ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

أثر المؤسسية في رسم الصورة الكلية للسياسة الأمريكية  

تبقى المؤسسية وقواعدها هي الحاكمة في رسم الصورة الكلية للسياسة الأمريكية، هذه المؤسسية رسمها الدستور الأمريكي وتوارثت الإدارات الأمريكية أعراف تكوين الفريق الرئاسي والموافقة عليه من قبل البرلمان ممثلا في مجلس الشيوخ المنتخب من قبل الشعب، ويقدم الرئيس المنتخب فريقه ومستشاريه والذي يشمل جميع التخصصات في الغالب ليلعب الدور المرسوم في تطوير تعهدات الرئيس المنتخب إلى سياسات وتشريعات بمجرد تنصيبه رئيسا، ما يعني بالنتيجة رسم السياسات العامة للفترة الرئاسية التي سيقضيها الرئيس وتعتبر المئة يوم الأولى من ولاية الرئيس المنتخب هي الأهم، إذ يظهر فريقه مدى جديته في رسم هذه السياسات، وان كان الأمر لا يخرج عن عمل فريق متكامل، إلا أن رئيس ذلك الفريق بشكل أو بآخر له بصمته في رسم وترجيح الرأي النهائي المقدم لمتخذ القرار، لذا فالأشخاص المختارون من قبل الرئيس لهم أهمية كبير في قراءة توجهات الإدارة الجديدة. 

وزراء بايدن ومستشاروه وشكل السياسة المتوقعة  

اختار بايدن أثناء حملته الانتخابية مقولة "إدارة تشبه أمريكا" عند حديثه عن الوزراء والمستشارين الذين ينوي تشكيل إدارته منهم، في إشارة إلى تنوع إدارته، وقد يكون ذلك التنوع في الجنس أو اللون أو المعتقد، لكن في النهاية لن يخرج الجميع عن أطر الأيدلوجية التي يتبناها الرئيس المنتخب بأي حال من الأحوال، ولو أخذنا بعض الأمثل من الفريق الذي أختاره بايدن لقراءة شكل السياسة المنتظرة فالسيرة الذاتية وكذا تصريحات بعض الأعضاء البارزين في فريق بايدن تتيح لنا استقراء طبيعة المهام التي ستسند إليهم مستقبلا من جهة، واستبيان ملامح الاستراتيجية الأمريكية لإدارة بايدن من جهة أخرى فعلى سبيل المثال..

فمهندس العلاقات الخارجية الامريكية ووزير خارجيتها أنطوني بلينكن هو دبلوماسي مخضرم عمل مع بايدن قرابة الــــ 20 عاما وكان عضوا في مجلس الأمن القومي في عهد بيل كلينتون، ونائبا لوزير الخارجية في عهد أوباما، ومن تصريحات بلينكن التي تمثلت، فيما يتعلق بمنطقتنا، إعطاء الأولوية لإعادة النظر في سياسة بلاده مع ميليشيا الحوثي والقرار الذي أصدره أو صدره ترامب للإدارة الجديدة قبل أن يرحل بتصنيفها إرهابية، كما أن الرجل يري في العودة إلى الاتفاق النووي مع ايران، أهمية كبيرة، ولا يخفى أنه كأحد مهندسي الاتفاق النووي في عهد الرئيس أوباما.

وفي دور الرجل الثاني في هذه الوزارة المهمة ستكون ويندي شيرمان التي شغلت منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية خلال إدارة أوباما وكانت المفاوض الرئيسي في المفاوضات النووية لعام 2015 مع إيران! 

أما بريت ماكجورك والذي اختير كمنسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد كان المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما تشير سيرته الذاتية إلى أنه كان يراقب عن كثب دخول تنظيم الدولة إلى الموصل، وكان ينتقل بشكل سري بين سوريا والعراق، لمتابعة تطورات الموقف عن قرب، فقد كان ماكغورك موجودا في أربيل عند اقتحام تنظيم الدولة للموصل.

قراءة في السياسة الخارجية المحتملة للإدارة الأمريكية 

في ظل هذه القراءة لبعض الأشخاص المؤثرين في الإدارة الامريكية والذين من المتوقع أن يكون لهم بصمتهم الواضحة في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة القادمة يمكن أن نقرأ شكل السياسات التي تنتظر في قضايا المنطقة وشكل التعامل المنتظر مع الأزمة العاملة في فيها..

فعلى صعيد القضية الفلسطينية يتوقع استمرار السياسات المؤيدة بقوة للاحتلال لاسيما بعد التصريحات التي تحدثت عن البناء على ما يسمى باتفاق إبراهام أو صفقة القرن، وستستأنف الإدارة الجديدة مساعداتها للفلسطينيين، مع ذلك فلا يتوقع استمرار ترك الحبل على الغارب للاستيطان الذي توحش في الأشهر الأخيرة للرئيس السابق ترامب، فقد تكون فترة بايدن غير مقبولة لدى صناع القرار في تل أبيب، إلا أنها ستكون على نفس النحو مع حماس وإن فتحت بعض المربعات للسلطة للعودة إلى الملعب بقوة.       

على مستوى الأزمة السورية يبدو ان الإدارة الأمريكية الجديدة لن تبعد كثيرا عن ما كانت عليه إدارة أوباما بالحفاظ على وجود عسكري محدود للغاية في شمال سوريا للضغط على تركيا، و الاعتماد بشكل أكبر على الميليشيات الكردية الانفصالية، مع فتح الباب لأنهاء الازمة بالمفاوضات في إطار الحل المطروح أمميا لمزاحمة روسيا، ومع العودة النسبية لنشاط تنظيم الدولة المتشظي، قد تتغير سياسة الإدارة الامريكية تجاه سوريا، لكنها في كل الأحوال ستدفع باتجاه الحل النهائي من خلال تحريك مياه اجتماعات اللجنة الدستورية، وان بقي بشار عقبة في سبيل النتائج المرجوة للإدارة الامريكية الجديدة.

على مستوى الأزمة اليمينة يبدو أن الحوثيين ستكون لهم فرصة أكبر للمراوغة مرة أخرى بعد إعادة النظر في قرار الإدارة السابقة بتصنيفها إرهابية، وحديث الإدارة الجديدة عن قراراها بعدم دعم الحرب في اليمن مع الحفاظ بكل قوة على أمن المملكة السعودية الحليف الأكبر له في الخليج، مع ذلك يظل الرهان على الشرعية في تحقيق تقدم على الأرض ينعكس على موقفها السياسي في المفاوضات التي ستدفع باتجاهها الإدارة الامريكية وعلى مستوى العلاقات الامريكية المحتملة مع دول الخليج فبأي حال من الأحوال ستكون أكثر إرضاء للتكنقراط في المنظومة الخليجية، بعد فاصل المهاترات والقرارات العشوائية الذي عاشوه مع إدارة ترامب، لكنها لن تكون كذلك بالنسبة لقادة هذه الدول، إذ أن ملف انتهاكات حقوق الإنسان سيكون حاضرا، لكنه لن يؤثر بشكل جاد على مصالح أمريكا الاستراتيجية المكتسبة في الخليج، ومن ثم فإن ملف التمدد الإيراني وأمن الدول وصادراتها من الطاقة ستكون من أولويات الإدارة الجديدة. 

وبالحديث عن إيران، قد لا يبدو الأمر كما يظن البعض، حتى في مخيلة النظام الإيراني نفسه، فلن تفلح تلك المغازلات التي ساقها قادة طهران بعد انتخاب بايدن وقبل وصوله حتى إلى البيت الأبيض، فالاتفاق النووي أحد أهم الأوراق الموضوعة على مكتب بايدن، فالرسائل التي تبعثتها إيران من خلال مناوراتها برفع نسب التخصيب أو الحديث عن انتهاء الاتفاق النووي، واشتراطها الاستمرار في الاتفاق النووي برفع العقوبات وفك الحصار عن أموالها المجمدة، لم يلق قبولا لدى الإدارة الامريكية، فمن المتوقع أن تربط الإدارة الامريكية الخيوط كلها ببعض لنصب شبكة لإعاقة طهران عن تحقيق أهدافها في المنطقة فأمن الخليج يعني بالنسبة لأمريكا الكثير، فمن المتوقع أن نرى السعودي شريك في الاتفاق النووي القادم، وكذا تركيا التي تحاول الولوج إلى هذا الملف لمكايدة صديقها اللدود في طهران؟    

أما تركيا فلن تكون ولاية بايدن خفيفة بشكل أو بآخر على أنقرة، فمساحة المراوغة التي لعب فيها الرئيس أردوغان خلال السنوات الأربع الماضية ستضيق كثيرا، وستضغط أوروبا من خلال فرنسا تحديدا على أمريكا لإيقاف الصعود التركيا المتنامي وانتشارها الناعم في أغلب قضايا المنطقة كند، والرهان هنا على حنكة الرئيس أردوغان ومهندس علاقاته الخارجية تشاووش أغلو في خلق مساحات جديدة للتحرك، وهو ما بدأه بالفعل من خلال مد الجسور مع الخليج الذي لا ينتظر الكثير من ولاية بايدن، مع ذلك ستحاول الإدارة الأمريكية دفع تركيا الحليف والشريك في حلف "ناتو" بعيدا عن روسيا بقدر المستطاع ما يفتح مساحات للمراوغة لكنها مساحات ملغومة.

وتبقى الإدارة الامريكية في النهاية منفتحة على السيناريوهات مع مرونة في التحرك على الرغم أنها ستدفع دوما بالأيدلوجية والتوجهات التي اختارتها والتي تمثلت في اختيارات الرئيس المنتخب لفريق العمل مع الوضع في الاعتبار أن أوباما سيكون دوما حاضرا خلال السنوات الأربع القادمة من خلال السياسة التي تشكلت خلال ولايته والتي يبدو أن بايدن سيتبناها رغم اختلاف تموضع الفاعلين في كل ملف. 

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس