محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

ما زالت أصداء انعقاد القمة الإسلامية الأمريكية وتوقعاتها وتأثيرها المباشر وغير المباشر تثير الكثير من الجدل والتفسيرات في شتى الاتجاهات والجوانب. فبينما يركز البعض أو الكثير من المحللين على أن تلك القمة التي خططت لها السعودية هي موجهة بصورة مباشرة للتصدي للهيمنة الإيرانية للمنطقة، وهذا هو ما تتناقله الصحف العربية وكذلك تعليقات المحللين العرب وربما بعض من الدول الإسلامية، على خلاف ما ذهبت إليه أغلب آراء المحللين السياسين الغربين ومحللي باقي دول العالم الذين رأوا أن تلك القمة ستتحول تدريجيا إلى جبهة تصدٍّ عالمية ضد الإرهاب، مع التأكيد بأن الدول العربية وأمريكا وربما بعض الدول الغربية قد اتهموا إيران علنا بأنها هي مصدر تمويل الإرهاب الرئيسي في العالم.

لم تأتِ المبادرة السعودية بالتأكيد من فراغ ورغبة في السيطرة على العالم الإسلامي، ولم تكن الاختلافات المذهبية والايديولوجية هي السبب الرئيسي في الدعوة إلى القمة وحشد العالم الإسلامي مع الولايات المتحدة الأمريكية في حلف واحد، لكن الدافع الذي غاب عن الكثير من المحللين أن السعودية لا يغيب عن بالها أن إيران كانت دائما سباقة منذ عشرات السنين وربما مئات السنين إلى إجراء تحالفات مع الدول الغربية التي كانت لها نفوذ متميز في تلك الفترات ضد الدول الإسلامية وبالذات ضد الدولة العثمانية وولاياتها في المنطقة العربية وكانت تلك التحالفات تخدم الطرفين الإيراني والغربي، فالغرب كان دوما طامعا في الوصول إلى المياه العربية والسيطرة عليها في سبيل السيطرة على طريق التجارة العالمي باعتبار أن النقل البحري كان وما زال هو الأنسب في تأمين نقل الصادرات والواردات، إضافة إلى أطماعها التوسعية والاستعمارية في السيطرة على موارد تلك البلدان من المواد الخام وغيرها من المواد والتي هي أساس الحركة التجارية ودعم موارد الدولة حتى قبل اكتشاف النفط والغاز.

أما إيران فمنذ تلك الفترة وخصوصا بعد انتشار المذهب الشيعي كانت تحاول من خلال تحالفاتها إضعاف قدرات الدول العربية والإسلامية وجعلها تحت الوصاية الغربية المتحالفة معها والتي بإمكانها تمرير المذهب الشيعي ونشره في هذه البلدان بالتواطؤ مع المستعمر، وبتعبير أدق إن المصلحة الايرانية كانت دوما ملتقية مع المصلحة الغربية في إيذاء الشعوب الإسلامية بالسيطرة تارة وإضعاف قدراتها وكذلك في التصدي لإحدى أهم مقوماتها، وهي رابطة الدين الحنيف وتوحدها في فكرها ومذهبها.

