ترك برس

شهدت الممثليات الدبلوماسية التركية، تغييرات كبيرة وشاملة في كوادرها، مؤخراً، في خطوة تتماشى مع سياسات أنقرة الخارجية الجديدة والتي تتسم بالتقارب وحل المشكلات.

وفي أبريل/ نيسان الماضي، أصدر الرئيس رجب طيب أردوغان قرارا بتعيين 13 سفيرا جديدا في بلدان مختلفة، بينهما الإمارات والعراق، وذلك استكمالاً لتعيينات سابقة قبل أكثر من شهر، شملت تعيين سفراء جدد في كل من الولايات المتحدة الأميركية واليابان وبعض الدول العربية.

حجم ونوعية التغييرات التي أجرتها تركيا في ممثلياتها الدبلوماسية الخارجية، طرحت تساؤلات حول دلالاتها، لا سيما وأن السياسة الخارجية لأنقرة، شهدت تغيرات كبيرة منذ مطلع عام 2021، وكانت هذه التغييرات ملموسة في العلاقات مع مصر واليونان والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن بعض الدول الخليجية.

وشملت التغييرات الجديدة تعيين توغاي تونجر سفيرا تركيا جديدا في الإمارات، بدلا من السفير السابق جان ديزدار الذي كان معنيّاً قبل سنوات بالملف السوري في وزارة الخارجية التركية، كما عُيِّن علي رضا غوناي سفيرا جديدا في العراق بدلا من فاتح يلدز الذي سُحب إلى أنقرة.

عمل غوناي قنصلا لتركيا في تورنتو بإيطاليا، وشغل مهام القائم بالأعمال في السفارة التركية بالقاهرة في عام 2016، ثم تولى في عام 2019 منصب مساعد المدير العام للعلاقات مع العراق في وزارة الخارجية التركية.

ويعتبر السفير غوناي خبيرا في شؤون منظمة "بي كا كا" الإرهابية والتي يكافحها الجيش التركي منذ نحو 30 سنة وتتخذ من جبل قنديل شمالي العراق مقرا لها ومنطلقا لعملياتها الإرهابية ضد المصالح التركية.

وكان غوناي صرح بأن ملف "بي كا كا" يقف على الدوام حجر عثرة أمام تعزيز العلاقات التركية العراقية، داعيا "الأصدقاء في العراق إلى العمل المشترك من أجل القضاء على المنظمة الإرهابية التي تشكل تهديدا على الأمن في البلدين".

بدوره، شغل تونجر منصب رئيس دائرة الموارد البشرية بوزارة الخارجية التركية، كما كان يشغل منصب نائب المدير العام للإدارة الأميركية في وزارة الخارجية التركية قبل تكليفه بأن يكون سفيرا في الإمارات.

وقالت صحيفة "حرييت" التركية "بالنظر إلى الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في إذابة الجليد بين الإمارات وإسرائيل، يمكن القول إن خطة الولايات المتحدة لإنشاء لعبة جديدة في المنطقة قد تم أخذها في الاعتبار عند تعيين السفير تونجر في أبو ظبي كونه كان يشغل منصب نائب المدير العام للإدارة الأميركية في وزارة الخارجية التركية".

وما تزال العلاقات التركية الإماراتية تشهد حالة من الشد والجذب، في ظل حرب إعلامية مستمرة بين البلدين، مع اشتراط أنقرة توقف أبو ظبي عن التدخل بشؤونها الداخلية ودعم أطراف معادية لها في سوريا وليبيا واليونان وغيرها.

وعقب المصالحة الخليجية، في يناير/كانون الثاني الماضي قال الرئيس التركي إن بلاده مستعدة لإحياء العلاقات مع جميع دول الخليج، ووصفها بأنها علاقات إستراتيجية.

كما قال وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية وقتها أنور قرقاش إن تركيا هي الشريك الأول التجاري لبلاده، وإن الأخيرة لا تحمل أي عداء لأنقرة.

وشملت التعيينات الأخرى التي وقّعها أردوغان تعيين جاهد باغجي سفيرا في أذربيجان بدلا من إركان أوز أورال، وتعيين سفير تركيا في قرغيزستان جنغيز كاميل فرات سفيرا لدولة بولونيا بدلا من تحسين تونج أوغدول، في حين عُيِّن أحمد صادق دوغان سفيرا في قرغيزستان.

كما عُيِّن علي سعيد أكن سفيرا لدى ميانمار بدلا من حيدر كرم ديفان أوغلو، وسيبال إركان سفيرة بسيراليون عوضا عن ديها إربك، وعُيِّن براق آكجابار سفيرا لدى إسبانيا، ونيلغون إردم آري سفيرة لبوركينا فاسو، وفرات سونيل سفيرا في الهند، ومحمد مؤنس ديريك سفيرا في الكونغو.

كذلك عيَّن أردوغان عمر كوجوك سفيرا في إيطاليا بدلا من مراد سالم إسنال، وعيَّنت سراب إرسوب سفيرة في تايلند.
وتأتي هذه التعيينات استكمالاً لتعيينات سابقة قبل أكثر من شهر، حيث عيَّن أردوغان سفراء جددا في كل من أميركا واليابان وأيرلندا وصربيا.

وشملت التعيينات السابقة العديد من الدول العربية، حيث تم تعيين كنان يلماز سفيرا في ليبيا، وعلي أولوصوي سفيرا في لبنان، وفاتح أولوصوي سفيرا في السعودية، وتشاغلار تشاكير ألب سفيرا في تونس، ومصطفى بولات سفيرا في اليمن، وعدنان كيتشيجي سفيرا في المغرب، وإسين تشاكيل سفيرة في البحرين.

كما عُين السفير التركي لدى اليابان والقيادي المؤسس في حزب العدالة والتنمية حسن مراد مرجان سفيرا لدى الولايات المتحدة الأميركية التي درس بها الدكتوراه.

وفي معرض تعليقه على الأمر، ذكر محمود الرنتيسي، الباحث المختص في السياسة الخارجية بمركز "سيتا" للدراسات بأنقرة، أن تركيا تعمل بشكل دائم على تفعيل عملها الدبلوماسي من خلال الاستمرار في تغذية بعثاتها الدبلوماسية بمزيد من الكفاءات القادرة على التعاطي مع بيئة دولية شديدة التغير، بما يضمن لتركيا مصالحها الحيوية، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت."

وقال الرنتيسي "بالنظر إلى العواصم التي يحل السفراء الأتراك الجدد فيها في منطقة الشرق الأوسط، فإن الرياض وأبو ظبي والمنامة وبغداد وصنعاء وبيروت على موعد مع سفراء جدد، حمل قدومهم توقعات بتخفيف التوتر الذي طغى على العلاقات في السنوات الثلاث الماضية، هذا مع محاولة لعب دور أكبر ومهم في تهدئة العلاقة وتنسيق وهندسة مشاريع التعاون".

وأشار إلى إيلاء تركيا قدرا أعلى من المؤسسية والتواصل الدبلوماسي الرسمي مع الإدارة الأميركية، مع وجود عدد مهم من الملفات التي يلزم التوصل فيها إلى حلول مرضية، مع السعي نحو منع أي أزمات مع الولايات المتحدة قد تضعف الموقف التركي.

وحول التعيينات الدبلوماسية الجديدة تحدث الكاتب التركي أوغور إيرقان في مقال له، أن التعيينات الجديدة سبقتها تحضيرات منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي كنوع من استعداد تركيا لرؤية جديدة خاصة، وتمت في دول تشهد توترات في علاقاتها مع تركيا أو تواجه صعوبات داخلية.

واعتبر تعيين السفيرين الجديدين في الإمارات والعراق مؤشرا للأهمية التي توليها تركيا للمنطقة.

يُذكر أن تركيا تمتلك شبكة دبلوماسية واسعة تضم 138 سفارة و13 ممثلية دائمة و86 قنصلية ومكتبا تجاريا، وتعتبر الخامسة في العالم من حيث عدد الممثليات في الخارج بما مجموعه 239 ممثلية، ويقول مسؤولون إن هذه الأرقام تدلل على إدراك تركيا لأهمية العمل الدبلوماسي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!