدمة والاستراتيجية الخاطئة والتقنية العسكرية الألمانية الضعيفة قلب المعادلة ضد جمال باشا وجيشه ولم يستطع التقدم كما يريد وبقي فقط في بلاد الشام وبشكل خاص في سوريا، هذه المقارنة تُبين مدى دقة وإتقان الخطط والتحركات العسكرية ليووز سليم.

في حقيقة الأمر الدافع الأساسي الذي جعل السلطان يووز سليم يتجه نحو بلاد الشام ومصر، في تلك الحقبة الزمنية بالتحديد، هو أنه  في فترة حكمه "1512 ـ 1520"، كان هناك نزاع مذهبي بين الدولة العثمانية "السنية" وبين الدولة الإيرانية الصفوية"، ومن باب حرص السلطان على تأمين الجبهة الخلفية للدولة العثمانية قبل بدأ القتال مع الصفويين ارتأى أن من الصواب فتح بلاد الشام ومصر ومن ثم بدء القتال مع الصفويين.

بدأ السلطان ياووز سليم بتنفيذ خططه ضد المماليك، الذين كانوا يحكمون المنطقة في تلك الفترة، عام 1516، استطاع يووز سليم خلال حملته فتح بلاد الشام "سوريا، لبنان، فلسطين، ليس هناك تفاصيل دقيقة عن الأردن" في معركة مرج دابق التي جرت بجوار حلب عام 1516، وبهذا التاريخ تكون فلسطين قد دخلت في ظل حكم الدولة العثمانية، ذلك الحكم الذي سيستمر إلى عام 1917 أي 401 عام.

بعد فتح فلسطين استمر ياووز سليم بالاتجاه نحو مصر ورقد وجيشه الضخم على حدود غزة مع مصر لأخذ قسطِ من الراحة، وبعد الاستراحة أكمل المسير وجيشه إلى أن وصل منطقة الريدانية، القريبة من القاهرة، وجرت هناك معركة الريدانية، في عام 1917، وحقق ياووز سليم في هذه المعركة نصر كبير على المماليك وأنزل الهزيمة بقائدهم طومان باي.

ويرى بروفسور التاريخ التركي ألبار أورتايلي، في دراسة أكاديمية له بعنوان "فترة الحكم العثماني في فلسطين"، نُشرت في جريدة ميلييت التركية، أن "العتاد والتقنية العسكرية القوية والانضباط العسكري للجيش وتأمين غذاء الجيش وطعامه بشكل يكفيه طيلة مدة الحملة العسكرية؛ هي العوامل الأساسية التي حقققت للسلطان ياووز سليم النصر المؤزر في معركتي مرج دابق والريدانية".

نظام الحكم الذي وضعه العثمانيون في بلاد الشام ومصر:

بعد أن أتم السلطان سليم فتح مصر وبلاد الشام، وضع لإدارتهما نظاماً يكفل بقاء خضوعها وعدم استقلال أحد فيها بأمرها، حيث جعل مقاليد حكم مصر وبلاد الشام في ثلاث سلطات فإذا طمعت إحداهن في الحكم كانت أمامها الاثنتان الأخريان. وكانت الثلاث سلطات كالآتي:

ـ السلطة الأولى الوالي: الوالي هو والي عثماني يتم تعيينه من قبل السلطان العثماني بشكل مباشر، كانت المهام الأساسية للوالي هي: إبلاغ الأوامر التي ترد عليه من السلطان إلى أعمال الحكومة ومراقبة تنفيذها، وكانت سلطة الوالي تشمل مصر وبلاد الشام بما فيهم فلسطين.

ـ السلطة الثانية جيش الحامية: كان هذا الجيش يتواجد بشكل أساسي في قلعة القاهر، ولكن مجال مهامه كان يشمل بلاد الشام أيضًا، وقد كونه السلطان سليم من ست فرق ونصب عليه قائداً يقيم في القلعة، وجعل كل فرقة ستة من الضباط، وشكل من هؤلاء الضباط مجلسًا يساعد الوالي في إدارة شؤون البلاد، وجعل لهذا الديوان الحق في رفض مشروعات الوالي إذا لم ير فيها مصلحة.

ـ السلطة الثالثة المماليك: نُصب كل واحد منهم على سنجق من الأربعة والعشرين، أهم هذه السناجيق "الولايات" ولاية القاهرة، ولاية حلب، ولاية دمشق، ولاية حما، ولاية حمص، ولاية طرابلس،  ولاية غزة،  ولاية القدس، وهذا يعني بأن فلسطين كان متصلة بالدولة العثمانية من خلال ولاية القدس وغزة واستمر المماليك في حكمها حتى  بعد الفتح العثماني،  كان يحق للماليك رفض مشروعات الوالي إذا لم ير فيها مصلحة ويرسل شكواه إلى جيش الحامية.1

استمر هذا النظام على حاله إلى عام 1831، حيث سيطر والي مصر محمد علي باشا على بلاد الشام ووهب حكمها لابنه إبراهيم باشا كنائب له، واستمر حكم محمد علي باشا على بلاد الشام وفلسطين إلى عام 1840 إذ تمكنت الدولة العثمانية، في ذلك التاريخ، من صده.

خلال فترة حكم محمد علي باشا كانت فلسطين تحت حكم ولاية إبراهيم باشا لبلاد الشام ككل ولم يخصص لها ولاية إدارية خاصة كما كان عليه الحال إبان السيطرة العثمانية عليها. بعد طرد الدولة العثمانية لمحمد علي باشا من بلاد الشام لم تستطع تخليص مصر من حكمه واستمرت خاضعة لحكمه وحكم أبنائه إلى أن قامت "ثورة الضباط الأحرار" عام 1952.

بعد استرجاع الدولة العثمانية لسيطرتها على منطقة بلاد الشام أبقت على التقسيم الإداري لها لما كانت عليه قبل سيطرة محمد علي باشا، إلا نظام الحكم الذي وضعه السلطان ياووز سليم والذي كان يرتكز على ثلاثية نظام الحكم أُلغي ووضع مكانه نظام حكم أحادي، بمعنى خُصص لكل سنجاق إداري والي عثماني واحد فقط متبوع بجيش وكادر إداري تابع بشكل مباشر إلى القصر العالي.

استمر حكم الدولة العثمانية لبلاد الشام وسناجقها إلى عام 1917، حيث الاحتلال البريطاني لفلسطين ومن ثم الاحتلال الفرنسي لسوريا الكبرى.

تروي المصادر التاريخية بأنه خلال فترة حكم الدولة العثمانية لمنطقة الشرق الأوسط، بما فيها فلسطين، لم يُجبر أحد على تغيير دينه أولغته، ولم تقتصر الوظائف على الأتراك فقط بل تم توزيعها على جميع مواطني الدولة العثمانية بلا استثناء وكان غير المسلم قبل المسلم يعمل في أعلى وظائف ومراكز الدولة دون أي تفرقة أو تمييز.

ولكن بعد ضعف الدولة العثمانية بعض الشيء وبعد اكتشاف النفط وبعض المواد الخام الأخرى في منطقة الشرق الأوسط بدأت الدول الأوروبية "الإمبريالية"، الطامعة في هذه الثروات، بحياكة المكائد والمؤامرات للقضاء على السيطرة العثمانية العادلة لمنطقة الشرق الأوسط وبالتالي الاستيلاء على ثروات منطقة الشرق الأوسط بسهولة ودون أي اعتراض من أحد، ولم يكتفوا بذلك بل عملوا على تطبيق سياسة "فرق تسد" لتحلو لهم السيطرة بكل سهولة فأصبح هناك عدد كبير من الدول أو الدويلات المُقسمة وأصبحت بعض هذه الدول حاقدة على بعضها الآخر وتولت الدول الغربية مسألة دعم هذه الدول وكأنها صديقة لها ولكن للأسف هي نفسها التي كانت تشعل فتيل الحرب والفتنة والحقد بين هذه الدول الصديقة في الأصل وتقوم بدعمها بالسلاح والمهمات العسكرية، وأكبر مُصيبة أورثها المُستعمر لمنطقة الشرق الأوسط هي دولة "إسرائيل" التي تشعل المنطقة دومًا بالفتن والحروب.2

ويرى الكاتب السياسي التاريخي نظيف غورداغان، في مقال تقييمي له بعنوان "الشرق الأوسط يشتاق للدولة العثمانية" نُشر بتاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر في جريدة "يني شفق" التركية  أن "الشرق الأوسط اليوم هو في اشتياق عظيم وكبير للدولة العثمانية التي حكمته لمدة 4 عقود متعاقبة دون أي تمييز أو تفرقة أو طمع في ثرواته بل قامت بحمايته على أساس الواجب الإسلامي الذي يقضي بضرورة وجود خلافة أو دولة إسلامية كبيرة لحماية دار السلام "بلاد الإسلام"."

ويضيف الكاتب قائلًا "الشرق الأوسط، بما فيها تركيا، اليوم يحتاج إلى التكاتف والتعاضد لتأسيس دولة مُوحدة تسير على أساس الائتلاف والتوحد لخدمة المصالح المشتركة لسكان المنطقة ولدحض أطماع الدول الغربية عن المنطقة مثلما كانت الدولة العثمانية وغيرها من الدول تفعل من أجل حماية منطقة الشرق الأوسط من غدر الدول الغربية واستيلائها الهمجي"."

المراجع:

1 ـ حكم محمد علي لبر الشام، موقع منبر حر للثقافة والفكر والأداب، تاريخ النشر 7 أغسطس 2014، تاريخ الوصول 24 نوفمبر 2015.

2 ـ القدس في ظل الدولة العثمانية، موقع القدس "عروس عروبتكم"، تاريخ الوصول 25 نوفمبر 2015.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!