د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

تقف تركيا إلى جانب حكومة الوفاق الشرعية وتدعمها في أكثر من مجال. هي حتى ولو نفت ذلك وقالت إنها تريد التواصل مع جميع فئات وقوى المجتمع الليبي، فالكثير من التقارير تقول شيئا آخر.

مجموعات اللواء خليفة حفتر تتهمها بلعب الدور المهم في إنجاح "معركة غريان" التي أدت إلى خسارة هذه القوات لقاعدتها الرئيسية الأقرب والأهم إلى العاصمة طرابلس. طالما أن حوارا تركيا جديدا لم يتم مع حفتر ومجموعاته باتجاه تفعيل سبل الحلول والتسويات في ليبيا وطالما أن البعض يريد من حفتر أن لا يفعل ذلك فلماذا يفترض البعض أن انقرة قد تتخلى عن تقديم الدعم اللوجستي الكامل للحكومة الليبية المعترف بها دوليا وحيث يجمعهما الكثير من المصالح والاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية؟

أساسا هي ليست فقط المصالح الاقتصادية والتجارية التي دفعت تركيا لوضع الملف الليبي في قائمة دائرة اهتماماتها الإقليمية، بل هناك أيضا الاصطفافات المتزايدة يوما بعد آخر في المنطقة ومحاولات عزل وإخراج أنقرة من المشهد لتصفية بعض الحسابات العربية والأوروبية معها. تركيا في إطار هذه الاصطفافات تحاول أن تتموضع وأن تحافظ على موقعها الاستراتيجي الإقليمي لذلك كان لها أكثر من نقطة انطلاق وتحرك باتجاه العديد من المناطق المحيطة بها وفي مقدمتها ليبيا اليوم.

القوات التركية موجودة اليوم في 13 بلدا تشمل مناطق الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان.

الوجود العسكري التركي في هذه البلدان له أسبابه ومبرراته وأهدافه السياسية والقانونية والأمنية والإنسانية. هي هناك بمهام أممية دولية أو في إطار تفاهمات ثنائية أمنية عسكرية وعمليات متقدمة خارج الحدود للحرب على الإرهاب وحماية الأمن القومي التركي.

الهدف هو القارة السمراء في المرحلة الحالية. لذلك تابعنا ردة الفعل المصرية والسعودية والإماراتية الغاضبة حيال اتفاقية سواكن مع السودان التي يصفها بعض الكتاب العرب بأنها كانت في مقدمة أسباب تسريع عملية إسقاط حكم عمر البشير. هدف هذه العواصم

اليوم وبدعم يوناني فرنسي إسرائيلي هو توجيه ضربة عسكرية لحكومة الوفاق لإفشال المعلن في اتفاقية ترسيم الحدود المائية التركية الليبية وغير المعلن في مذكرة التفاهم العسكري والأمني بين أنقرة وطرابلس.

القيادة السياسية التركية تدرك جيدا أن إرسال قوات تركية إلى ليبيا هو إرسال هذه القوات إلى طرابلس تحديدا وليس إلى ليبيا بأكملها وأن خطوة من هذا النوع ستختلف عن نقلات مشابهة كثيرة قامت بها، وأن إرسال القوات إلى الخارج يحتاج إلى موافقة ودعم البرلمان وإلى استعدادات سياسية وعسكرية مفصلة تقنع القيادات السياسية والشارع التركي بضرورة وأهمية خطوة من هذا النوع ونحن لم نبدأ بعد مناقشتها في البلاد. وأن خطوة من هذا النوع ستختلف تماما عن خطوات احترازية نفذتها القوات المسلحة التركية في بحري إيجة وشرق المتوسط باتجاه إرسال العديد من البوارج الحربية لحماية سفن التنقيب والحفر في منطقتين تشهدان الصراع على تقاسم النفوذ والمساحات المائية منذ أعوام.

لكنه وفي المقابل فقرار إرسال قوات إلى ليبيا، يندرج أيضا في إطار تحركات عسكرية سياسية تركية لتأكيد قدرتها الإقليمية على قلب قواعد اللعبة التي يريد البعض أن يفرضها عليها بغض النظر عن كلفتها وارتداداتها السياسية والاقتصادية وتأثيرها السلبي على مصالح ونفوذ أنقرة في الداخل والخارج.

إعلان الرئيس أردوغان، استعداد بلاده لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا إذا طلبت الحكومة الليبية الشرعية ذلك، رسالة رد تركية جديدة لحماية الاتفاقية المائية وبنود مذكرة التفاهم العسكري بين أنقرة وطرابلس في أواخر تشرين الثاني المنصرم. والهدف قد يكون إرسال هذه القوات لحماية سفن التنقيب عن النفط والغاز في منطقتي الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة التركية الليبية وليس التدخل العسكري المباشر في النزاع الليبي الليبي.

لماذا يسمح لباريس والقاهرة وأبو ظبي والرياض استقبال حفتر على السجاد الأحمر وهو من يدعو من هناك لإعلان الحرب على حكومة شرعية معترف بها ومن المفترض أن تدعمها أيضا هذه العواصم، وتتحول أنقرة إلى لوحة أهداف بسبب مجاهرتها في الوقوف إلى جانب حكومة شرعية تحمي مصالح شعبها في اتفاقية مائية تعيد إليها ما فقدته لصالح اليونان من نفوذ مائي؟

رسائل أردوغان حول استعداد تركيا لدراسة أي طلب ليبي رسمي بإرسال قوات إلى طرابلس هي أيضا تشمل المواجهة التركية الفرنسية البعيدة عن الأضواء وحيث تحاول بعض الدول أخذ مكانها فيها كونها تعطيها الفرصة لتصفية الحسابات مع أنقرة. باريس غاضبة لأن أنقرة كشفت النقاب عن مشروع استغلال النفوذ الأوروبي بعد فشل التحريض الفرنسي ضد أنقرة في قمة الأطلسي بالتنسيق مع اليونان وهي غاضبة أكثر لأن تركيا مصرة على تعطيل محاولات التوغل الفرنسي في شرق المتوسط للجلوس أمام طاولة التقاسم الاستراتيجي الأميركي الروسي ويكون ذلك على حساب تركيا وبدعم عواصم إقليمية وقعت على بياض حتى ولو كان الهدف دولة عربية أو دولتين إسلاميتين.

التركيز كان على ما قاله أردوغان لكن أحدا لا يتوقف عند قرار ورغبة الحكومة الليبية هل ستتقدم بطلب من هذا النوع إلى أنقرة؟ متى ولماذا ستفعل ذلك؟

الفرصة المتبقية لإزالة شبح الحرب المهيمن على شرق المتوسط هو ربما الحراك

الألماني الجديد وتحضيرات القمة الليبية المدعومة أميركيا والتي تصر على منع التفجير الأمني في منطقة بنت فيها العديد من التحالفات ولها الكثير من الشركاء هناك مثل تركيا وإسرائيل واليونان يحتربون فيما بينهم إرضاء لفرنسا وسقوطا في الفخ الروسي الذي يصب الزيت على النار بتشجيع بعض العواصم العربية.

أنقرة جاهزة لكل الاحتمالات والسيناريوهات والأصعب بينها قد يكون التدخل العسكري المباشر وهذا ما أراد الرئيس التركي تذكير بعض العواصم به.

رسالة أردوغان هي إلى المجتمع الدولي الصامت حيال كل هذا التجييش والتسليح والتطبيل لحفتر من أجل الدخول العسكري للعاصمة الليبية لكنه ينسى أنه في مواقفه وقراراته الدولية يدعم حكومة الوفاق الشرعية ويعترف بها كممثل ومتحدث باسم الشعب الليبي.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس