سعيد الحاج - االمعهد المصري للدرسات

أعلنت رئاسة أركان القوات المسلحة التركية في الرابع والعشرين من شهر آذار/مارس الفائت عن إتمام سيطرتها مع مجموعات الجيش السوري الحر على مدينة عفرين، الأمر الذي عنى قرب النهاية الرسمية لعملية غصن الزيتون التي أطلقتها في كانون الثاني/يناير الفائت.

كان من المتوقع أن تسيطر القوات التركية على البلدات العربية المتبقية في ريف حلب وأهمها تل رفعت ومنغ، لكن ذلك لم يتم حتى نهاية أبريل 2018 حيث يبدو أن أنقرة لا تريد مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام الذي تتواجد قواته فيها. وتريد حل الأمر بالتفاهم مع موسكو، وهو الأمر الذي لم يتم بعد.

عملياً وميدانياً، يمكن القول إن عملية غصن الزيتون قد انتهت أو تكاد، محققة الجزء الأكبر من أهدافها المعلنة، في انتظار الإعلان الرسمي عن ذلك بعد السيطرة على القرى المتبقية أو بدونها، ولعل الإشارة الأهم على هذا الصعيد هو إعلان تبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.

تبحث هذه الورقة في أهمية هذه العملية على صعيد المقاربة التركية للقضية السورية ودور أنقرة فيها، وعلى صعيد السياسة الخارجية التركية على حد سواء. وترى أن العملية ثبتت دور أنقرة في سوريا وقوّته، وعمقت التفاهمات بين أنقرة وموسكو، وحسّنت أوراق تركيا في المحادثات مع الولايات المتحدة بخصوص منبج تحديداً، وأضفت حيوية وقدرة على السياسة الخارجية التركية في العموم.

أولاً: السياسة الخارجية مع العدالة والتنمية

ورث العدالة والتنمية في 2002 دولة منكفئة على نفسها، مبتعدة عن عمقها، متوترة مع مجالها الحيوي ودول جوارها، مفتقدة لأدوات التفاعل والتأثير فيها. سارت حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة على عدة أسس في السياسة الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالمنطقة، اتباعاً لتنظيرات مهندس السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، وأهمها:

1: العمق الاستراتيجي.

أدرك داود أوغلو أن تركيا قد أهملت محيطها على نحو واسع على مدى عشرات السنين، ورأى أنها لن تحقق المكانة التي ترجوها لنفسها على الساحة الدولية إلا بتحقيق مكانة وحضور ونفوذ في مجالها الحيوي، وفق ما أسماه نظرية “القوس والسهم” . وقد قسم الرجل المناطق الأهم بالنسبة لبلاده، وكانت الأولوية للمناطق البرية القريبة وهي مناطق الشرق الأوسط (المهمة للدراسة) والبلقان والقوقاز، ثم الأحواض البحرية القريبة أي البحر الأسود وشرق المتوسط والخليج وبحر قزوين، ثم المناطق القارية البعيدة أي أوروبا وشمال إفريقيا وجنوب آسيا ووسط وشرق آسيا .

2: القوة الناعمة:

اعتمدت تركيا القوة الناعمة، متمثلة في التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والفني، أداة رئيسة وشبه حصرية لسياستها الخارجية وتجاه الجوار تحديداً. وهو نهج متناغم مع إرث الجمهورية التركية من حيث تجنبها لاستخدام القوة الخشنة مع جوارها نظرياً وعملياً، ومتناسق مع الخصائص المشتركة بين تركيا ودول الجوار من النواحي الاقتصادية والثقافية والفكرية والتاريخية والجغرافية .

3: تصفير المشاكل:

نظَّر أوغلو بأن أي دولة على خصومة وتوتر مع محيطها ودول جوارها ستبقى مستنزفة وغير فاعلة. وقد أثمرت هذه السياسة نتائج إيجابية مع معظم دول الجوار لتركيا، من سوريا إلى العراق ومن اليونان لأرمينيا ومن إيران لجورجيا .

وهكذا، استطاعت أنقرة أن تمد يد التعاون والعلاقات الطيبة مع مختلف الأطراف، ما منح سياستها الخارجية طابعاً متعدد الأبعاد والمحاور ومنحها مرونة واضحة، وقد كان لافتاً كسبها ثقة محوري العالم العربي في تلك السنوات أي محوري الاعتدال والممانعة، حتى عام 2011. لكن ثورات العالم العربي، التي غيّرت وجه المنطقة، دفعت بتركيا إلى سياسة خارجية أكثر مبادرة ونشاطاً ودعماً للمطالب الشعبية في مختلف الدول العربية، فوجدت نفسها في قلب حالة الاستقطاب العربي، خصوصاً بعد الثورة السورية التي كانت وما زالت التحدي الأكبر لسياستها الخارجية.

بيد أن عام 2015 حمل متغيراً مهماً في السياسة الخارجية التركية مختصراً بشعار “تكثير عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم” الذي رفعته حكومة بن علي يلدرم . حيث عانت تركيا على المدى السنوات السابقة من تراجع قوى الثورات العربية، وفشل سياساتها في إحداث اختراق مهم في الأزمة السورية تحديداً، وعزلتها على الساحة الدولية، والضغوط الخارجية الممارسة عليها خاصة من حلفائها التقليديين في الغرب، والأجندة الداخلية المزدحمة من أحداث “جزي بارك” واتهامات الفساد في 20137 ، إلى الانتخابات البرلمانية في حزيران/يونيو 2015 والتي فقد فيها العدالة والتنمية لأول مرة أغلبيته البرلمانية، إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، فضلاً عن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015 وتقدم المشروع السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD ) على حدودها الجنوبية .

ثانياً: متغيرات السياسة التركية

حملت مراجعات السياسة الخارجية التركية في تلك السنة المتغيرات الرئيسة التالية:

1: إعادة صياغة منظومة التحالفات الإقليمية لتركيا، بعد الأزمات المتلاحقة مع الدول الغربية تحديداً وبعد فشل الرهان على مصر بعد الانقلاب. وبحثت أنقرة عن شراكات في الإقليم، فعمّقت علاقاتها مع قطر، وحاولت التعاون الوثيق مع المملكة العربية السعودية دون جدوى، ثم اتجهت مؤخراً للتعاون والتنسيق مع كل من روسيا وإيران في سوريا وبدرجة أقل العراق.

2: تدوير زوايا الخلاف مع مختلف الدول والقوى، فكان اتفاق تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال وعودة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة وتطبيع العلاقات مع روسيا بعد أزمة إسقاط المقاتلة، وغيرها.

3: اعتماد القوة الخشنة مع الناعمة، بعد أن كانت الأخيرة أداة شبه حصرية للسياسة الخارجية التركية لسنوات طويلة. ومن مظاهر ذلك القواعد العسكرية التركية خارج البلاد في كل من العراق وقطر والصومال، ورفع وتيرة التصنيع العسكري والصناعات الدفاعية، والعمليات العسكرية خارج الحدود مثل عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون .

ثالثاً: سوريا في السياسة الخارجية التركية

ثمة محددات عامة صاغت الموقف التركي من ثورات العالم العربي، في مقدمتها دعم مطالب الشعوب والتأكيد على أهمية الاستقرار ومنع التدخل الخارجي إضافة لمفهوم نشر الديمقراطية واستشراف إمكانية تأسيس نظام إقليمي جديد يكون لأنقرة فيه دور بارز ورائد. إلا أن الثورة السورية شكلت تحدياً كبيراً لتركيا بشكل مختلف عن سابقاتها، بسبب الحدود البينية، والمشتركات الدينية والتاريخية والإثنية والثقافية والاجتماعية، ودور سوريا كبوابة برية للتجارة والتواصل مع العالم العربي، فضلاً عن الأقلية التركمانية والملف الكردي في سوريا .

وقد صاغت أنقرة موقفها من مختلف الثورات العربية وفق محددات ثلاثة، هي الأحداث الميدانية في كل ثورة أو بلد، والمقاربة الدولية والإقليمية لها، والعلاقات مع تلك الدولة ونظامها ومنظومة المصالح التركية معه. وبالتوازي مع ذلك، فقد صاغت هذه العوامل الثلاثة الرئيسة، إضافة للعامل التركي الداخلي وعناصر القوة التركية، موقف أنقرة من الثورة السورية، وفق مراحل خمسة متتالية كما يلي:

الأولى: الضغط باتجاه الإصلاح السياسي

وهو موقف أنقرة منذ الأيام الأولى للأحداث، واستمر حتى سحب السفير التركي من سوريا في آذار/مارس 2012 تقريباً بسبب التعامل الأمني مع المظاهرات. وقد شملت هذه الفترة عدة اتصالات هاتفية من إردوغان للأسد وزيارات عديدة لوزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو فضلاً عن إرسال وفد يرأسه رئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان بناء على قرار من مجلس الأمن القومي التركي لعرض خارطة طريق للخروج من الأزمة . كما استضافت أنقرة خلالها مؤتمرين للمعارضة السورية السياسية، أولهما في نيسان/أبريل 2011 والثاني في حزيران/يونيو من العام نفسه، لكنها لم تتجاوز سقف دعم الإصلاحات الدستورية والدعوة إلى التغيير السلمي.

الثانية: المطالبة بإسقاط الأسد ودعم المعارضة

بعد أن ثبتت عدم جدية الأسد بالإصلاح، فضلاً عن فقد تركيا إمكانية الضغط على النظام بعد القطيعة الدبلوماسية الكاملة بينهما إثر سحب السفيرين، إضافة إلى عسكرة الثورة وتقدم فصائل المعارضة ميدانياً في مواجهة النظام. وقد امتدت هذه المرحلة على مدى ثلاث سنوات تقريباً أي حتى قبيل اتفاق فيينا بين كيري ولافروف.

وقد قدمت أنقرة خلال هذه الفترة دعماً متعدد الأبعاد للمعارضة والشعب السوريين، سياسياً وإعلامياً وإغاثياً ولوجستياً، وحتى عسكرياً حسب الكثير من المصادر رغم أنه ليس ثمة إقرار تركي علني وواضح بالأمر.

الثالثة: الرضى بالحل السياسي

حيث قبلت أنقرة لاحقاً بخطة الفترة الانتقالية التي أقرها اتفاق فيينا  بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بما في ذلك جدولها الزمني وسقفها المبدئي، بما يعني أنها تخلت عملياً عن شعار إسقاط الأسد ورضيت ضمنياً  ببقا

الرابعة: التحول لمربع الدفاع

ثمة عوامل عدة دفعت بأنقرة لتراجع في الملف السوري، لكن أهمها كان أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حيث فقدت أنقرة خلالها أي أمل في إحداث إنجاز أو اختراق معتبر في المشهد السوري على صعيد إسقاط النظام أو ترجيح كفة المعارضة، وتراجعت من حالة المبادرة إلى الوضعية الدفاعية لحماية حدودها وأمنها القومي من تطورات الأزمة السورية. وقد برزت مواجهة خطر مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية كأولية أولى بالنسبة لأنقرة، الأمر الذي دفعها للتقارب والتفاهم مع موسكو في ظل الدعم الأمريكي المقدم لهذا الحزب ومشروعه في شمال سوريا الذي تقدم في تلك الفترة بشكل ملحوظ.

الخامسة: العودة للمبادرة

فقد أفادت تركيا من تحسن العلاقات مع روسيا ونسجها معها تفاهمات واضحة بخصوص الملف السوري، وقد أثمر ذلك بالنسبة لها إمكانية القيام بعمليتين عسكريتين بالغتي الأهمية بالنسبة لها في مواجهة مشروع الاتحاد الديمقراطي.

فقد منعت عملية “درع الفرات” التي نفذتها تركيا في الشمال السوري بين آب/أغسطس 2016 وآذار/مارس 2017 التواصل الجغرافي بين “الكانتونات” التي يسيطر عليها الحزب في الشرق والغرب ، بينما قضت عملية “غصن الزيتون” التي بدأت في كانون الثاني/يناير 2018 على تواجده في منطقة عفرين شمال غرب سوريا ومنعت وصوله إلى مياه المتوسط .

رابعاً: عملية غصن الزيتون

منذ 2015، تقاربت تركيا الملف السوري وفق الأولويات التالية:

الأول، منع تشكيل دويلة أو “ممر” يحكمه حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، باعتباره خطراً على أمنها القومي من عدة زوايا. حيث يعتبر الحزب الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً انفصالية ضد الدولة التركية منذ 1984، وبالتالي فإن أي أرض يسيطر عليها ستكون منصة محتملة لانطلاق عمليات عسكرية ضد أراضيها، فضلاً عن الارتدادات السلبية على الملف الكردي في تركيا.

الثاني، وحدة الأراضي السورية، بما يعني رفض مشاريع التقسيم والتجزئة والفدرلة لما لها من آثار كارثية على سوريا وتركيا على حد سواء.

الثالث، تأمين وقف إطلاق نار يشمل عموم الأراضي السورية تمهيداً لحل سياسي في إطار مساري جنيف وأستانا المكمّل له وفق الرؤية التركية على الأقل .

إضافة لأوليات اخرى ثانوية ومرتبطة بما سبق، مثل تأمين الحدود عبر مناطق آمنة بعمق 20-30 كلم وضمان عودة جزء من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا لأراضيهم.

وقد دفعت هذه الأولويات، وغيرها من العوامل والدوافع، أنقرة للتفاهم والتعاون مع كل من موسكو وطهران ضمن الإطار الثلاثي الضامن لوقف التصعيد في سوريا وفق قرارات مسار أستانا الذي ترعاه الدول الثلاث. ووفق هذه الأولويات أيضاً جاءت عملية درع الفرات ثم عملية غصن الزيتون مؤخراً.

أطلقت تركيا عملية غصن الزيتون في العشرين من كانون الثاني/يناير الفائت من خلال قواتها المسلحة ومجموعات الجيش السوري الحر المتعاونة معها، ووضعت لها الأهداف التالية:

– تأمين الحدود التركية – السورية.

– إنهاء سيطرة وحدات حماية الشعب على منطقة عفرين.

– مواجهة كافة المنظمات “الإرهابية” مثل حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش، إضافة لوحدات حماية الشعب.

– منع تسلل المسلحين من عفرين إلى الداخل التركي.

– تأمين عودة بعض اللاجئين والنازحين السوريين إلى المنطقة .

بعد مرحلة تمهيدية تمثلت بانتشار القوات التركية في إدلب وفق اتفاق مناطق خفض التصعيد، مرت والعملية في ثلاث مراحل رئيسة:

الأولى: شملت السيطرة على الجبال والتلال الاستراتيجية في أطراف منطقة عفرين والقريبة من الحدود التركية – السورية، وهو ما تم في الـ 26 من شباط/فبراير بإكمال “الهلال” حول عفرين.

الثانية: إحكام الحصار على مدينة عفرين نفسها، من خلال السيطرة على بلدتي راجو وجندريس الاستراتيجيتين، ثم السيطرة الكاملة على القرى الواقعة شرقاً لقطع التواصل بين عفرين وبين مناطق سيطرة النظام.

الثالثة: السيطرة على قلب مدينة عفرين، الأمر الذي تم في الرابع والعشرين من آذار/مارس المنصرم، ثم السيطرة على باقي القرى والبلدات الصغيرة المتبقية جنوب وشرق المدينة.

باستثناء بعض القرى العربية في ريف حلب، التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب (YPG ) في 2016 والتي ما زالت تخضع لتفاوض تركي – روسي، وفي مقدمتها تل رفعت ومطار منغ، يمكن القول إن العملية حققت معظم أهدافها وبدون عقبات كبيرة للأسباب الرئيسة التالية:

1ـ تنسيق أنقرة السابق على العملية مع موسكو، ومن أبرز دلالاته سحب روسيا شرطتها العسكرية من عفرين مع بدئها ، وعدم اعتراضها على طيران المقاتلات التركية فوق الأجواء السورية.

2ـ مشروعية العملية ووضعها في إطار الدفاع المشروع عن النفس ومواجهة المنظمات “الإرهابية”، وفق المادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن رقم 1624 (لعام 2005) و2170 (2014) و2178 (2014) .

3ـ توحد الجبهة الداخلية التركية خلف العملية إلى حد بعيد.

4ـ تفوق الجانب التركي عسكرياً بشكل واضح، إضافة لاستقدام القوات الخاصة في جهازي الشرطة والدرك في المرحلتين الثانية والثالثة بما لديهما من خبرة في معارك المناطق المأهولة بالسكان.

5ـ غياب موقف دولي قوي معارض وقادر على إيقاف العملية أو تعقيدها.

6ـ انسحاب وحدات الحماية من عفرين قبل إحكام حصارها، وبالتالي عدم الحاجة لحرب شوارع طويلة الأمد داخل المدينة .

خامساً: الانعكاسات

بلغة الأرقام، “حيّدت العملية 4305 إرهابياً” حتى 1 مايو 201820 ، مقابل سقوط 46 جندياً تركياً وجرح 225 آخرين ، إضافة لسقوط 115 مقاتلاً من الجيش السوري الحر . فضلاً عن السيطرة على 1102 كلم2 وفق آخر التصريحات ، بواقع 242 منطقة منها 203 قرى و39 “نقطة حساسة .

ويمكن القول إن العملية حققت معظم أهدافها، حيث أنهت سيطرة وحدات الحماية على منطقة عفرين ومنعت عناصرها من الوصول للمتوسط والتسلل عبره، كما أمنت الحدود التركية ووسعت مناطق سيطرة الجيش السوري الحر المدعوم تركياً في شمال سوريا ووصلتها بمناطق درع الفرات.

للانتصار الذي حققته القوات التركية في عملية عفرين النتائج والانعكاسات التالية على السياسة الخارجية التركية وخاصة ما يتعلق بالملف السوري:

1ـ تأكيد أنقرة جدية خطوطها الحمر فيما يتعلق بمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي.

2ـ تحسين موقفها في الأزمة السورية مع زيادة مساحة نفوذها الميداني، حيث ينعكس ذلك بشكل واضح على طاولة الحل السياسي.

3ـ تعزيز صورتها كدولة حريصة على المدنيين خلال عمليتها العسكرية.

4ـ زيادة ثقتها بنفسها، الأمر الذي انعكس على خطط مستقبلية لما بعد عملية غصن الزيتون، مثل منبج في سوريا وسنجار في العراق.

5ـ تعمّق التفاهمات التركية – الروسية في سوريا، لا سيما مع أزمة العلاقات بين موسكو والدول الغربية ما زاد من حرص الأولى على احتواء أنقرة بعيداً عن واشنطن. مع الإشارة إلى تراجع حدة الحاجة التركية للتفاهم مع روسيا بعد عملية غصن الزيتون، حيث تقع باقي المناطق التي سيطر عليها حزب الاتحاد تحت السيطرة والنفوذ الأمريكيين.

6ـ تعزيز وضعها التفاوضي مع واشنطن بخصوص سوريا وتحديداً ملف دعمها للفصائل الكردية المسلحة، وهو ما نتج عنه تفاهمات تشاوش أوغلو – تيلرسون ، والتي تسعى أنقرة لاستدامتها مع الوزير الجديد مايك بومبيو.

7ـ اعتراف مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا – صراحة أو ضمناً – بحق تركيا في تأمين حدودها والحفاظ على أمنها.

8ـ زيادة اعتماد تركيا على القوة الخشنة في سياستها الخارجية عموماً وفي الملف السوري على وجه التحديد إلى جانب القوة الناعمة .

9ـ حسم حزب الاتحاد الديمقراطي خياره بالتحالف مع واشنطن وتدهور علاقاته مع روسيا التي رفض مقترحها بتسليم عفرين للنظام .

10ـ باتت أنقرة أكثر قدرة على التفاوض مع مختلف الأطراف، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبشكل أكثر ندية.

وقد تبدت الانعكاسات المباشرة لهذه العملية في سنجار حيث أصرت تركيا على خروج أو إخراج حزب العمال الكردستاني (PKK ) منها وإلا فعلت ذلك بنفسها من خلال عملية عسكرية، وهو ما حصل عبر تأكيدات بغداد على إخراج عناصره منها . كما ما زالت أنقرة تنتظر رداً أمريكياً واضحاً بخصوص بلدة منبج غربي الفرات، وهو المتوقع حدوثه بعد تسلم بومبيو رسمياً منصب وزير الخارجية ولقائه بنظيره التركي في بروكسل .

خاتمة

في المحصلة، تبدو السياسة الخارجية التركية بعد عملية غصن الزيتون أكثر مبادرة وثقة ونشاطاً، وتبدو أنقرة أكثر حضوراً في الملف السوري عبر وجودها عسكرياً على الأرض، وتعاونها مع المعارضة السورية، وتفاهماتها مع موسكو، وحواراتها مع واشنطن، وقبول طهران والنظام ضمناً بذلك، فضلاً عن أهميتها كدولة حدودية وجارة في مرحلة الحل السياسي وما بعده من تنظيم وإعمار.

وهو ما يعني دوراً أكبر لتركيا في القضية السورية، باعتبار أن حقائق الميدان تنعكس بشكل مباشر على موازين القوى على طاولة التفاوض والحل السياسي في مساري جنيف وأستانا المتعثرين حالياً.

لكن ذلك لا يعني أن الدور التركي بلا عوائق أو تحديات، فالملف السوري ما زال معقداً وبعيداً عن الحل النهائي، وتتحكم في مساره القوى العظمى خصوصاً موسكو وواشنطن أكثر من القوى الإقليمية التي من ضمنها أنقرة. وإنما يمكن القول إن تركيا قد حسنت موقفها ودورها تكتيكياً من خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وإن لم تغير استراتيجياً من مسار الأزمة السورية أو مآلاتها.

فما زالت مناطق شرق الفرات، الأهم بالنسبة للفصائل الكردية المسلحة والأخطر على تركيا، محمية بتواجد القوات الأمريكية والفرنسية التي دخلت على الخط مؤخراً، وما زال ثمة خلافات عميقة مع روسيا وطهران على عدد من القضايا المهمة وفي مقدمتها مصير الأسد، وما زال التواجد العسكري التركي على الأرض محتاجاً للغطاء الدولي الذي تؤمنه مواقف موسكو وواشنطن في المقام الأول.

ولذا، يبقى الدور التركي المستقبلي في القضية السورية منوطاً بمدى قدرتها على استثمار العملية وإدارة علاقاتها مع مختلف الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، مع الإشارة إلى صعوبة تجاهل مصالحها وأمنها خاصة بعد عملية غصن الزيتون التي تعتبر نقلة مهمة لها في مقاربتها للقضية السورية .

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس