ياسر التركي – خاص ترك برس

رأينا خلال الأسبوع الماضي في وسائل الإعلام الغربية والتركية المعارضة، محاولات لتضخيم الخلاف القائم بين الرئاسة التركية والبنك المركزي التركي، والتي تعتبر أن تدهور الليرة التركية يعود إلى محاولة الرئاسة تغيير مسار البنك المركزي.

البنوك المركزية:

هي منظمات مستقلة قانونيا ولا تتبع الحكومات، وهي مسؤولة عن تنظيم السياسات النقدية الداخلية والخارجية للدولة، كإصدار العملة وتنظيم كمية عرض النقد والتحكم في أسعار الفائدة، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الخدمات المصرفيّة والماليّة لحكومة الدولة التي يتبع لها.

والبنك المركزي التركي، وهو امتدادٌ للبنك المركزي العثماني الذي تأسس في يونيو/ حزيران 1863، يتسم بالاستقلالية عن الحكومة، إلا أن الاستقلالية لا تعني بأي حال من الأحوال الانفصال التام بين المصرف المركزي والحكومة.  

استقلالية البنوك المركزية عن الحكومات؛ فرضتها معاهدة ماستريخت (Maastricht) في شباط/ فبراير عام 1992، على الدول الأوروبية الراغبة في تحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية.

قررت الهيئات التشريعية في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي التزامًا بالمعاهدة آنفة الذكر؛ تفويض البنوك المركزية بعبء السياسة النقدية. وشمل هذا الاتجاه فيما بعد كثير من بلدان العالم.

هل الاستقلال التام للبنك المركزي يخدم الاقتصاد الوطني؟

ويقول الاقتصادي المعروف ملتون فريدمان (Milton Friedman)، صاحب جائزة نوبل لسنة 1976، بخصوص البنوك المركزية: "النقد أخطر من أن نجعله بين أيدي موظفي البنوك المركزية".

بنك انكلترا على سبيل المثال لا الحصر؛ هو أحد أقدم  البنوك المركزية في العالم، تأسس سنة 1694م، رغم أنه كان ملكية خاصة، إلا أن الكلمة الأخيرة كانت للحكومة في المواضيع الخلافية.

هذا ما بينه أيضًا اللورد مونتاغو نورمان (Montagu Norman) محافظ بنك إنكلترا لمدة 24 سنة (1920-1944) حين سُئل عن العلاقة بين البنك والحكومة فيما يتعلق بالسياسة النقدية، فأجاب بأن للبنك الحق في تقديم المشورة إلى الحكومة إلى درجة الإلحاح على تبني وجهة نظره، ولكن الكلمة الأخيرة ترجع بطبيعة الحال للحكومة.

أما بنك اليابان، الذي تأسس عام 1882 -أحد البنوك الثلاثة المركزية الرئيسية في العالم- اكتسب استقلاله عن الحكومة اليابانية عام 1998، ونصت المادة الرابعة من قانون البنك على أن يعود البنك في تسيير السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف للحكومة اليابانية، وذلك تمشيًا مع السياسة الاقتصادية للبلاد.

واللافت في الأمر، أن اليابان تمكنت من الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة ومستقرة؛ رغم ضعف درجة استقلالية البنك عن الحكومة.

وعلى المنوال نفسه؛ جرت الأحوال في البنك الألماني. نجاحه في إدارة السياسة النقدية اعتمد بالضرورة على التنسيق التام مع الحكومة الألمانية، علمًا أن البنك الألماني يُعرف بأعلى درجات الاستقلالية عن الحكومة.

في الواقع؛ هناك علاقة وثيقة بين المصارف المركزية والحكومات في جميع الدول في الاتجاه القانوني الذي يسمح للحكومة بالتدخل في المصرف معتمدا على أساس تشريعي وقانوني صادر من البرلمان باعتباره السلطة التشريعية الأعلى في البلاد.

ونظرة الرئاسة التركية حاليًا في قرار تخفيض سعر الفائدة تستند إلى نظرية اقتصادية معروفة، حيث لجأت إليها واشنطن في أزمتها المالية عام 2009، وخفضت الفائدة إلى مستوى غير مسبوق وصل إلى 0.25%، بهدف تحفيز الاقتصاد وانتشاله من كبوته.

كما قرر بنك اليابان المركزي في مارس/ آذار 2009 تخفيض سعر فائدة القروض القصيرة الأجل لمستوى 0.1 بالمئة في ظل الركود الاقتصادي الذي تعانيه.

وأيضًا عمد المركزي البريطاني لتخفيض الفائدة إلى مستوى 0.5 بالمئة، وهو غير مسبوق، بغية تحفيز الإقراض وعمليات الاستثمار.

وبالتالي؛ ترى الرئاسة التركية أن تخفيض سعر الفائدة يهدف لتوجيه السيولة إلى الاستثمار الحقيقي في المشاريع التنموية التي تقوي اقتصاد البلاد، لأن خفض الفائدة سيشجع الاستثمار، عبر التشجيع على الاقتراض بكلفة أقل لفتح مشاريع جديدة.

وفي النهاية؛ فإن البنك المركزي لا يمكنه رسم السياسة النقدية بمعزل عن السياسة الاقتصادية العامة للحكومة. ذلك أن التضارب بين السياسة النقدية للبنك مع السياسة الاقتصادية للحكومة، يؤدي إلى شللٍ اقتصادي في البلاد.

عن الكاتب

ياسر التركي

مهتم بالشؤون الاقتصادية والتاريخ التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس