دينيز باران - الجزيرة

في الثاني من مارس/آذار 2021، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن "خطة العمل الجديدة لحقوق الإنسان" التي طال انتظارها. إنها خطة عمل شاملة تعِد بإجراء الكثير من التعديلات في جميع مجالات النظام القانوني التركي تقريبًا.

وفي حين أنها لا تزال تمثل إطارًا قانونيًا سيتطور تطبيقه مع مزيد من اللوائح والترتيبات، فإن خطة العمل تقدم بعض الالتزامات المهمة التي من شأنها تسهيل حياة الشعب التركي والأجانب الذين يقيمون في تركيا أو لديهم أعمال التجارية هناك، على حد سواء.

وبالنظر إلى حقيقة أن العديد من الأجانب يعانون من بعض النقائص وأوجه القصور التي تشوب النظام القانوني التركي، فإن هذه التعهدات قد تبشّر بقدوم حقبة أفضل بالنسبة لهم. وفي هذا التقرير، أبرز النقاط التي جاءت في خطة العمل وتهم الأجانب في تركيا:

نظام قضائي أفضل

تعِد هذه الخطة باتباع "أقصى توقيت مستهدف للعمليات القضائية". بهذه الطريقة، سيكون هناك حرص على تقليص الوقت الطويل الذي تستغرقه إجراءات المحكمة. وبذلك، سيتم تشجيع الأجانب على تأمين حقوقهم على الصعيد القضائي. في الوقت الحالي، تستغرق الإجراءات القضائية في تركيا الكثير من الوقت، لهذا السبب لا يفضل معظم الأجانب رفع دعوى أمام المحاكم التركية، باعتبار أنها ستكون عملية مزعجة دون جدوى. حتى عندما يقررون اللجوء إلى المحكمة، فإن العملية غالبا ما تستغرق الكثير من الوقت والجهد حتى يتوصلوا إلى نتيجة إيجابية من شأنها أن تضمن لهم حقوقهم بشكل فعال.

من المنتظر أن يصبح تطبيق "المحاكمة الإلكترونية" منتشرا على نطاق واسع. وتعني المحاكمة الإلكترونية أنه يمكن لأطراف النزاع المشاركة في جلسات الاستماع الخاصة بهم عبر الإنترنت، دون أن يكونوا حاضرين فعليًا في قاعة المحكمة. يوجد بالفعل مخطط تجريبي منذ منتصف عام 2020، لكن الهدف الحالي يتمثل في استخدام منصة المحاكمة الإلكترونية من قبل معظم المحاكم. ستُعقد جلسات الاستماع في المحكمة بشكل أكثر ملاءمة وتمضي قدمًا بشكل أسرع.

ستركز الحكومة التركية على زيادة الموارد البشرية في النظام القضائي، بالإضافة إلى إدخال بعض برامج التوجيه. إذا طُبّقت هذه البرامج، فسيؤثر ذلك بشكل إيجابي على القرارات التي تصدرها المحكمة من حيث الدقّة والسرعة. يواجه النظام القضائي التركي حاليًا نقصا في الموارد البشرية من حيث العدد والخطط، فقد فُصل عدد كبير من القضاة والمدعين العامين من وظائفهم في أعقاب محاولة الانقلاب الغادرة التي حدثت في يوليو/تموز 2016، حيث تبيّن أنهم كانوا أعضاء نشطين في الحركة الانقلابية.

كان هذا التطهير ضروريًا بالتأكيد، لكنّه ترك فجوة كبيرة. لتدارك الوضع، عُيّن عدد قياسي من القضاة والمدعين العامين في السنوات التي أعقبت محاولة الانقلاب. وبما أن الغالبية العظمى من الموظفين الجدد من الشباب الذين لا يتمتّعون بالخبرة الكافية، كان من الصعب تكييف هذا العدد الكبير من المنتدبين الجدد في النظام القضائي.

سيزداد عدد المحاكم المتخصصة في نظام القضاء التركي. إنّ عدد المحاكم المتخصصة في تركيا حاليًا محدود جدًا، وتشرف المحاكم العامة على البتّ في مجموعة كبيرة ومتنوعة من القضايا التي تتطلب معرفة مخصوصة، ويؤثّر ذلك سلبا على دقة قرارات المحكمة. وفي الحقيقة، ليس من المنطقيّ ولا من المنصف أن نطلب من القضاة حلّ جميع أصناف القضايا في مجالات مختلفة وبنفس الكفاءة، ولهذا السبب فإن من المحتمل تتجه تركيا قريبًا نحو إدخال بعض المحاكم المتخصصة الجديدة، مثل محاكم قانون تكنولوجيا المعلومات.

أصبحت الطرق البديلة لتسوية المنازعات -مثل التحكيم والوساطة- شائعة جدًا في العالم وفي تركيا، وأدخلت تركيا بالفعل العديد من التعديلات لمواكبة هذا المنهج الذي أخذ يتعزّز في السنوات الأخيرة. ومع خطة العمل الجديدة، تلتزم تركيا باتخاذ المزيد من الخطوات لتعزيز الطرق البديلة لتسوية النزاعات. ويمكن أن يمتدّ نطاق الوساطة ويشمل الخلافات التي تستلزم اللجوء إلى المحاكم مثل قضايا الطلاق. أي أن تركيا تفتح الباب على مصراعيه لحل النزاعات القانونية دون اللجوء إلى المحكمة.

نقل نظام تطبيق وتنفيذ القانون بالكامل إلى الإنترنت. وإذا نجح هذا التحول، فمن المؤكد أنه سيعزز بالتأكيد كفاءة عملية تطبيق وتنفيذ القانون. في الوقت الراهن، يعد تطبيق قرارات المحكمة وتنفيذها مجالًا آخر إشكاليًا للغاية في النظام القضائي التركي.

سيتم تبسيط عدد الرسوم الرسمية اللازمة للعمليات القضائية، لإزالة اللبس المتعلق باحتساب الرسوم بالنسبة للأجانب (وحتى الشعب التركي). وفي الوقت الراهن، يوجد العديد من أنواع الرسوم التي يتعين دفعها للمحاكم ومكاتب تطبيق وتنفيذ القانون وكتاب العدل. لذلك، عادة ما يكون من الصعب جدًا على الأجانب تتبع هذه الرسوم.

المزيد من التعديلات الصديقة للمستثمرين الأجانب

سيتم تحسين الامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي للاستثمارات الأجنبية وقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. بالنظر إلى حقيقة أن معايير الاتحاد الأوروبي وقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان متقدمة نسبيًا، من حيث تأمين حقوق المستثمرين الأجانب ومتطلبات السوق الحرة، فإن الامتثال المتزايد سيخلق بيئة أكثر أمانًا للمستثمرين الأجانب.

لحل المشاكل القانونية الخاصة بالمستثمرين الأجانب بشكل أسرع وأكثر فاعلية، ستؤسس هيئة إدارية جديدة تتعامل فقط مع مشاكل ونزاعات المستثمرين الأجانب مع السلطات العامة التركية. سيكون للمستثمرين الأجانب قناة حصرية لتسوية مشاكلهم مع السلطات العامة التركية.

ستصبح تصفية الشركات أسهل وأبسط. ومع أن إجراءات تأسيس الشركات تعتبر سهلة في تركيا، فإن إجراءات التصفية تكون معقدة. ويصبح الأمر أحيانا صعبا جدا على المستثمرين الأجانب الذين يرغبون في إنهاء أعمالهم في تركيا وإغلاق شركاتهم.

من المتوقع أن يخضع نظام العدول لعملية رقمنة من شأنها أن تخفف من عبء الذهاب إلى المكاتب الإدارية. وعندما يكون الذهاب إليها لازما، سيكون لدى مكاتب العدول ساعات عمل أكثر مرونة تشمل نهاية الأسبوع والليل في الحالات المستعجلة. في تركيا، يجب على المستثمرين الأجانب الاستعانة بكتّاب العدل في العديد من الإجراءات، مثل ترجمة الوثائق الرسمية والتحقق من بعض العقود وإصدار توكيل رسمي لأشخاص آخرين وما إلى ذلك، مما يعني أنهم يقدّمون خدمات أساسية للمستثمرين الأجانب. ولكن ساعات العمل المحدودة والازدحام المعتاد في مكاتبهم عادة ما يخلق عقبات كبيرة أمام إنجاز أعمال المستثمرين الأجانب دون تأخير غير متوقع.

سيُسمح لكتّاب العدل بإجراء عمليات بيع العقارات. في الوقت الحالي، لا يحق إلا لمكاتب تسجيل سند الملكية العامة القيام بهذه العمليات، ونظرا لوجود مكتب تسجيل سند ملكية عام واحد فقط في كل حي، فإنها عادة ما تكون مزدحمة. في ظلّ التفويض المقترح لنقل السلطة من مكاتب تسجيل سند الملكية العامة إلى كتّاب العدل العامين، سيكون من الأسهل والأسرع إكمال مبيعات العقارات، لأن هناك العديد من كتاب العدل العامين في كل حي.

معاملة أفضل للمهاجرين

سيتم تحسين أوضاع مراكز الإعادة القسرية، لكن في الوقت الحالي، لا تعد الظروف المادية لتلك المراكز كافية على الإطلاق.

ستعتمد أصناف جديدة من الإجراءات التي من شأنها أن تكون بديلة للاعتقال الإداري للمهاجرين. وفقا لقوانين الهجرة التركية، تُعتمد الآن 7 إجراءات بديلة للاعتقال الإداري. لذلك، لا يتضّح في خطة العمل ما الذي سيتم تقديمه كإجراءات بديلة. ولكن أيا كان ما سيتم تقديمه، سيوفر ذلك المزيد من الحرية للأجانب الذين تخضع طلباتهم للهجرة إلى إعادة فحص من قبل السلطات التركية لاتخاذ القرار النهائي.

عندما يقدّم الأجانب أي التماس أو اعتراض إلى السلطات العامة التركية، فإن الحد الأقصى لتقديم ردّ هو 60 يوما. مع ذلك، بموجب خطة العمل، تلتزم السلطات بتخفيض المدة ​​إلى 30 يوما، حيث سيؤدي هذا التغيير إلى تسريع إجراءات التطبيق الإداري والدعاوى القضائية للأجانب.

يُفترض بالسلطات العامة التركية التي تتعامل مع الأجانب نشر المزيد من المواد الإعلامية باللغات الأجنبية. في الوقت الحالي، عدد هذه المواد منخفض جدا ويقتصر على بعض المكاتب العامة فقط، مثل مكتب الجنسية. بسبب هذا الوضع، يفتقر الأجانب للدراية الكافية بالمسائل القانونية الأساسية، وهذا الوضع يمهد الطريق حتما لانتشار المعلومات الخاطئة بينهم.

عن الكاتب

دينيز باران

محام تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس