محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

يبدو أن الهدف الإنساني من وراء عمليات الجيش التركي في عفرين تكمن في عودة أكثر من ربع مليون نازح إلى ديارهم بعد تأمين منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومترا والقضاء على بؤر المنظمات الإرهابية في المنطقة وتسليم مسؤولية حماية وإدارة تلك المنطقة إلى سكانهاالأصليين.

إن مدينة عفرين واحدة من مدن محافظة حلب، وتقع في الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية، يحدها من الغرب سهل العمق في لواء إسكندرون والنهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود، من الشمال خط سكة القطار المار من ميدان "إكبس" حتى "كلس"، من الشرق سهل اعزاز ومن الجنوب منطقة جبل سمعان.

منطقة عفرين منطقة جبلية معدل الارتفاع 700 - 1269م، أعلى قمة فيها الجبل الكبير (كريه مازن Girê Mazin) الذي يعد جزءًا من سلسة جبال طوروس في سوريا، يبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 55 كم وطولها من الشمال إلى الجنوب 75 كم، وهكذا تساوي مساحتها حوالي 3850 كم2 أي ما يعادل 2% من مساحة سوريا تقريبآ.

إدارياً تتبع منطقة عفرين محافظة حلب، ومركزها مدينة عفرين التي تبعد عن حلب 63 كم، عدد السكان قرابة 50 ألف نسمة، تتألف بالإضافة إلى مدينة عفرين من سبع نواح هي: شران، وشيخ الحديد، وجنديرس، وراجو، وبلبل، والمركز ومعبطلي.

و366 قرية ومنها: أبين، وبابليت، وباعي، وباصلحايا، وباصوفان، وباسوطة، وبراد، والبصلية، وبتيتة، وبرج عبد الله، وبرج حيدر، وعين دارة، وأناب، وإسكان، وغزاوية، والهوى، وجلبل، وكباشين، وكفير، وكفر بطرة، وكفر زيد، وكفرشيل، وكوكبة، والخضراء، وخالدية، ومعراتة، ومريمين، والنيرة، وعقيبة، وشوارغة الأرز، وشوارغة الجوز، وشيخ الدير، وتل طويل، وتللف، والظريفة، وزهرة الحياة، والزيارة، والجميلة، والكبيرة، وتل غازي.

ويبلغ مجموع عدد سكان منطقة عفرين 523 ألفًا و258 نسمة حتى عام 2010. ظهر اسم تنظيم "ب ي د"، على الساحة التركية مؤخرا، الذي تأسس بتعليمات من زعيم تنظيم "بي كي كي" "عبد الله أوجلان"، الأخيرة على أنها "أعلى سلطة تشريعية" له.

وحسب تقرير "الأناضول" تطلق قيادة بي كي كي اسم "كا جا كا" على "الهيكل الذي يضم تحت مظلته تنظيمات "الأجزاء الأربعة" لـ "كردستان" المزعومة، حيث يمثل "بي كا كا" ذراع "كا جا كا" في تركيا، فيما يعد "ب ي د" امتدادها في سوريا، و "ب ج د ك" في العراق، و"بيجاك" في إيران.

ووفق مصادر أمنية تركية، فإن "أوجلان" أعطى عن طريق "محاميه" في 16 شباط/ فبراير 2002، تعليمات بتأسيس "ب ي د"، وفي هذا الإطار تقرر في مؤتمر بي كا كا المنعقد بين أيام 4 - 10 نيسان/ أبريل 2002 توسعة نشاط المنظمة في كل من سوريا، والعراق، وإيران، من خلال تلك المنظمات الجديدة، حيث يعد "ب ي د" الذي تأسس في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2003، وريثًا لأنشطتها في سوريا، حيث كانت تأوي عناصر المنظمة بقيادة أوجلان، بين 1979 و1998.

وبحسب المصادر فإن "ب ي د" حدد هيكليّته خلال المؤتمرات التي نظمها بين 2003 و2015، في المعسكرات الإرهابية التي تديرها وتشرف عليها بي كا كا، حيث تحول معسكر "أيهان" في جبال قنديل التابع لـ "بي كا كا" إلى مقر رئيسي لـ "ب ي د"، وفقاً للقرارات التي اتخذت خلال المؤتمرات. وعقب تدريبهم في قنديل، يتم إرسال عناصر ب ي د، إلى سوريا، إلا أن المعسكر المذكور لم يعد نشطًا الآن، بسبب نقل ب ي د مقره الفعلي إلى موقع قرب قرية "مالكية" التابعة لمدينة اعزاز، في ريف حلب شمالي سوريا، والتي سيطر عليها التنظيم في ديسمبر/ كانون أول 2015.

ولفتت المصادر إلى أن بي كا كا، عينت "فرهات آبي شاهين" المعروف باسم "شاهين سيلو كوباني- مظلوم" عضوًا للمجلس التنفيذي لـ "بي كا كا/ كا جا كا" كي يكون مسؤولاً عن أنشطة ب ي د، ما يؤكد إدارة الأخير، من قبل بي كا كا.

ونوهت المصادر إلى أن "شاهين" تولى لاحقاً قيادة "ي ب ك" الذراع المسلح لـ "ب ي د"، والذي التقى، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لمكافحة داعش "بريت ماكغورك" خلال زيارته لمدينة عين العرب "كوباني" في 31 كانون الثاني/ يناير 2016.

ووفقاً للمصادر، فإن بي كا كا هدفت في مؤتمراتها إلى تعزيز وجودها شمالي سوريا، ولهذه الغاية، حددت هدفها بإعلان نظام إدارة ذاتية في المنطقة المذكورة من خلال إقناع أو تهديد الجماعات الأخرى، والحصول على موقع قوي داخل الحكومة المركزية في دمشق في حال تأسيسها، وبذلك فإن مكاسبها الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي ستجنيها في سوريا، ستزيد من فعاليتها في الساحة العراقية، ومن حملاتها السياسية ضد تركيا.

وتشكّل "ي ب ك" الذراع المسلح لـ ب ي د" مع إرسال بي كا كا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 لكوادرها، من معسكراتها في العراق وعلى رأسها جبال قنديل، إلى سوريا، حيث ساهم دخول "ي ب ك" في اشتباكات مع جبهة النصرة وداعش الإرهابيتين شمالي سوريا في تمهيد الطريق لها من أجل تلقي دعم دول غربية وروسيا.

وبصيغة اخرى فإن معظم أعضاء وقيادات ومقاتلي ذلك التنظيم لم يكونوا من الأكراد السوريين, والأكراد السوريين سكان تلك المناطق هم أيضا مغلوب على أمرهم ومحاربين بشكل أساسي من تلك التنظيمات الارهابية شأنهم شأن باقي سكان تلك المناطق حيث قامت عصابات ب ي د باحتلال قرى وبلدات عربية في المنطقة وهجرت أهلها. إن تلك التنظيمات لا تختلف إطلاقا عن تنظيم داعش فكلاهما إرهابيان ومعظم مقاتليها من الأجانب غير المرتبطين بمناطقهم ومن الممكن جدا أن يشكلوا خطرا محدقا على كل المناطق المحاذية لها ومن ضمنها الأراضي التركية الجار الأقرب لمناطق تواجدهم.

ومن هنا لا بد أن نذكر مواقف بعض الدول التي لها اهتمام خاص بالشأن السوري كروسيا وإيران وأمريكا بالإضافة إلى سوريا نفسها والتي تخشى كثيرا من قيام تنظيم ب ي د بالتمدد باتجاه الغرب للوصول إلى البحر المتوسط والتي تشكل سابقة خطيرة تؤثر بشكل مباشر على وحدة الأراضي السورية.

فروسيا متفهمة إلى درجة كبيرة من العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي السورية بسبب خطورة عصابات ب ي د والتي لا تتوانى عن تنفيذ عمليات إرهابية تشكل خطرا على الأمن القومي التركي وبنفس الوقت فإنها تشعر بأن بقاء وامتداد مساحة وسيطرة التنظيم يشكل خطرا على وحدة الأراضي السورية.

أما إيران فموقفها يشبه إلى حد كبير الموقف الروسي إضافة إلى أنها تشعر إلى أن ذلك التنظيم في حال نجاحه بالسيطرة على المزيد من الأراضي وإقامة كيانات انفصالية في سوريا تقدم دعما معنويا لمنظمات انفصالية في إيران وخصوصا في ظل الاضطرابات التي تشهدها الآن.

أما أمريكا التي كانت داعمة رئيسية لتنظيم ب ي د الإرهابي منذ فترة وأمدته بالأسلحة بكل أنواعها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة لتجعل من تلك المنظمة سندا وحاضنا ومنفذا لمخططاتها في سوريا جنبا إلى جنب مع أهداف إيرانية وروسية واللتان تملكان وحدات عسكرية وفصائل تنفذ أهدافها.

ولكن من الممكن القول إن تقاطع المصالح والأهداف بين الدول الثلاثة (روسيا وإيران وأمريكا) هي التي أوصلت الأمور إلى هذا المنحدر الخطير في سوريا عموما، وهذه الدول ليس لها حدود أطلاقا مع سوريا، وفي الوقت نفسه أدى هذا التقاطع في المصالح إلى الوقوف بحيادية مع العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي السورية أو على الأقل بانتظار ما تتمخض عنه نتائج العمليات العسكرية التركية والتي تمتلك حدودا جغرافية مع سوريا بطول 800 كم، وتعاني ما تعانيه من عمليات إرهابية من تلك التنظيمات الإجرامية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس