ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

إحياء محاولة الانقلاب 

في جنح الليل، وكعادة كل اللصوص، صدر بيان  عن مجموعة من القادة القدامى في البحرية التركية، الغرض منه سرقة الشرعية الشعبية التي كلف بها الحزب الحاكم لإدارة شئون البلاد..

103 أميرالات من متقاعدي البحرية التركية يصدرون بياناً ظاهره الرفض وباطنه من قبله التحريض على الانقلاب على الحكومة الشرعية المنتخبة من الشعب، وعندما نعلم أن البيان مخاطب به الجيش في المقام الأول، ثم الشعب على مستوى أقل نتأكد أن البيان لا يمكن أن يوضع في خانة المعارضة الحائزة على مساحات كبيرة في دولة المؤسسات التي تعيشها تركيا في زمن العدالة والتنمية، المعارضة التي يحق للعسكرين ممارستها بعد خروجهم إلى التقاعد، حق لا يمن انتزاعه، لكن عندما تستدعي رتبة العسكرية كي تخاطب الجيش أو تحاول استدعاء نصوص باتت من الماضي وإن لم تُلْغَ بعدما أطاح الشعب بتلك الوصاية في محاولة الإنقلاب الفاشلة في عام 2016، لكن وفيما يبدو لا تزال تلك الشرذمة التي لا تريد أن تصدق سيادة الشعب بعد أن عاشت أكثر من ثمانين عاما تمارس وصايتها على الشعب وتطيح بإرادته واختياره، لذا فلا يمكن بحال من الأحوال اعتبار ما أقدم عليه هؤلاء الجنرالات إلا أن يكون محاولة لإحياء محاولة الانقلاب في 2016 والتي تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن دولا إقليمية مدفوعة بدول غربية تقف وراؤه لإيقاف مسيرة شعب نحو انتزاع كامل استقلاليته وحقه في الوقوف بين مصاف الدول الكبرى.

قناة إسطنبول وسيلة وليست هدفا

البيان الصادر من الأميرالات صب جل غضبه على قناة اسطنبول الذي تعتزم الادارة التركية البدء في تنفيذها خلال هذا العام للاستفادة من السفن المارة عبر أراضيها من دون رسوم، وهو حق مشروع لكل دولة تقدم خدمات لوجستية للعالم أجمع، مشروع قناة اسطنبول حلم استطاعت الادارة التركية تمريره في البرلمان بعد شد وجذب كبيريين، يهدف إلى إنشاء ممر مائي يربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود، بطول 45 كيلومتر، وبعرض 150 متر، سيخلق 10000 فرصة عمل لأهالي اسطنبول، من خلال المشاريع اللوجستية التي ستخدم الممر وعابريه من السفن، وإن كان المشروع في ظاهره رائع إلا أن رفضه من قبل العسكر لم يكن إلا ذريعة فقط والهدف مداعبة الغرب الرافض للمشروع لأنه سيفتح بابا لمناقشة معاهدة مونترو، المتعلقة بالمضايق، والتي تقيد تركيا وتغل يدها عن مضاييقها والاستفادة ككل دول العالم التي تنعم بنفس الميزة من جني ثمار موقعها الجيواستراتيجي، وهو ما يعني إعادة تقديم أنفسهم من جديد (أي العكسر) كحامي مصالح الغرب، وإعادة تدوير أنفسهم أمام الشعب الذي نبذهم في 2016 على أنهم حماة الجمهورية الأتاتوريكية.

الشعب الجمهوري والحبل السُري

حديث عجائز الجيش عن قناة اسطنبول لا يبعد كثيرا عن الخط الذي ينتهجه حزب الشعب الجمهوري المعارض، وقد تبدو كذلك الأهداف واحدة، فأكرم إمام أوغلو الذي خاض حملة كبيرة ضد مشروع قناة الإسطنبول، استخدم فيها المرافق الحكومية الخاصة بالبلدية، لتحريض الأهالي الذين "سيتضررون"، من وجهة نظره، من المشروع، لم يتعرض في حينه لاتفاقية مونترو، لكنه لعب على وتر، عض قلبي ولا تعض رغيفي، لإثارة الناس على المشروع وطارحيه، وهو ما يعد أيضا انقلابا على الديمقراطية، التي تحتم على المعارضة الامتثال لرأي الأغلبية، لا سيما وأن المشروع قد تم التصويت عليه وقبوله، لكن رفض مشروع القناة، وكذا رفض فتح الحديث عن اتفاقية مونترو، تأتي في إطار عام يلعب عليه إمام أوغلو وحزبه، من مغازلة الغرب، والتأكيد على أنهم حراس العلمانية، وجوَّد إمام أوغلو وأضاف العلمانية "الإباحية"، فتلك الدورة التي ألزم بها العاملين في بلدية إسطنبول الكبرى، وقت صلاة الجمعة قبل الماضي، والتي أريد منها التأكيد على حقوق المثليين، كرد على انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول، يأتي في هذا السياق، وإن أكد على أن احتلالا لتركيا عقديا وقييميا متاحا وأنه وحزبه حصان طرواده لاختراق تركيا المحافظة، إن خطاب الحفاظ على الجمهورية الاتاتوركية لم يعد يؤتي ثماره من دون داعم، فعلى التاجر أن يبحث عن رعاة لترويج بضاعته ورشوة الناس بوعود الثراء والحياة الرغدة ولو انطوت تلك الحياة على تنازلات تمس القيم التركية، ويراهن هؤلاء على الأجيال القادمة التي يحاولون تنشئتها على الإنبهار بالغرب رغم انتكاساته في وقت تشهد فيه بلادهم طفرة تخيف ذلك الغرب، ومن ثم فإن دورهم هو التهوين من الانجازات لصالح هزيمة نفسية يفشل معها مشروع النهضة المأمول.             

مونترو كشفت الوجه الحقيقي للانقلابيين 

إن الحديث عن اتفاقية مونترو، حديث كاشف، وإن الرفض المستميت لقناة إسطنبول التي ستشكل إضافة جيوإستراتيجية وجيوسياسية لتركيا، فاضح لتلك القوى التي تسعى للحد من تنامي قوة تركيا إقليميا ودوليا، والسؤال: لصالح من يسعى هؤلاء لوقف هذا المشروع ولصالح من يسعى هؤلاء لمنع تحرر تركيا من أغلال اتفاقية وقعت في ظروف لم تكن لترضى بها لولا هذه الظروف، لكن رهان هؤلاء خاسر لا محالة، إذ كان الرد عليه لحظي، فبالرغم من صدور البيان منتصف الليل، وهو ذروة عمل وسائل الإعلام الأمريكية، وهو ما يكشف صدوره في هذا التوقيت، والمخاطب به، إلا أن الشعب التركي الواعي رد عليه بغضب كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أصدق بلا شك من وسائل الاعلام إذ أنها تعكس حقيقة نبض الشارع وتصدر وسم  HaddiniziBilin ووسم hodrimeydan منصة تويتر الأكثر تفاعلا في تركيا، هذا التفاعل الشعبي ضد البيان وداعميه، يؤشر أن تعديلات دستورية باتت لازمة لخلاص هذه الأمة من وصاية شرذمة لا تجد قبولا لأفعالها إلا من أنفسها والمستفيدين من ورائهم، وكشفت عن الوجه الحقيقي لمن يريد لتركيا أن تعود إلى قُبيل معركة جناق قلعة.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس