ترك برس

بدأ التنقل في الأراضي التي تقع عليها الجمهورية اليوم، عبر السكك الحديدية منذ عصور قديمة، فقد أنشئ أول خط سكة حديد بالأناضول في 7 حزيران/ يونيو 1866، وفيما يلي سنلقي نظرة على تاريخ القطارات من الدولة العثمانية حتى الجمهورية التركية وإلى يومنا هذا.

كان التنقل بالسكك الحديدية من أهم الأسباب الرئيسية للحروب وأيضا للسلم، ومؤخرا كان سببًا لتحالفات جديدة، ورغم التغيرات الكبيرة التي أحدثتها التطورات التكنولوجية في وسائل النقل، إلا أن استخدام هذه الوسيلة مستمر منذ عصور، مما وفر لها مكانة مختلفة عن جميع وسائل النقل الأخرى.

كان أول تصاميم السكك في العصور القديمة مصنوعًا من حجارة مقسمة بشكل أخاديد، تنزلق عليها عجلات خشبية مثبتة على العربات التي تجرها قوة بشرية أو حيوانية، لكنها تطورت على نحو هائل لتتنقل اليوم بين القارات قاطعة مئات الكيلومترات في الساعة.

يصادف يوم 7 يونيو 2021، الذكرى 155 لافتتاح خط سكة حديد "إزمير - أيدن"، أول خط سكك في أراضي الأناضول، ومنه انتشرت السكك في أنحاء تركيا.

يتفق الخبراء في هذا المجال، على أن مغامرة السكك الحديدية في أراضي الجمهورية التركية الحالية تنقسم إلى خمسة فترات رئيسية، أولها فترة السلطان عبد المجيد، ما بين 1839 و1861، ثم تأتي فترة السلطان عبد العزيز، الذي يعود له الفضل في التطورات ما بين عام 1861 و1876، تبدأ بعد ذلك فترة السلطان عبد الحميد الثاني، ما بين 1876 و1909، التي لا تزال آثارها باقية لليوم، ثم نرى خطوات سكة حديد السلطان محمد رشاد، ما بين 1909 و1918، أما آخرها تبدأ ببداية عهد الجمهورية التركية منذ عام 1923.

من المعروف أن أول خط سكة حديدية استخدم في عام 1830 بإنجلترا، ولم يكن من الممكن لأي إمبراطورية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الثورة المتطورة آنذاك، التي تستطيع نقل الأحمال الثقيلة المنتجة صناعيا، وإيصالها لأماكن بعيدة، لتساهم بتطور المجتمعات من الناحية الاجتماعية والثقافية وليس الاقتصادية فقط، كان الدافع الرئيسي لانتشارها في بقية أنحاء العالم أنها من أهم عناصر التفوق في الحرب.

واكبت الدولة العثمانية هذه التطورات، لتبدأ مغامرتها مع السكك الحديدية، ببناء أول سكة حديدية في مصر عام 1856، التي كانت تتبع للحكم العثماني، ثم خط إزمير - أيدن في الأناضول في نفس العام، ثم خط "كونستانتا - تشيرنافودا" في عام 1857، ولن نتطرق للحديث عن مشاريع السكك الحديدية العثمانية خارج حدود تركيا التي  بلغ طولها 8 آلاف و619 كيلومترا وبقي منها إلى يومنا 4136 كيلومترا.

بلغ طول أول خط حديدي خط إزمير - أيدن، 130 كيلومترا، الذي بدأ بتقديم امتيازاته في 23 أيلول/ سبتمبر 1856, لهذا السبب يعتبر هذا العام في عدة مصادر عام "ميلاد الحديد".

أنشئت "شركة السكك الحديدية العثمانية من إزمير إلى أيدن" لبناء خط السكة الحديدية في 1856، وبعد عام تم تأسيس أول طرق حديدية في داخل حدود تركيا، في عام 1865 أنشئت بعض الخطوط الحديدية الأخرى مثل خط "إزمير - مانيسا"، وخط "مانيسا - بانديرما"، وخط "مانيسا - أفيون"، وفي عام 1870، افتتح خط "شيرينير - بوجا"، وأنشئت إدارة السكك الحديدية في عام 1872.

أنشأت الدولة العثمانية خطوط سكك حديدية في مختلف أراضيها بالأناضول، بسرعة ووقت قصير لحاجتها إليها، وتطورت مع الوقت فكرة مشروع خط سكة حديد الأناضول، بظهور خط ممتد من محطة "حيدر باشا" بإسطنبول إلى مدينة إزميت، ومن أسكي شهير إلى أنقرة في عام 1872، وفي الوقت الذي تم فيه تشغيل خط بورصة  - مودانيا، افتتح خط أسكي شهير - قونيه في عام 1894.

كما أثمرت الجهود في هذا الصدد بالجنوب أيضا، فقد افتتح خط مرسين - يني في عام 1882، ولم يتصل هذا الخط بأضنة فقط، بل حلب أيضا ونصيبين وسامراء وبغداد، وتم إتمام ما بين خط سامراء -نصيبين من قبل البريطانيين في عام 1940.

استراتيجيات السكك الحديدية في عهد الجمهورية

بالرغم من الأوقات الصعبة التي عانت منها الجمهورية التركية بعد تفكك الدولة العثمانية واحتلال الحلفاء لأرض الأناضول وحرب الاستقلال من أجل تأسيس الجمهورية، إلا أن الجمهورية اهتمت بالسكك الحديدية في أعوامها الأولى، وواصلت بناءها حتى الحرب العالمية الثانية، وركزت على إنشائها لمدة 5 أعوام في أول خطتين للتصنيع برغم المجاعة وقلة الإمكانيات، موجهة خطوطها للموارد الوطنية بتحديد مواقع السكك وفقا لانتشار الصناعة في جميع أنحاء البلاد.

لم يكن بناء السكك وتشغيلها بموارد وطنية فقط، لذلك اتخذت الجمهورية خطوات مهمة في توطين هذه الصناعة، وقد كلّف توطين مشروعات السكك التي نفذتها شركات أجنبية في الأعوام 1928 و1934 و1935 و1937، ما مجموعه 429 مليون فرنك سويسري، و162,5 مليون فرنك فرنسي، و1,8 مليون جنيه إسترليني، بهدف أن تتخلص تركيا من قيد كبير آخر. 

توقف إنشاء السكك الحدبدية الذي بدأ في عهد الدولة العثمانية واستمر في عهد الجمهورية بسبب الحرب العالمية الثانية، وتفيد المعلومات بأن 3578 كيلومترا من السكك التي بدأ بناؤها ما بين 1923 و1950، تم بناء 3208 كيلومترا منها بشكل بطيء حيث تم إنهاؤها في عام 1940.

وبالتأكيد هناك عملية تحول ينبغي أخذها بعين الاعتبار، لو تخطينا تفاصيل زيادة استثمارات الطرق البرية بدلا من السكك الحديدية بعد خطة "مارشال"، ستفوتنا أهم الإجابات الرئيسية للسؤال: لماذا لم تقدم تركيا مساهمات كبيرة في شبكة خطوط السكك الحديدية في 50 عاما التي تلت الحرب العالمية الثانية؟ فقد أنشأت تركيا مسافات محدودة جدا من السكك الحديدية ما بين 1940 و1960، كما أنشأت مجموعة سكك بلغ طولها 847 كيلومترا ما بين 1960 و2003، الأمر الذي يعد ذكرى سيئة في تاريخ السكك.

موجز ما كتبناه: انطلق القطار الأول ما بين إزمير-أيدن بمنطقة بحر إيجه في 7 يونيو 1866، ثم انتشرت السكك إلى جميع أنحاء الأناضول، من إسطنبول إلى بورصة، و من أسكي شهير إلى أنقرة، ومن مرسين إلى أضنه، ثم مرّت البلاد بفترة استراحة ما بين 1960-2003.

تبدأ رحلتنا من جديد في عام 2003، وسنربط أحزمة الأمان لأن قطارنا السريع سيمر عبر الأنفاق بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة، سندخل تحت البحر وعند خروجنا ستتغير القارات، ليس ذلك وحسب، بل سنشاهد أول قطار قادم من الصين إلى أوروبا، وسنلقي نظرة على محطات القطار المريحة كفنادق 5 نجوم مع أول مجموعة قطار محلية الصنع تعمل بوقود الديزل.

سجلت فترة سريعة جدا من التقدم مع عودة قطاع السكك الحديدية في عام 2003 إلى أجندة الحكومة التركية، بعد استراحة دامت 50 عاما، كان وضع حجر الأساس للمرحلة الأولى من مشروع قطار أنقرة وإسطنبول السريع وبين أنقرة وأسكي شهير في 8 يونيو 2003، الخطوة الأولى للحقبة الجديدة.

وفي حين كانت تدور مناقشات في تركيا حول كون مشروع القطار السريع "حلمًا أم حقيقة؟"، بدأ العمل على خطوات لتوحيد ضفتي البسفور مرة أخرى في عام 2004، في مشروعات تمت تسميتها بـ"مشروع القرن"، ووضعت أسس مشروع القناة تحت البوسفور التي ستمر فيها سكة حديدية في تشرين الأول/ أكتوبر 2004.

تم تشغيل خط القطار السريع بين أنقرة وأسكي شهير في آذار/ مارس 2009، وخط قطار أنقرة-قونيه السريع في عام 2011، وخط قطار أنقرة-إسطنبول السريع، الرابط بين أكبر مدينة تركية وبين العاصمة في 25 تموز/ يوليو 2014، وبلغ طول السكك الحديدية 10 آلاف و984 كيلومترا في عام 2003، وصل طولها إلى 12 ألفًا و803 كيلومترات في 2019.

ولم يكن ما بعد عام 2003 فترة بناء سكك حديدية فقط في تركيا، بل انعكس وضع سكك الحديد في أجندة الحكومة التركية على عدة مجالات مختلفة، على سبيل المثال بدأت المجموعة الأولى من قطارات الديزل المحلية بالعمل في الأناضول في 19 نيسان/ أبريل 2011، كما انطلق "مشروع القطار الوطني"، لإنتاج القطارات السريعة والقاطرات وعربات الشحن، وافتتحت محطة أنقرة للقطار السريع (YHT) في 19 أكتوبر 2016، التي بنتها "مؤسسة السكك الحديدية للجمهورية التركية" (TCDD)، وكانت هذه المحطة أول مشروع قائم وفق نموذج "البناء والتشغيل والتحويل".

وقد أدى فتح خطوط سكك حديدية دولية مؤخرًا إلى زيادة حركة التجارة العالمية، وكان أشهر الأمثلة على ذلك خط سكة باكو-تبليسي-قارص، الذي تم افتتاحه في 30 أكتوبر 2017، والذي أخذ مكانة مميزة باعتباره مرحلة من مراحل خط سكة النقل من الصين إلى أوروبا دون انقطاع.

وقد أصبح قطار الصين السريع، البالغ طوله 820 كيلومترا، و المؤلف من 42 عربة محملة بالحاويات، الذي ينطلق من مدينة شيان بالصين، أول قطار يعبر إلى أوروبا باستخدام سكة حديد "مرمراي" في تركيا في 7 تشرني الثاني/ نوفمبر 2019.

أهداف 2023

أشرنا إلى النقطة التي وصلنا إليها اليوم في قطاع السكك الحديدية، منذ بدء بنائها في الأناضول عام 1866، إذ لن تكتفي تركيا بما وصلت إليه، فالعالم يتطور ولا مفر من مواكبة تطورات العصر الجديد، كما أن أنقرة لا ترغب بإيقاف مشاريع السكك الحديدية مرة أخرى، لذلك يستمر العمل على دراسات في هذا المجال للأعوام القادمة، والمحطة الأولى في هذا الصدد ستكون عام 2023 في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية.

ومن أول أهداف 2023 أن يبلغ طول شبكة السكك الحديدية 17 ألفًا و527 كيلومترا في عام 2023، بالإضافة إلى زيادة حصة نقل البضائع بالسكك الحديدية بنسبة 10%، والركاب بنسبة 3,8%، وإنتاج جميع أنواع مركبات السكك الحديدية في بلادنا، وأن تتناسب القطارات المتوفرة مع خطوط القطارات السريعة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!