لم تكن الفترة التي تلت سقوط نظام الشاه فترة استراحة الطامع بل كانت من أكثر الفترات التي عمدت الإدارة الحاكمة بوصول الخميني إلى سدة الحكم وقيام النظام الديني المذهبي إلى جعلها فترة ذهبية للنفوذ الإيراني في العالم الإسلامي والمحيط العربي على وجه التحديد من خلال الكثير من المميزات التي افتقدتها هذه الدول، والتي كانت بمثابة السيل العارم الذي غطى أوساط شعوب هذه الدول، ولم تكن الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الخليج الأولى إلا فترة انتكاسة لمخططاتها استمرت لمدة ثماني سنوات، وقد استعادت إيران من جديد تمرير مخططاتها بعد حرب الخليج الثانية. امتلك النظام الإيراني عدة مميزات، وأهمها امتلاكه منذ اليوم الأول قيادة روحية دينية تسير كل سياسات الدولة وتوظف إمكاناتها في دعم توجهاتها إضافة إلى امتلاكها ايديولوجية موحدة في نشر المذهب الشيعي برؤية استراتيجية، وهاتان الخاصيتان قد أحيطتا بسلسلة من الامتيازات التي تدعمهما، والتي من شأنها إيصال تلك الايديولوجيات إلى غايتها وأهدافها المرسومة، ومن أهم تلك الامتيازات تأمين الطاقات اللازمة وتأمين توجهاتها وإيصال المعلومات بين القيادة والقاعدة بصورة مباشرة واستغلال الغطاء الديني ومده بالمورد المالي الضخم والتوظيف السياسي لتلك التوجهات، إضافة إلى استمرار مد هذا الفكر بالطاقات الشعبية المتلاحقة من خلال التدريب المستمر وأخيرا التحرك المباشر والمستمر في أي بقعة تتواجد فيها هذه الكوادر.

هذه الأمور التي تتميز بها جمهورية إيران تفتقر لها كل الدول الإسلامية والعربية حكومات ومنظمات وحتى أحزاب، وبدلا من ذلك فهي منشغلة فقط بمشاهدة الآثار السلبية الإيرانية على كيان هذه الدول دون الخوض في إيجاد جدار صد ضد هذه المخططات.

أدركت السعودية أن الدول الغربية لم تهمها ما تصل إليه الأوضاع في البلدان العربية والإسلامية من مآسٍ حقيقية وربما من انهيارات جديدة للأنظمة، وأدركت أيضا أن الاتفاق النووي الفجائي مع إيران في عهد أوباما وحرص أوباما وتحريضه على توقيع الاتفاقية مع إيران بالسرعة الممكنة يخفي الكثير من التنازلات والامتيازات التي تعهدت بها إيران لأمريكا وللدول الغربية، وإن ترشيح وصول الديمقراطيين من جديد إلى البيت الأبيض بزعامة كلينتون سيمهد الطريق حتما إلى تنفيذ تلك الاتفاقات الإيرانية الأمريكية والغربية وربما الأمريكية الإيرانية السرية والتي من شأنها أن تلقي بالضرر المميت على الدول العربية والإسلامية، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، أو ربما كانت المرحلة الماضية من تاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية قد أصابها التلف وزالت صلاحياتها إلى غير رجعة.

لذا تحركت السعودية بكل حكمة وبكل ثقلها وبإصرار وثقة بالنفس دون أن تنسى أن الدول تتحرك وفق مصالحها الحيوية وأن المصلحة الأمريكية كانت واضحة وشفافة، فهي تبحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها وكذلك ترغب بتوفير المزيد من فرص العمل لمواطنيها، إضافة إلى دعم استثماراتها، والأهم من كل ذلك هي ترغب في استمرار علاقاتها مع دولة لها شأن ونفوذ ومصداقية في التعامل والاستمرار في تعهداتها، وإن السعودية هي بلا شك من أوائل هذه الدول التي ترغب أمريكا في أن تستمر علاقاتها معها بعدما عكر صفو هذه العلاقات الرئيس الأمريكي أوباما.

