د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

أردوغان ليس معصوما عن الخطأ ولا هو أكبر من أن ينتقد، غير أن من يهاجمونه غربا وشرقا لا يهاجمونه إلا لنجاحاته وإيجابياته. فمن الصفاقة بمكان أن يتحدث قادة الغرب عن تجاوزات تركيا أردوغان فيما يتعلق بحريات الإعلام ثم يستقبلون بطل مجازر رابعة والنهضة وقمع الحريات بالترحاب والمديح فيما يصل التعذيب موتا في سجونه إلى باحث إيطالي والسجن تعسفا لسنوات لرئيس منتخب.

تركيا أصبحت قوة إقليمية ترنو وتتقدم بثبات نحو العالمية، تعزز مكانتها بنهضة علمية ومكانة اقتصادية وارتقاء بمواطنيها مكانة ودورا وخدمات ومستوى من الحياة يرقي ويترقى. قوة تركيا هي قوة للدول العربية والإسلامية والتي تعيش مع شديد الأسف ومنذ عقود على هامش الحياة لتكون هي ومستقبلها وثرواتها على موائد الدول الكبرى والقوى العالمية كمادة لتقاسم النفوذ ورسم خرائطه. وقفت أنقرة مع سوريا وشعبها وقدمت إنسانيا ما لم يقدمه العالم بأسره، ووقفت مع الخيار المصري الديمقراطي حين غدر به حكومات عربية قمعية وطعنته في الظهر قوى غربية تتبجح بحقوق الإنسان وحرياته. وكانت أنقرة السباقة دوليا وإسلاميا بتبني قضية الروهينجا وكان صوتها وما يزال الأعلى في الدفاع عن القدس والأقصى وعن حقوق الفلسطينيين وعلى الأخص المحاصرين منهم في القطاع.

المميز في تركيا أنها لا تتعالى على أشقائها ولا تمنن ولا تزاود عليهم بالدعم والمساندة والمؤازرة وهي معهم حينما تقتضى الحاجة من خلال سياق لا يغفل موازيين القوى والمصائد والأفخاخ الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من مواقف إعلامية وسياسية لم تكن تعكس توافقا وتناغما في قضايا كثيرة، كانت أنقرة الصوت الأعلى بل ربما الأوحد بوقوفها مع الرياض حينما أستهدفت بقانون جاستا الظالم وكانت معها بحزم حين أعلنت عاصفة الحزم والتي ما لبثت أن تخبطت وتعثرت وتلعثمت.

وحين أندلعت كارثة الخامس من حزيران الثانية والتي انتكبت بها الأمة العربية لتزيد من نزف جراحها وتمزق أشلائها، وقفت أنقرة موقف الناصح الأمين والمتألم على حال الأمة والمحذر من عواقب خطيرة مناشدة في الملك سلمان الحكمة والدور القيادي المنشود لحلها وحلحلتها. ومع إعلان ترامب الوقح والصفيق والمخالف للقوانين الدولية، اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة للصهاينة جسدت تركيا ضمير الأمة وصوتها وألمها برفض صريح وموقف واضح بيّن، يرفض الخطوة الحمقاء والتي تجاوزت على أمة الإسلام واعتدت على مقدساتها وكرامتها.

غير أن هناك ممن يحسبون على العرب المسلمين وقف مهاجما أردوغان وأطلق أدواته الإعلامية بل وحنى ذئابه لتنهش من تركيا وقائدها وتشكك في مواقفها. فكان التمثيل الباهت في قمة الأقصى والاستخفاف بالجهد التركي والتشكيك به ونبش الماضي لإستخراج مواقف قديمة لإردوغان في ظلال موازيين قوى سابقة يدركها العوام قبل المثقفين، وكأن التغير للأحسن مرفوض أو كأن المطلوب من الأمة أن تتبقى متعثرة متخلفة متهاونة متهاوية.

الهجوم على تركيا توازى لأصحابها مع أصوات نشاز تنال من الفلسطينين وتطعن بهم وتمتدح الصهاينة وتشيد بهم بل وتشهد لهم زورا وبهتانا بأحقيتهم الدينية في القدس. تكلموا عن الجهد التركي الدبلوماسي باستخفاف وكأن جيوشهم والتي لم تتحرك يوم لنصرة قضية مقدسة على أبواب المسجد الأقصى. وصل التطاول لوزير خارجية دولة عرفت بالكيد والتآمر على شعوب المنطقة وعلى كل فكر إسلامي أصيل ورشيد فعمد الرجل لإعادة تغريدة لإحد المجاهيل من الأدوات الأمنية يهاجم والي المدينة المنورة العثماني زورا وبهتانا ثم بنسب سلوكه لأردوغان. فخالف الوزير الجاهل الأعراف الدبلوماسية والمنطق والأدب، ففي نفس المنطق والذي يحمل أردوغان وزر ما فعله حاكم عثماني، سيتحمل هذا المتعجرف وزر ما فعله أبو جهل وأبو لهب.

من يهاجم تركيا وأردوغان هم من تتحدث التصريحات والتلميحات الإسرائيلية والأمريكية الإعلامية والسياسية بأنهم مشاركون في صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية وهم من شجع ترامب على جريمته وحرضه على جريرته وهم من يتباهى بدعمهم والتحالف معهم نتنياهو. الحملات الإعلامية على أردوغان ليست مصادفة بل هي ضمن سياق معين وإيقاع منتظم يريد أن يحطم في الأمة قيم الكرامة والسيادة والتحرر لتصبح أمة من الخدم والجوييم والأتباع والأذناب. الحملات الإعلامية تخرج من دول تحكم بالسجن الطويل على من يغرد متعاطفا مع قطر أو من ينتقد نظاما صديقا فيما تلقى الإساءات والبذاءات بحق زعيم إسلامي  في وزن أردوغان الترحيب وإعادة التغريد. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس