ترك برس

تعدّ الإمبراطورية العثمانية واحدة من أقوى الإمبراطوريات وأطولها أمداً وأكبرها مساحةً في تاريخ البشرية إذ توسع نفوذها عبر قارات أوروبا وإفريقيا وآسيا، واتخذت من إسطنبول "القسطنطينية" عاصمة لها خلال حكمها الذي استمر من نهاية القرن الثالث عشر إلى بداية القرن العشرين.

وقد حظيت الإمبراطورية العثمانية بالاحترام والتقدير لما حققته من إنجازات في الفنون والعلوم والطب ولما خلفته من كنوز فكرية وثقافية في كل أنحاء العالم، وخاصة في تركيا التي تحولت إلى حاضنة لنواتها.

يستعرض هذا المقال عدداً من العادات الاجتماعية التي لا زالت حية في وجدان الشعب التركي وفي تقاليده والتي كانت موجودة في عهد الإمبراطورية العثمانية ومثلت جزءاً من معتقداتهم القوية وتفكيرهم الحساس واهتمامهم بمعايير الاحترام والشرف إضافةً إلى أعمالهم الخيرية الكثيرة والمتنوعة.

ولا تزال بعض هذه الممارسات الرائعة تمثل دروساً في الحياة لكل من تعرف عليها عن قرب أياً كان موقعه في العالم:

رسالة في مطرقة الباب:

إذا سنحت لك الفرصة لرؤية باب عتيق من العهد العثماني يحمل مطرقتين مختلفتي الحجم، فلا تفترض أن هذا نتيجة لخطأ حسابي. في الواقع تحمل المطرقتان المختلفتان بالحجم أهمية كبيرة في المعنى والاستخدام وهما ترسلان رسالة واضحة إلى من هم داخل المنزل حول جنس الزائر، فتستخدم المرأة الزائرة المطرقة الصغيرة فيما يستخدم الذكور المطرقة الكبيرة. وبذلك تقوم النساء في المنزل بالتستر قبل الإجابة أو توجيه المهمة إلى ذكور العائلة.

المعنى الخفي وراء تقديم كوب الماء مع القهوة:

من التقاليد السائدة في العهد العثماني تقديم فنجان من القهوة التركية مع كوب من الماء. ويكمن وراء هذا النوع من الضيافة رسالة لا يمكن الإفصاح عنها بالسؤال المباشر لعدم إحراج الضيف. لذلك ينتبه صاحب البيت إلى الاختيار الذي يمسكه الضيف بيده أولاً. فإذا اختار احتساء القهوة في البداية، فهذا يعني أنه لا يشعر بالجوع وأنه تناول طعامه مؤخراً، وبذلك يعمد صاحب البيت إلى تقديم الفاكهة والحلويات له بعد احتساء القهوة، أما إذا التقط الضيف كوب الماء أولاً، فهذا يرسل إشارة إلى أنه جائع، وبالتالي يقوم المضيف بإعداد وجبة طعام له على الفور.

لغة الزهور:

كانت الزهور التي توضع على شرفات النوافذ في العهد العثماني تُرسل رسائل تفصح عن حال سكان المنزل من خلال ألوانها. فإذا كانت الأزهار صفراء، فهذا يدل على أن شخصاً ما في هذا المنزل مريض ويجب عدم إصدار ضوضاء أمام المنزل أو في الشارع القريب، حتى لا ينزعج هذا المريض.

وإذا كانت الزهور الموضوعة خارج النافذة حمراء، فهذا يدل على أن في المنزل فتاة في سن الزواج، وبالتالي يجب على المارّة أن ينتبهوا لما يقولونه وأن يمتنعوا عن استخدام أي كلمات بذيئة.

علامات السجود تدل على الورع:

فحص العباءة أو تأمل السروال من الطرق الجيدة للتحقق ما إذا كان الخاطب مسلماً متديناً، فإذا ما ظهرت على ملابسه علامات التلف حول الركبتين فهذا يدل على مدى انتظامه في السجود على ركبتيه أثناء الصلاة.

الأعمال الخيرية:

صواني الصدقة أو "صدقة تاشلاري"، هي أعمدة حجرية قصيرة ذات أوعية منحوتة على السطح على هيئة صواني. بنيت لتكون أوعية لجمع صدقات للفقراء. وكانت توضع في الغالب في زوايا الأماكن العامة مثل المساجد والمقابر. ويقوم الموسرون بترك نقوداً في هذه الأوعية كي يحصل المحتاجون عليها دون أن يلاحظهم أحد. وبذلك تحقق هذه الممارسة ثلاث ميزات هامة تختص بها الصدقات إذ تجنب الفقراء حرج التسول، ولا يأخذ المحتاج إلا كفايته تاركاً ما تبقى لمحتاج آخر ولا يضطر المتصدقون كذلك إلى كشف هوياتهم درءاً للتباهي.

المطابخ العامة "العمارة":

تطلق كلمة "العمارة" على المطابخ العامة التي كانت تكثر في المجمعات العامة التي كانت تعرف باسم "كلية" والتي كانت سائدة في العصر العثماني. ويمكن أن تشمل هذه المجمعات دور العجزة والمدارس والحمامات التركية والمصحات العامة. وهي تكافئ مطابخ الحساء الحالية التي تقوم بإعداد وجبات الطعام التي تقدم للفقراء مجاناً.

وكانت المطابخ في العصر العثماني تقدم حساء الأرز مع الحمص في الصباح وحساء القمح في الليل، وكان الفقراء من عامة الناس ينعمون بوجبات خاصة في الأعياد والعطلات وتكون عادة نوعاً من لحم الضأن والأرز.

ولا تزال هذه العادة مستمرة حتى يومنا هذا على غرار المطابخ العامة التي كانت تخدم الآلاف خلال العهد العثماني وكانت جزءاً لا يتجزأ من الأخلاق الإسلامية المتكاملة المتمثلة في تقديم الصدقات.

قيم الاحترام في المجتمع العثماني:

حظيت القيم الاجتماعية بمكانة هائلة في المجتمع العثماني القديم ولا تزال هذه القيم تتمتع بعظيم اعتبار بين الأتراك اليوم وخاصة الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، إذ كان من الوقاحة الشديدة في العهد العثماني على سبيل المثال أن يمشي من هو أصغر سناً أمام كبار السن.

وبالمثل، لا يصعد الرجال أبداً على الدرج أمام المرأة ليس فقط من أجل ألا يديروا ظهورهم للنساء ولكن الغرض من ذلك أيضاً ضمان أنه إذا سقطت إحداهن فسيكون وراءها رجل يمسك بها ويعينها على النهوض. وكذلك كان الرجال دائماً ينزلون الدرج أولاً حتى يتمكنوا من حماية المرأة النازلة خلفهم في حال سقوطها.

وعندما يحين وقت صلاة الجمعة، يغلق التجار محالهم التجارية للتوجه إلى المساجد لكنهم لا يقومون بوضع الأقفال عليها ولا يعمدون إلى إحكام إغلاقها بمن فيهم الصياغ وأصحاب محلات المجوهرات نظراً للأمانة التي كانت سائدةً في ذلك الوقت، كذلك بسبب احترام الناس لحرمة وقت الصلاة خصوصاً صلاة الجمعة.

المرآة هدية مستحبة ذات دلالات عميقة:

كان من الشائع في العهد العثماني أن يقدم الرجال الهدايا القيمة للنساء المقربات منهم، ولم يكن من الصعب العثور على الهدية المثالية لأن التقاليد كانت تدلهم على اقتناء المرايا الشخصية أو المرايا الجدارية كهدية تحمل الكثير من الدلالات والتي كان لها معنى متأصلاً حين تعكس صورة صاحبتها بأنه "لا هدية أجمل منك".


المصدر: ليلى إيفون إرغيل / ديلي صباح

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!