سبقت العلاقة الاستراتيجية السعودية الجديدة مع أمريكا تحالفها مع تركيا بعلاقة استراتيجية تتيح لها التحرك الواسع وتدعم توجهاتها، بل تكون أولى محطات العلاقة الاستراتيجية مع العضو الفعال والقوي في حلف الناتو الغربي برئاسة أمريكا، والمصداقية التي توصف بها العلاقات التركية مع سائر الأقطار الإسلامية والعربية ومواقفها المبدئي من القضية السورية جوهر القضية العربية في الوقت الحالي، والنظرة الأمريكية المتطابقة مع الأتراك في حلحلة المسألة السورية وتوجهاتها في إبعاد الدور الإيراني من القضية السورية، وكذلك من المخططات الإيرانية في الأقطار الخليجية والعربية وتلاقي تلك التوجهات بين أمريكا وتركيا والسعودية ومعظم دول الخليج وباقي الدول العربية كانت بمثابة أولى درجات السلم الواصل إلى تحقيق الرؤية السعودية والنظرة الجديدة لها في معالجة وتحقيق أهدافها، ولا ننسى أن ما تلى تلك العلاقة هو قيام حلف عسكري بين الأقطار الإسلامية، والتي كانت هي ثمرة التحركات السعودية للخروج من الأفق القومي المحدد في العالم العربي نحو العالم الإسلامي الأوسع استراتيجيا.

ومن هنا يتبين أن السعودية قد عملت ما في وسعها من إنجاح مفاوضاتها مع الأمريكان في ضمان إنشاء هذا الحلف، والذي من شأنه أن يعيد إلى المنطقة استقرارها، وخصوصا أن الحلف قد أقر بأن إيران هي السبب الرئيسي في عدم استقرار المنطقة وأنها تمد الجماعات الإرهابية بالدعم والسلاح، وعلى إثر ذلك أقر بإنشاء قوة عسكرية قوامها أكثر من ثلاثين ألفًا من المقاتلين ربما تكون نواة لقوة عسكرية كبيرة ضاربة تتصدى لكل أشكال الإرهاب العالمي والهيمنة الإيرانية.

إن الحلف الذي استطاعت السعودية إنشاءه لا بد أن تعقبه الكثير من التفاهمات الدولية، لأن مسألة محاربة الإرهاب هي شأن عالمي وليس شأنا خاصا بالإسلام، رغم أن المتحدي والخاسر الأكبر من الإرهاب هم الشعوب الإسلامية قتلا واتهاما.

تبقى هناك مسألة مهمة وهي أن الصمت الغربي الأوروبي وغير الطبيعي لهذا التحالف قد يطرح تساؤلات عدة في ما يخص الشأن الإيراني والمعاداة الصريحة لإيران، فقبل أيام رحب أحد القادة الأمريكيين بانتخاب روحاني رئيسا للمرة الثانية في الانتخابات الإيرانية، وصرح بأن إعادة انتخابه ستشكل دعما قويا لتنفيذ الاتفاقية حول المفاعلات النووية الإيرانية، وتدرك إيران بهذا الصدد أن الحلفاء الغربيين لأمريكا والذين رضخوا للإملاءات الأمريكية في توقيع الاتفاقية لا يتراجعون بسهولة عن تكييف العلاقات وربما إلى تطبيع العلاقات معها، ولأن هوليوود التي تتخلى بسهولة عن أبطالها ونجوم شباك صالات العرض السينمائية فإن مهرجانات كان وغيرها من المهرجانات الأوروبية تبقى وفية لفترة طويلة لنجومها، وهذا بالطبع ينعكس على سياسييها أيضا فالإنكليز والفرنسيون لا يقبلون أو لا يستسيغون تحولا فجائيا في علاقاتها، بل تحاول أن تدعم مواقفها حتى يكون لها نصيب من (حمص المولد)، وهذا موقف باقي دول أوروبا وخصوصا أن الجمهوريين الأمريكان يحاولون مخالفة مواقفهم باستمرار.

باختصار إن التحالف الإسلامي مع أمريكا والتحضيرات الهائلة التي أجريت له والدقة في تنفيذه وتوقيعه، والكلمة الارتجالية المميزة للرئيس الأمريكي تعطي إشارة واضحة وصريحة بأن المنطقة برمتها تشهد تحولا جذريا قد تعيد المنطقة إلى سيرتها الأولى وتنهي حالة الكراهية ضد الدول الإسلامية مع دخولها في استقرار يدوم كما هو مخطط له.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس