بينار تريمبلي - موقع المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

من بين أفضل الحلوى الأناضولية والأكثر شهرة عالميا راحة الحلقوم التي تعرف في التركية باسم "لوقوم" (Lokum). وعلى الرغم من أن هناك أساطير كثيرة حول بداية ظهور راحة الحلقوم، فإن معظم المؤرخين يتفقون على أنها نشأت في القصر العثماني. وتقول بعض الأساطير إن هذه الحلوى اخترعت لتساعد من لديهم شره للطعام من سكان القصر على الهضم، بينما تقول أساطير أخرى إن السلطان طلب صناعة لون من الحلوى للحفاظ على الوئام بين الحريم من زوجاته. ويوضح مؤلف كتاب " تاريخ الحلوى التركية" أن  حلوى راحة الحلقوم ،كما نعرفها اليوم، لم تكن موجودة في القرن السابع عشر. و يعني اسمها الأصلي " راحات الحلقوم"  إنعاش الحلق، وكانت تستخدم عجينة للحلوى. وفي وقت لاحق تحول اسمها إلى راحات لوكوم، وأخيرا  لوقوم فقط.

تساءل الغربيون لعدة قرون عن الوصفة السرية لهذه الحلوى.  تتكون الحلوى من عدد قليل من المكونات الرئيسة: النشا والسكر والماء وعصير الليمون. وعندما بدأ إنتاج السكر حل محل العسل أو عصير العنب. وفي العصر الحديث يستخدم مزيج بسيط من النكهات من عصير الفاكهة أو من التوابل، كما يمكن أن تكون المكونات أكثر لتشمل المكسرات، والزعفران، والقشدة، المخثرة ، والنوجه الخالية من اللبن، وأوراق التويجية (زهور البتلة)  والأرز المنتفخ (الحواشي) . ولهذا فبالإمكان صنع مئات الأنواع المختلفة من راحة الحلقوم لتلبي مختلف الأذواق،وتتماشى مع القيود الغذائية والميزانيات.

وقد انتقلت حلوى راحة الحلقوم إلى جميع أنحاء العالم في حقائب التجار. وبحلول عام 1861 يمكننا أن نرى في أرشيف المجلات أن راحة الحلقوم وجدت طريقها إلى جميع الثقافات الأوروبية، ففي بريطانيا على سبيل المثال كان يطلق عليها " قطع البهجة " في القرن التاسع عشر. في البلقان والشرق الأوسط أطلق على هذه الحلوى " لوقوم"، ثم صارت تعرف بالبهجة التركية في باقي العالم.

وحتى يومنا هذا لم تتمكن الشركات الأوروبية من الحصول على موافقة خبراء الحلوى الأتراك لتصنيع راحة الحلقوم. وعلى الرغم من أن هذه الحلوى يمكن تصنيعها بمكونات مختلفة رخيصة وبسيطة، فإن طريقة طريقة تصنيعها شاقة وتتطلب سنوات من الخبرة. ويقول الخبراء في راحة الحلقوم إن سر تصنيعها هو مزج مكوناتها بنفس السرعة وبصبر، لأن مزجها ببطئ شديد أو بسرعة كبيرة سيجعل المزيج يتبلور، ويصبح غير صالح للأكل. إن إتقان صناعة راحة الحلقوم في عصر التكنولوجيا أسهل مما عاناه الصانعون في القرن الثامن عشر. وعلى أي حال فمن الضروري أن تصنع الشرائح (طول كل واحدة منها 15 بوصة) على رخام بارد، وسطح منضدة صلبة لإضافة الطبقة الخارجية المناسبة، وبعد ذلك تكون الحلوى جاهزة للنقل إلى جميع أنحاء العالم.تُقطع شرائح روح الحلقوم بسكين حاد على سطح منضدة صلبة باردة ، وتستهلك في غضون أسبوعين أو ثلاثة. وإن لم تحفظ  حلاوة الحلقوم التي تحتوي على المكسرات بطريقة صحيحة فإنها تفسد وتتعفن.

كيف بمكن للمرء أن يميز النوعية الجيدة من قطع راحة الحلقوم؟ يقول الخبراء إنه عند لمس قاعدة قطعة الحلوى لا ينبغي أن تترك أثرا، ورائحة قطعة الحلوى يجب أن توضح نوع النكهة المستخدمة في صناعتها. وبالإضافة إلى ذلك فإن تناول قضمة من الحلوى تدفع المرء إلى تناول المزيد، كما في رائعة كليف يتابيلس لويس للأطفال "الأسد والساحرة وخزانة الثياب" أو في فيلم "سجلات نارينا" حين يبيع الشاب أدموند روحه للملكة البيضاء مقابل قضمة أو قضمتين من روح الحلقوم.

تعرف معظم الأمريكيين على راحة الحلقوم من خلال هذا الكتاب الكلاسيكي، ما جعلهم يتساءلون عن طعم هذه الحلوى الغامضة. والمستهلكون الأمريكيون الذين يبحثون عن روح الحلقوم في المتاجر المحلية ليتذوقوها، ينتهي بهم الأمر إلى شراء علبة منه مجهولة، وغالبا ما تكون الحلوى المعروضة ذات طعم مر. على مدى عقود كانت الطريقة الوحيدة لتذوق نوعية جيدة من روح الحلقوم هو إحضارها من تركيا. وخلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2015 حطمت مبيعات روح الحلقوم في مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول الرقم القياسي ووصلت إلى 990 طنا.

وفي الآونة الأخيرة بدأت الشركات التي تبيع روح الحلقوم في بيع منتجاتها في الولايات المتحدة.بدأت شركة هاجي بكير التي تأسست في عام 1977 وتعرف بمنتجاتها التي لا تشوبها شائبة، ولاسيما روح الحلقوم المحمص، في تلقي الطلبات عبر الإنترنت، كما أن متجر جول أوغلو الشهير للبقلاوة في غازي عنتاب لديه فروع  في نيويورك ولوس أنجلوس.

وفي هذا العام افتتح متجر "لوكهوم"  في سان دييجو وجاردن جروف في كاليفورنيا، وتدفقت عليه موجات من محبي الحلوى. ويبيع المتجر حلوى روح الحلقوم فقط. وقال مالك المتجر، تركاي هوت، للمونيتور إن متجر "لوكهوم" لديه زبائن في هيوست وشيكاغو، والعمل يسير لافتتاح فروع جديدة في سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس.

وفي يوم الجمعة الماضي زار محرر المونيتور متجر لوكهوم في سان دييجو بالقرب من ديزني لاند، ووجدت تركاي هوت ومساعده الذي يتحدث العربية يقطعان شرائح أنواع مختلفة من روح الحلقوم. وقد شجعت الصواني الصغيرة وأعواد الاسنان الخشبية الزبائن على تجربة مجموعة متنوعة من روح الحلقوم. وقال تركاي هوت "بدأنا ب65 نكهة مختلفة من روح الحلقوم، ونقدم 49 نوعا. نحاول أن نشرح لعملائنا كل شيء عن روح الحلقوم، كما نشرح لهم الكيفية التي يمكننا أن نطور بها أذواقهم وأولوياتهم".

لدى تركاي هوت شرائح روح الحلقوم تشحن من تركيا أسبوعيا، ويحكم على جودتها عدد من الزبائن في صباح يوم الجمعة, ومن الواضح أن الحلوى ذائعة الصيت ومبيعاتها جيدة. وقال تركاي "إن رحلات الخطوط الجوية التركية من لوس أنجلوس إلى إسطنبول بدأت تقدم روح الحلقوم للركاب، مما ساعد على زيادة مبيعات الشركة".

جميع علب حلوى روح الحلقوم تصنع بناء على طلب الزبائن، بحيث يمكن للزبائن اختيار أصناف روح الحلقوم التي يرغبون فيها. ويقول تركاي إن "روح الحلقوم تقدم بديلا صحيا للأكلات المضرة صحيا. إذا كان لديك حساسية من المكسرات، فلدينا روح الحلقوم بدون المكسرات. معظم منتجاتنا لا تشتمل على أي ملونات، وجميع منتجاتنا خالية من الألبان، حتى تلك التي تحتوى على نوغا".

معظم أصناف روح الحلقوم تحتوي على سكر أقل بكثير من الحلويات الأخرى. وقال أحد الزبائن للمونيتور "اشتريت روح الحلقوم من هنا للمرة الأولى في شهر يونيو الماضي لأفاجئ ابنتي البالغة 8 أعوام. والآن أعود كل أسبوع لشرائه، لأن ابنتي صارت تأكل الجوز واللوز والبندق والفستق دون ضجة. نحن الآن نشتريها هدايا للأصدقاء والعائلة أيضا".

تسمح محلات روح الحلقوم للزبائن الذين لا يعرفونها بالتعرف عليها وتذوقها، بينما يستعيد عشاق روح الحلقوم ذكرياتهم الجميلة عن تلك الحلوى. يصغي تركاي هوت صاحب المتجر بعناية إلى تعليقات زبائنه وطلباتهم. على أن أكثر الزبائن تشككا يعود إلى متجر لوكهوم بعد أن يكون قد جرب الحلوى التي تبيعها المتاجر الأخرى.

عن الكاتب

بينار تريمبلي

باحثة في العلوم السياسية بجامعة ولاية كاليفورنيا للعلوم التطبيقية