ياسر سعد الدين - ترك برس

ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن الانتخابات التركية كانت حدثا إقليميا وعالميا بارزا، لفت إليه الاهتمام وراقبه كثيرون خصوصا في منطقتنا العربية بخفقات القلوب وخلجات الصدور. فبالنسبة للعرب والمسلمين والذين يعانون من عقود من استبداد محلي قاس مدعوم من قوى دولية بشكل خفي، وجلي إن اقتضت الحاجة كما ظهر في سوريا مع بشار الأسد والذي يتعامل معه العالم بكل أريحية رغم ارتكابه جرائم حرب وإبادة واستخدامه لأسلحة وأساليب محرمة دوليا!!

تأتي التجربة التركية لتلغي وتنقض ما كان يريد الغرب أن يسوقه كحقائق لا تقبل الجدال أو النقاش. فالإسلام مرادف للنهضة لا للتخلف، وهو سبيل للحريات الشخصية ومحاسبة الحاكم وقبلها باختياره وانتخابه!! لم تعد إسرائيل الديمقراطية الوحيدة والتي يتبجح الغرب بديمقراطيتها، وليعيرنا بدكتاتوريات واستبداد هو من يصنعه ويمده بوسائل الحماية وأساليب الحياة كما يفعل مع السيسي وغيره من طواغيت العرب.

الانتصار التركي أدخل السرور والبهجة على قلوب ملايين المشردين والمهجرين والمحاصرين والمسجونين في القدس وغزة والعراق وسوريا ومصر وليبيا وميانيمار والصومال وغيرهم والذين لا يجدون بعد الله من معين ولا سند إلا تركيا. تركيا أردوغان نجحت بكل جدارة باختبار القيم والمبادىء إن كان في سوريا وحملها الإنساني الكبير أو في غزة أو في مصر وغيرهم، حين أخفق الغرب في تلك الامتحانات فانتكب لحقوق الإنسان وكرامته وحريته في فلسطين ومصر وسوريا وغيرهم.

تركيا غدت نموذجا ديمقراطيا ليس لأمة العرب والتي حرمت شعوبها من حرياتها الأساسية بدعم غربي وتآمر دولي لتبقى بلادنا ومجتمعاتنا أسواقا استهلاكية لهم ولمنتجاتهم، بل أيضا نموذج للغرب والذي انتكب عن مبادئه الديمقراطية. فالديمقراطية الغربية وكنتاج لسياسة الإقصاء والتهميش والتذويب للمسلمين ومنع بناتهم ونسائهم من الحجاب حينا من قبل ساسة الغرب، أفرزت مرات عدة تيارات يمينية شعبوية متطرفة تقترب في بعض سلوكياتها من النازية والفاشية.

كما إن الإقبال على الانتخابات في تركيا وصل إلى 90% فيما لا يكاد يصل إلى 40% في دول غربية يفترض أنها عريقة في ديمقراطيتها.

شكل الفوز الكبير لأردوغان وحزبه أملا كبيرا للربيع العربي والذي تعرض إقليميا ودوليا لطعنات الغدر ومكائد الخيانة. فما إن تحركت الشعوب العربية لتنال حريتها حتى تمت صناعة داعش في كواليس الاستخبارات الإقليمية والدولية ليكون أمام الشعوب العربية خيار وحيد: إما دمار الحياة وهلاك الحرث والنسل بيد داعش ومن يزعم أنه تحالف لمواجهتها فشارك بفاعلية في تدمير مدننا، وإما دمار إنسايتنا وكرامتنا والارتضاء بحياة القطيع تحت ظلال طغاة يتصرفون وكأنهم دمى متحركة بريموت الخارج وأوامره وأهوائه ونواهيه.

تركيا أردوغان أصبحت ملهمة للشعوب، فالبرغم من عداء الخارج وأوروبا الكبير ضده وحملاتهم الإعلامية المشينة بحقه، إلا إنه من خلال اعتماده بعد الله على شعبه وعلى إنجازاته العلمية والاقتصادية كان الأقوى والذي فرض على المجتمع الدولي أن يعاملة بكل ندية واحترام ومهابة.

إذا كانت تركيا أردوغان قد حققت إنجازات كبيرة علميا وإداريا واقتصاديا وقد كان الحكم مكبل اليدين من خلال الحضور العسكري الكبير في الحياة السياسية والعامة، والدولة الخفية، والنظام السياسي غير المتماسك، فما الذي ينتظر تركيا الآن وقد تجاوزت تلك العوائق منطلقة بدعم شعبي عارم ونظام سياسي متماسك وجيش أصبح مع الشعب ومنه وله من آفاق واعدة ونهضة صاعدة؟؟

لم تعد تركيا دولة تعيش لذاتها، فقد تكسرت القيود واتسعت لها حدود قلوب العرب والمسلمين وأصبحت ومن خلال مكانتها السياسية ومواقفها ودورها الإنساني وحملها وتحملها لهموم المسلمين، زعيمة للأمة الإسلامية بلا منازع وبلا منافس. ومع التقدير لكرم تركيا وفتحها أبوابها للاجئين السوريين والعراقيين والعرب والمسلمين والمطاردين من طغاتهم ومن المستبدين، فإن تركيا مدعوة لأن تستقطب الكفاءات العلمية والفكرية والصناعية العربية والمسلمة وحتى الإنسانية من جميع دول العالم ليشاركوا في نهضتها والتي هي نهضة أمة وأملها، وأن تمنح العلماء والمفكرين والمخترعين والكفاءات مواطنتها حتى يتوقف النزيف العلمي لأمتنا وهجرة العقول والقدرات والمقدرات غربا هروبا من دول فاشلة وأنظمة مستبدة فاسدة!! 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس