محمود علوش - خاص ترك برس 

كان مستغربًا إدراج الأمم المتحدة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن على قائمة سوداء تصدر سنويًا وتضم الدول والجماعات التي تنتهك حقوق الأطفال في الصراعات المسلحة، قبل أن تتراجع المنظمة الدولية وتحذفه من القائمة لحين إجراء تحقيق مشترك مع التحالف في القضية. الغرابة لا تنبع من كون التحالف غير منزه عن الخطأ، بل في الطريقة التي صيغ بها التقرير، إذ تكشف وثيقة مسربة عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان لجوءها إلى مخاطبة قيادي حوثي بصفته قائمًا بأعمال وزارة الخارجية اليمنية. وعلى ما يبدو فإن المفوضية اعتمدت إلى حد كبير على إفادة هذا القيادي الذي لا يملك أي صفة شرعية في صياغة التقرير الخاص بالقائمة.

الأمم المتحدة، كما أغلب دول العالم باستثناء إيران وحلفائها العرب، تعتبر الحوثيين جماعة متمردة على الدولة، ومجلس الأمن أصدر قرارا في نيسان/ أبريل العام الماضي يُقر بشكل لا لبس فيه بأن هذه الجماعة قوّضت الأمن والسلام والاستقرار في اليمن، ويطالبها بوقف القتال وسحب مسلحيها من المناطق التي احتلتها، بما في ذلك صنعاء نفسها، المكان الذي يتواجد فيه القائم المفترض بأعمال وزارة الخارجية. يُفترض على المفوضية أن تبرر للرأي العام الأسباب التي دفعتها إلى مخاطبة هذا القيادي من دون أن تستمع إلى وجهة النظر الأخرى في التحالف.

كان بالإمكان طي هذه الفضيحة لولا التصريح الأخير المثيل للجدل لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، حين قال بأن هناك دولًا هددت بوقف تمويل برامج المنظمة بعد إدراج التحالف في القائمة السوداء. أغلب الظن أنه يُشير إلى السعودية التي فضّل عدم تسميتها بالإسم، سيما وأن وكالة "رويترز" العالمية سبق وأن نشرت قبل تصريحات بان بيومين تقريرًا يصب في نفس الاتجاه، رغم أن المندوب السعودي في واشنطن عبد الله المعلمي سارع إلى نفي تلك المعلومات جملة وتفصيلا، والأهم أنه تحدث صراحة عن سعي جهات دولية إلى محاولة إظهار السعودية على أنها تبتز المنظمة الدولية.

من حق المملكة أن تغضب من إدراج التحالف في القائمة السوداء، على اعتبار أنه يستهدف سمعتها بالدرجة الأولى، ناهيك عن الطريقة الملتبسة التي صيغ فيها تقرير مفوضية حقوق الإنسان. التحالف لا يقول عن نفسه إنّه منزّه عن الخطأ، وقد شكّل لجنة خاصة للتحقيق فيما إذا كانت غاراته في اليمن تعمّدت قصف مواقع مدنية وقتلت أطفالًا عن سابق إصرار وتصميم.

في معطى آخر يبدو في الشكل منفصلًا عن الجدل الحاصل بشأن القائمة السوداء، لكنّه في المضمون يتشابه إلى حد بعيد. فقد زعمت شبكة "سي إن إن" الأمريكية قبل أسابيع أن السعودية هدّدت بسحب ودائعها المالية الضخمة من البنوك الأمريكية في حال إقرار مجلس الشيوخ مشروع قانونًا يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية. المجلس أجاز القانون بالفعل، ولم نسمع أن الرياض أقدمت على سحب دولار واحد من المصارف الأمريكية ردًا على ذلك، كما أن وزير خارجيتها عادل الجبير نفى ما أوردته الشبكة.

قبل نحو ثلاثة أشهر من اليوم، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا مطوّلًا خصّصته لكيل الانتقادات للسعودية، متهمة إيّاها بتجنيد دبلوماسيين لإحباط أي قرار في مجلس الأمن يدين عاصفة الحزم. ما يجمع الحالات الثلاث الآنفة الذكر أن هناك محاولات لإحراج المملكة أمام العالم وإظهارها على أنّها دولة مبتزّة في كل شيء. والملفت أن هذه المحاولات تأتي في ظل تباين أمريكي سعودي في الملف اليمني كما هو الحال في أغلب ملفات المنطقة الملتهبة.

لا يمكن الجزم بأن دوائر القرار الأمريكية الرسمية هي من تُدير الحملات الممنهجة ضد الرياض في المحافل الدولية، لكنّ في المقابل لا يمكن تبرئتها. فالأمريكيون منذ إطلاق عاصفة الحزم في السادس والعشرين من آذار/ مارس من العام الماضي، وجدوا أنفسهم مجبرين على تأييدها. وتعمّد الرياض إعلان العملية على لسان سفيرها في واشنطن آنذاك عادل الجبير، شكّل في حقيقة الأمر إحراجًا لهم، حيث أنهم أبلغوا في الساعات الأخيرة بالتحرك السعودي، كما كشف قائد القوات المركزية الأمريكية السابق الجنرال لويد أوستين في إحدى جلسات مجلس الشيوخ العام الماضي.

هذا يدعم الفرضية القائلة بأن الرياض تعمّدت فرض تحركها في اليمن على الإدارة الأمريكية كأمر واقع لا رجعة عنه، مع إدراكها مسبقًا انعدام الحماسة الأمريكية لهذا العمل العسكري. ولو أن وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان انتظر موافقة أمريكا على إطلاق العملية لما كتب لها أن تكون، ولكنّا إلى اليوم نتساءل عمّا إذا كان الخليجيون سيتحركون فعلا لوقف انهيار الدولة اليمنية أمام المدّ الحوثي.

من الواضح أن واشنطن لم تكن راضية عن اتخاذ حليفتها الخليجية قرار الحرب على الحوثيين بمعزل عنها، فهذا يُعتبر سابقة لم يعهدها التنسيق الأمريكي السعودي الوثيق في نزاعات عديدة عرفها منطقة الشرق الأوسط من قبل. والضغط الأمريكي الذي يمارس اليوم على المملكة في المحافل الدولية ينبع من حالة عدم الرضى بقدر ما يُمثّل رغبة بإنهاء الحرب. منطقيًا، لا يمكن للأمريكيين أن يكونوا أكثر حرصًا من السعوديين على إعادة السلام والاستقرار إلى جارتهم الجنوبية، فالتكلفة الباهظة التي يدفعها الخليجيون أرواحًا وأموالًا لوقف الحرب لا يدفع الأمريكيون منها شيئًا.

عن الكاتب

محمود علوش

صحفي لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس