أسامة حساني - خاص ترك برس

"الإمبراطورية العثمانية أشبه ما تكون بمارد يقبض بأذرعه الجبارة على ثلاث قارات في آن واحد، ولو أنّها سقطت في وقت من الأوقات - كأي إمبراطورية أخرى - فإنّ أنقاضها سوف تغطي قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا. وحتى في الوقت الحاضر (1835م) فإن الامبراطورية العثمانية تحكم أقطاراً تفوق سعتها ماكانت تحكمه الإمبراطورية البيزنطية في أوج عظمتها".

هذا ما استهل به المؤرخ النمساوي البارون فون هامر مؤلف أشهر كتب التاريخ العثماني حتى يومنا هذا في مقدمة الأجزاء التسعة عشر لكتابه الذي نشر في عام 1835م.

كانت الدولة العثمانية الوحيدة التي نجحت في جمع شتات الشرق الأوسط تحت راية واحدة "راية الدولة العثمانية" لأطول حقبة في التاريخ الإسلامي لم نشهد لها مثيلاً من قبل، وقد حافظت عليه من الغزو الاستعماري لأكثر من ثلاث قرون.

ذلك التاريخ الحافل كان ولا يزال يشكل أحد أهم التشكيلات السياسية للأمس الذي يزخم بإنجازات عجزت عنها غيرها من الإمبراطوريات والدول إلا أنه تعرض للتضليل والتزييف من قبل الأقلام الحاقدة على الإمبراطورية العثمانية لذا نجد أن المعروف عنها هو أقل بكثير من المعروف عن الإمبراطوريات المناظرة لها كالرومانية والبيزنطية وغيرها.

إن أحداث التاريخ تتكرر وتتشابه إلى حد كبير لأن وراءها سننًا ثابتة تحركها وتكيِّفها، ولهذا يقول الغربيون: "التاريخ يعيد نفسه"، وتقول العرب في أمثالها: "ما أشبه اليوم بالبارحة".

لقد ذاق الغرب مرارة هزائمهم، وكان تحطم حضاراتهم بجيوش الإمبراطورية العثمانية الإسلامية كفيلاً بأن يزرع رعبا في قلوبهم لا ينسى، فعلموا أن أمة تتغذى من مجد تاريخها وعظمتها لا يمكن أن تقهر إلا بتزييف صورتها شيئاً فشيئاً حتى يحرفوا نظر شبابها عن أي عز كان يملكه وأي مجد كان يعتليه، فلا يهتدي ذاك الدرب الذي سار عليه عظماء هذه الأمة جاهدين ليبنوا حضارات أحنت جباه الغرب فلا يزال يسعى إلى تشويه سمعة الحضارة الإسلامية بدعايات منظمة متواصلة واسعة كان أبرز أعلامها طائفة من المستشرقين حيث سعى هؤلاء إلى تشويه التاريخ الإسلامي عامة والدور الإسلامي للدولة العثمانية خاصة.

لم تقف محاولات التضليل التي تعرض لها تاريخ الدولة العثمانية على المؤرخين الأوروبيين فحسب بل انجرف إلى أغلب المؤرخين العرب وكذلك المؤرخون الأتراك أنفسهم الذين سعوا لإدانة فترة الخلافة العثمانية كسبيل لدعم التحول القومي العلماني بعد الحرب العالمية الأولى.

فكان لا بد من إحياء تاريخ عظيم غُيّبت صورته الحقيقية عن معظم أحفاد من عاصروا مجده وعظمته، إن التاريخ ليس سرداً و تسجيلًا للقصص والأحداث فحسب بل  هو مدرسة للاعتبار ولتعليم الأمة من تاريخها ما يعينها على بناء الحاضر والمستقبل المشرق.

سيتعذر علينا فهم ماهية الجمهورية التركية الحالية دون معرفة التاريخ العثماني بالإضافة إلى أنه لا يمكن فهم مجرى التاريخ العالمي دون النظر إلى التاريخ العثماني لما له من أثر بارز على مجرى التاريخ.

ويسعنا القول دون مغالاة أنه يتعذر علينا أيضاً أن نعرف كيفية ظهور وتشكيل الدول العربية الحالية دون معرفة التاريخ الصحيح للدولة العثمانية، ذلك أن الأمة العربية قد عاشت في ظل الدولة العثمانية عدة قرون فعندما يطلع القارئ العربي على التاريخ العثماني فإنه يكون بذلك قد اطلع على تاريخ حضارته لفترة أربعة قرون.

وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أنه ينبغي على الأقطار العربية أن تهتم أكثر من غيرها – بعد الجمهورية التركية – بدراسة التاريخ العثماني، الذي لم يستهدف يوماً إنكار كيان أية قومية مهما صغرت كما يزعم البعض ولم يعمل أو يفكر في محوها بل كان حريصاً على أن يجعل من هذه القوميات تحت مظلته قوى فاعلة ومشاركة في صنع السياسة والمدنية، لكن التاريخ العثماني الذي تعرفه الشعوب العربية قد حررته أقلام أجنبية حاقدة، ومن ثم فإن هذا التاريخ يأتي مزيفاً يجرد التاريخ العثماني من كثير من عناصر العظمة والتميز، ذلك يستوجب علينا تنبيه المسلم العربي المثقف إلى أن يعيد النظر فيما قرأه عن التاريخ العثماني ببصيرة يقظة وفكر ناقد.

من رسالة محمد الفاتح إلى اخيه الأشرف إينال والي مصر:

"فمتى طلع الصباح الصادق من يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى هَجَمْنَا مثل النجوم رجومًا لجنود الشياطين، سخَّرَهَا الحكمُ الصدِّيقيُّ ببركة العَدْل الفاروقيِّ بالضرب الحيدري لآل عثمان، وقد مَنَّ الله بالفتح قبل أن تظهر الشمس من مشرقها..."

عن الكاتب

أسامة حساني

محرر في وسائل التواصل الإجتماعي في ترك برس


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس