جلال سلمي - خاص ترك برس

ظهرت تركيا في الآونة الأخيرة على الساحة الدولية بأنها إحدى الدول الأكثر تقديما للمساعدات والمعونة حول العالم، حيث أظهرت تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بترتيب الدول حسب المساعدات التي تقدمها، بأن تركيا احتلت المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

وفي هذا السياق أشارت صحيفة "حرييت"، في تقرير لها إلى أن تركيا أنفقت على خدمات اللاجئين السوريين منذ عام 2011 وحتى الآن ما يقارب 8 مليار دولار، وكشف الخبير الاقتصادي "غونغور أوراس" في مقاله بصحيفة ملييت "تركيا الدولة الثالثة عالميا من حيث حجم المساعدات" أن مقدار ما أنفقته تركيا للمساعدات الإنسانية التنموية خلال عام 2015 بلغ 3.9 مليار دولار. فما هو الفرق بين المساعدات الإنسانية، والمساعدات الإنسانية التنموية؟

أما المساعدات الإنسانية؛ فإنها تعرف على أنها تحويل موارد الخدمات من دولة لأخرى لفترة قصيرة، أو تُعرف على أنها تخصيص موارد لإيواء المحتاجين لفترة معينة من الزمن، وتهدف هذه المساعدات إلى الحد من الفقر والحد من تفاقم المعاناة لفترة زمنية معينة عادة ما تكون قصيرة أو متوسط الأمد.

وتختلف المساعدات الإنسانية التنموية عن المساعدات الإنسانية العادية، إذ تعرف على أنها عملية تحويل الموارد المادية والتقنية والبشرية من دولة لأخرى أو مؤسسة لدولة، لتطوير وتقوية القدرات والرؤى الاستراتيجية لدى الدولة والأخذ بها نحو تنمية مستدامة تجنبها الحاجة إلى المساعدات الإنسانية على الأمد البعيد.

والمساعدات الإنسانية العادية أو العاجلة مهمة جدا في حال الأزمات العاجلة مثل الآفات الطبيعية أو الاشتباكات أو الحروب المفاجئة، أما المساعدات الإنسانية التنموية فتحمل في طياتها الاستراتيجية والاستمرارية، حيث تهدف إلى تنمية الدول الفقيرة أو المتخلفة التي تحتاج إلى المساعدة، بشكل يضمن لها التطور ويُغنيها عن الحاجة للمساعدات الإنسانية على المدى البعيد.

عناصر المساعدة الإنسانية التنموية:

في حين تقتصر المساعدات الإنسانية العادية على تقديم المواد الغذائية وبعض المعونات الطبية البسيطة وحتى المال، تتفرع المساعدات التنموية لتشمل عدة مجالات أهمها مجال تنمية الموارد والثروة البشرية، أما عن عناصر المساعدة الإنسانية التنموية فيمكن ذكر التالي:

ـ المبالغ المالية المدروسة ضمن خطط تطبيقية معمقة.

ـ سياسة استرداد للديون بشكل يلائم الوضع الاقتصادي للدولة المستدينة.

ـ الدعم التقني والفني.

ـ التوجيه التخطيطي الاستراتيجي الذي يركّز على جانب التنمية المستدامة.

ـ توريد المعرفة والمعلومات والخبرة.

وتقدم الحكومة التركية مساعدتها الإنسانية عبر عدة مؤسسات تنموية، أهمها:

ـ وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا".

ـ اتحاد غرف تجارة تركيا "توب".

ـ مؤسسة العلاقات الاقتصادية الدولية "دييك".

ـ وقف التنمية الاقتصادي "إكيف".

ـ اتحاد التنمية التركي.

ولإعطاء أمثلة تطبيقية على مشاريع المساعدات الإنسانية التنموية التي قامت بها تركيا، يمكن ذكر الآتي:

ـ مشروع "الصناعة والسلام" الاقتصادي الذي يهدف إلى تأسيس منطقة صناعية توفر آلاف فرص العمل للعمال الفلسطينيين في الضفة الغربية. يرعى المشروع اتحاد غرف تجارة تركيا وتدعمه الحكومة التركية. وقد بلغت قيمة المشاريع التركية التنموية في فلسطين منذ عام 2009 118 مليون دولار أمريكي ما بين بناء مدارس ومستشفيات ومشاريع تجارية فردية ومؤسساتية وغيره، على حد ما يبيّنه رئيس تيكا "كورشاد أوزدامير" في لقاء صحفي له مع وكالة الأناضول.

ـ تمويل تونس بقيمة 200 مليون دولار، لإتمام عدد من مشاريعه التنموية، حسب ما أوضحت الجريدة التونسية في عددها الصادر بتاريخ 25 سبتمبر 2014.

ـ إقامة عدد من المناطق الصناعية المشتركة في لبنان وبعض الدول الأفريقية وفي مصر إبان حكم الرئيس محمد مرسي.

وفي هذا المقام قد يطرح سائل سؤالا عن سبب إقدام تركيا على تقديم هذه النوعية من المساعدات، والإجابة على هذا التساؤل يمكن النظر إليها من خلال عدة محاور أهمها:

ـ السياسة الاقتصادية الاتحادية: تنبع هذه السياسة من النظرية الليبرالية الاتحادية الحديثة في علم العلاقات الدولية، حيث تنص هذه النظرية المستوحاة من الاقتصاد على أن الدول هي عبارة عن فاعل (actor) يسعى للربح وسط ملعب كبير يحاكي المربع، داخل هذا المربع يوجد 4 مربعات، مربعان صفريان ويعنيان الخسارة وآخران يحتويان على الرقم واحد ويعنيان الربح.

0 1
1 0

باختصار تنص النظرية على أنه في حال تعاون الطرفين ضمن اتحاد سياسي واقتصادي عادل فإنهما يقيان أنفسهما من الوقوع في الخسارة ويكون نصيبهما من الربح متساويا، ونتيجة الاتحاد المتبادل ستكون 2، أي نتيجة إيجابية تصب في صالح الطرفين.

يحقق الربح المتبادل تنمية واستمرارا للعلاقات المتبادلة بين الدول، وهو ما تسعى إليه تركيا على العكس من الدول الاستعمارية التي تبني نصاب علاقتها على النتيجة الصفرية، أي أنها هي تربح + والدول الأخرى تخسر ـ، وفي نهاية المطاف نرى أن الدولة الخاسرة تنتفض لا محال على مسار العلاقات غير العادلة وتتخلص منها.

ـ السياسة الناعمة: يسعى حزب العدالة والتنمية منذ توليه مقاليد الحكم في تركيا عام 2002 للحصول على دور فعال على الصعيدين الإقليمي والدولي، لذا فإن قادته يرون أن المنفذ الاقتصادي التعاوني أحد أهم المنافذ للحصول على الدور المنشود.

ـ البُعد الأخلاقي: تحيط السياسة التركية الكثير من الأبعاد المثالية، وقد بدا ذلك واضحًا في موقفها من الثورة السورية، حيث تبنت دعم الثورة السورية وتحملت تكاليف باهظة جراء ذلك، وعلى الرغم من تغيير الكثير من الأطراف، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، موقفها تجاه نظام الأسد، إلا أن تركيا أصرت على موقفها الداعم الذي ما زال يكلفها الكثير، ومن هنا يتضح أن تركيا تقدم مساعدات إنسانية تنموية بدافع المواقف الإنسانية المثالية البعيدة عن سياسة المصالح التي تتنافى مع الأخلاق والمبادئ.

تعاني الكثير من الدول حول العالم ويلات الفقر المدقع والفوضى السياسية العارمة والتدهور الاجتماعي المؤلم، ومصائب هذه الدول لن تقتصر عليها فقط، بل ستطال عاجلا أم آجلا أمن واستقرار الدول الأخرى، كما حدث في قضية النزوح السوري تجاه أوروبا، لذا ومن منطلق حتمية تأثر الدول المتقدمة بما تعاني منه الدول الفقيرة ومن منطلق تبادل تنمية الأرباح الاقتصادية من خلال الاتحاد الاقتصادي التعاوني ستستمر تركيا في مشاريعها التنموية لاستهداف أكبر عدد ممكن من الدول النامية، لإحداث تقدم شامل يعود بدوره بالفائدة المتبادلة على تركيا والدول التي تعمل على مساعدتها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!