أحمد الهواس - خاص ترك برس

بعد وصول ترامب للإدارة الأمريكية ظهر مصطلح صفقة القرن، الصفقة التي كشف عنها أو عن بعضها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ومما جاء حول تلك الصفقة: أن تظهر دولة فلسطينية في مناطق حددها الرئيس الأمريكي في المنطقتين أ، ب، وأجزاء من ج في الضفة الغربية، وتؤجل قضيتا القدس واللاجئين، وقد تعهدت السعودية بالدفع بسخاء لإنجاز تلك الصفقة!

لكن ظهر فيما بعد أنّ ثمة أمورًا أخرى في هذه الصفقة، ومنها إنهاء ملف القدس، مقابل إعطاء الفلسطينيين أبو ديس عاصمة لهم. ولم يتوقف الأمر عند هذا بل برزت عدة بنود لهذه الصفقة ومنها إغلاق ملف اللاجئين وأن تتنازل مصر عن جزء من سيناء لتوسعة غزة، مقابل أن يصبح لمصر ممر يربطها بالأردن والسعودية، وتصبح الأردن عقدة مواصلات للمنطقة، وينعكس ذلك إيجاباً على الاقتصادين الأردني والمصري! والحديث عن مشروعات مشتركة ممولة سعوديا، وأن تتصل السعودية بمصر عن طريق ربطهما بجسر من خلال تيران وصنافير، ويأتي مشروع نيوم كأحد تجليات هذه الصفقة، وعلى الجانب الأمني يتم التنسيق بين دول المنطقة للوقوف أمام الخطر الإيراني، هذه ملامح أو ما نشر عن صفقة القرن، وثمة تفصيلات في ذلك، ولكن السؤال الأهم: هل هذه هي صفقة القرن؟ وهل هناك بنود سرية غير معلنة ولم يتم إطلاع الرأي العام عليها؟

يبدو أنّ ثمة عقبة كأداء تقف أمام تنفيذ صفقة القرن، رغم أنّها لم تأتِ بجديد، فجلّ الطلبات المقدمة أو النقاط المطروحة قد طرحها العرب بشكل أو بآخر والمفارقة أن المبادرتين سعوديتين، وتقدم بهما وليا عهد، سواء مبادرة الأمير فهد 1981 أو مبادرة الأمير عبد الله 2002، وهي آخر مبادرة قدمت قبل 16 عامًا، والمفارقة الأكبر أن صفقة القرن ارتبطت بولي عهد السعودية الحالي!

وإن كانت المبادرتان تتحدثان عن القدس واللاجئين والتمسك بالقرارين 242، و338، لكن ما يُطلق عليه صفقة القرن تبدو في ظاهرها لإنهاء القضية الفلسطينية وإقامة شراكة عربية إسرائيلية، وهذا صحيح، ولكن ما العقبة التي تمنع ذلك، وهل هناك صفقة أخرى أو اتفاق غير معلن لتحقيق ما اصطلح عليه بصفقة القرن؟ الواقع إن العقبة هنا تركيا، وتركيا ليس بوصفها الدولة التي كانت تمثل دورًا وظيفياً منذ ظهورها الحديث 1923، وإنما تركيا النظام الجديد أو لنقل النظام الذي يسعى لإعادة تركيا لقيادة العالم الإسلامي بوصفه النموذج الاقتصادي والعسكري الأهم إسلامياً.

كانت ثورات الربيع العربي إيذانًا بانهيار البناءين الرسمي والعربي، وهذا يعني نهاية فعلية لما بنته القوى الكبرى بعد الحربين العالميتين، وأن نهوضًا في المنطقة سوف يغير من موازين القوى، وقواعد اللعبة في العالم، وقد كان النموذج التركي الناجح والذي مثله حزب العدالة والتنمية ملهمًا للشعوب الثائرة، فتم الانقضاض على الربيع العربي بثورات مضادة، ورافق ذلك شيطنة لما يسمى "الإسلام السياسي" وإطلاق يد إيران لتدمر المنطقة، وترتكب الفظائع فيها، مما جمّل صورة إسرائيل في أعين أبناء المنطقة، وبدا أنّ الحاجز النفسي بين العرب وإسرائيل في تراجع أمام تلك الجرائم المرتكبة في العراق وسورية واليمن، فضلاً عن تحويل لبنان من سويسرا الشرق إلى ولاية من أملاك الولي الفقيه!

ولكي يتم القضاء على التجربة التركية، ولكي لا يتحول الصعود التركي لمارد إسلامي يصعب السيطرة عليه، كان لا بدّ من خوض حروب غير معلنة عليه، فشلت جميعًا، ومنها احتجاجات 2013، والخلاف مع تنظيم غولن، وصناعة داعش، وانقلاب 2016، وسيطرة البككا  (بي كي كي) على شمال سورية تحت مسمى "سورية الديمقراطية" وحرب الليرة، والصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسحب الباتريوت ما اضطر الأتراك لعقد صفقة الإس 400 مع الروس، قضلاً عن تطورات الملف السوري، ومنع الأتراك من حسمه!

أمام هذه التطورات والصعود التركي رغم ما ذكرنا، فإن ملامح صفقة القرن تبدو أنّها متعلقة وجودًا وعدمًا بتركيا، ولكي يتمّ ذلك فلا بدّ من إنهاء النظام في تركيا، وربما يتعدى الأمر ذلك إلى تفتيت تركيا إن اقتضى الأمر، وقد نشهد قريبًا إخراج تركيا من حلف الناتو، ونقل قاعدة إنجرليك إلى إحدى الدول الخليجية أو إلى الداخل السوري حيث مناطق "قسد" ولتحقيق ذلك لا بدّ من فعل عسكري، ولن تعمد أمريكا لخوض الحرب بنفسها بل عن طريق وكلائها في المنطقة، كل ذلك يترافق مع تغيير ثقافي وعقدي منذ مدة، تحت مسمى "التجديد الديني" الذي وضعته خطواته مؤسسة راند الأمريكية، وقسّمت فيه المسلمين إلى فئات، وكما شيطنوا الجهاد، بعد أن أعادوه للواجهة في الصراع مع السوفييت، فقد باتت "شيطنة" الإسلام السياسي واجبًا أيضًا، والدعوة لعلمنة الإسلام أو إسلام جديد على المقاس الأمريكي – وهو مشروع ولي العهد السعودي والسيسي وقد سبقهم في التجربة بن زايد -  وهذه الشيطنة لم يعد  المقصود بها الإخوان فقد انتهت تجربتهم في مصر كما رأينا، بل المقصود به تجربة حزب العدالة في تركيا سيما وأن تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي وإلغاء تنازع السلطتين يتيح لأردوغان أن يتمتع بصلاحيات أوسع، ويرسخ مشروعه الذي بات يقلق الغرب، ومن ينظر إلى تركيا ويرى عدد حفّاظ القرآن الكريم، والاهتمام بالمدارس الدينية، وكذلك إبراز التاريخ العثماني من خلال التعليم والدراما والإعلام، يدرك أن خطة إعادة تركيا لقيادة العالم الإسلامي تسير كما رسمها قادة العدالة والتنمية!

يدرك القادة الأتراك أنهم مستهدفون، وقد ذكر ملامح صفقة القرن الرئيس أردوغان في خطابه الأخير بعد تراجع صرف الليرة، موضحاً أنّ ضياع الأناضول يعني ضياع المقدسات الإسلامية وشمال أفريقيا!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس