ترك برس

أعلن الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الفائت، تخصيص مبلغ 3 مليارات يورو إضافية للاجئين السوريين في تركيا حتى عام 2024، في خطوة أثارت تساؤلات حول تأثير حزمة الدعم المالي هذه على حياة السوريين في تركيا، وعمّا إذا كانت كافية لحل أزمتهم الإنسانية القائمة منذ سنوات.

وتهدف حزمة الدعم المالي، التي تذهب إلى المشاريع الإنسانية وليس الحكومات، إلى منع تدفق اللاجئين الجدد إلى الاتحاد الأوروبي، وكسب الوقت حتى تنتهي الحرب السورية التي استمرت 10 سنوات في نهاية المطاف.

وسلّط مقال على موقع "TRT عربي"، الضوء على تداعيات حزمة الدعم المالي، وانعكاساتها على حياة السوريين في تركيا.

وذكر المقال أنه حين النظر إلى الجهود التي تبذل لمعالجة هذه المعضلة الإنسانية، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، نجد أننا أمام نفق لا توجد له نهاية حتى ولو أرادت بعض القوى الفاعلة، وسعت بكل جهدها لإنهاء هذا الوضع، لأننا نتحدث عن أزمة خرجت من يد السوريين أنفسهم وباتت في يد الفاعلين الدوليين المتناحرين أصلاً فيما بينهم.

وأضاف أن "هذا لا يعني بأي حال التقليل من أي جهود إقليمية ودولية تصب في التخفيف من المعاناة على الأقل، بل جميعها جهود مطلوبة ولها أهميتها، إلا أن الأفضل هو القدرة على مخاطبة أصل المشكلة وحلها، وتأسيس تعاون دولي مشترك لتوفير الأمن اللازم الذي يضمن بالفعل عودة جزء كبير من اللاجئين السوريين إلى وطنهم."

وأكد أنه "على الرغم من أن (حزمة الدعم الأخيرة) إسهام لا بأس به، فإنه ليس كافياً بأي حال لمعالجة ملف السوريين في تركيا، فهنالك أكثر من 3.5 ملايين سوري على الأراضي التركية، وكان حريّاً بالاتحاد الأوروبي إلى جانب ذلك تقديم الدعم السياسي لأنقرة التي تحاول قدر المستطاع تشكيل مناطق آمنة في الداخل السوري تضمن عودة عدد مقدر من السوريين إليها، وهو ما رأيناه في العمليات العسكرية التي خاضتها تركيا في الداخل السوري بشكل مشترك مع قوات من المعارضة السورية."

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

من المفترض أن يظهر الاتحاد الأوروبي دعماً أكبر من حدود الدعم المالي الذي يقدمه للحد من موجات الهجرة نحو أوروبا من الأراضي التركية، وإذا كان يتخوف من قدوم اللاجئين إلى أراضيه عبر تركيا فعليه محاولة حل المشكلة من أساسها، ويأتي ضمن ذلك دعم تركيا بشكل فعال في مساعيها لتشكيل مناطق آمنة داخل سوريا.

وإلى جانب الدعم المالي والسياسي، هناك خطوات على الاتحاد الأوروبي أن يتراجع عنها في هذا الإطار، مثل انتهاكات حقوق الإنسان التي تصدر عن خفر السواحل اليوناني بشكل متكرر ومحاولة إغراق المهاجرين عمداً، وهنا لا نتحدث عن السوريين فقط بل عن عموم المهاجرين.

إلى جانب ذلك، بات من الملاحظ، لا سيما في الآونة الأخيرة ابتعاد بعض الدول الأوروبية عن المسار الذي بدأته قبل عشر سنوات منذ بداية الأزمة السورية، حيث باتت بعض الدول تعترف ضمنيّاً بالنظام السوري من خلال السماح للسوريين على أراضيها بالمشاركة في الانتخابات التي أطلقها النظام في مايو/أيار الماضي، وكان من الصدمة بالنسبة إلى السوريين موافقة العاصمة الفرنسية باريس على تنظيم مراكز اقتراع داخل السفارة السورية هناك

وفي هذا السياق تندرج أيضاً سياسة التهجير العكسي من قبل دول أوروبية كانت قد استضافت السوريين على أراضيها، والتي تمثلت في تشديد غير مسبوق يمكن أن يؤدي إلى ترحيل أعداد كبيرة من السوريين، كما حدث في الدنمارك، والتي تصف العاصمة السورية دمشق بأنها آمنة، على الرغم من أن الدنمارك لا تعترف بالنظام السوري وشرعية بشار الأسد.

وهناك مخاوف عدة من أن تنشأ عدوى في سياسة التهجير العكسي لتطال دولاً تستضيف أعداداً هائلة من السوريين على أراضيها مثل ألمانيا.

إذن إن مسألة تعاون الاتحاد الأوروبي مع تركيا في ملف السوريين لا تقتصر على تقديم حزم مالية بين حين وآخر، وهو ما يؤكده المسؤولون الأتراك دوماً، لا سيما حول ما يتعلق باتفاق مارس/آذار 2016 المرتبط بقبول طالبي اللجوء، وإلغاء تأشيرة الدخول للأتراك.

ولا شك أن سياسة الاتحاد الأوروبي في ملف السوريين هي جزء من تقاعس المجتمع الدولي عن التحرك بشكل مشترك لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات

بعد إخفاق الدول الأوروبية في مساعدة تركيا بشكل حقيقي على مواجهة أزمة اللجوء المستمرة من الأراضي السورية، رأت تركيا نفسها مضطرة إلى دخول الأراضي السورية وإنشاء مناطق آمنة قرب حدودها تضمن عودة السوريين، بيد أن التحركات التركية لن تسفر عن حل مستدام ما لم تحط بدعم دولي وأوروبي على وجه التحديد.

المبلغ المقدم لدعم اللاجئين السوريين في تركيا لا يقدم لكل السوريين، بل يتم توزيعه على العائلات التي تستوفي شروطاً معينة تتعلق بعدد الأولاد والحالة المدنية والإعاقة وما شابه، عبر برنامج يديره الهلال الأحمر التركي بالتعاون مع المفوضية الأوروبية.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذه المساعدات تشكل اليسير فقط أمام ما تقدمه تركيا في الأصل من تعليم وطبابة ودواء بالمجان تماماً للسوريين على أراضيها، كما أنها تسير وفق برنامج لمنح الجنسية التركية لعشرات الآلاف منهم وفق ضوابط محددة تتعلق بالأولوية التعليمية والمهنية.

حري بالقول إن هذه المساعدات الأوروبية الأخيرة تفتقر إلى خطوات عملية ملموسة تكمن في تحقيق مزيد من التعاون مع تركيا لحل الأزمة السورية، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتذكر أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي حاربت تنظيم داعش بشكل مباشر على عكس قوات التحالف الدولية.

على الاتحاد الأوروبي أن يثبت لتركيا أنها ليست وحيدة في تحمل عبء هذه الأزمة، إذا كان لا يرغب في مزيد من موجات الهجرة واللجوء.

كذلك الأمر بالنسبة إلى المجتمع الدولي المرهون بقرارات 5 دول فقط، عليه أن يواجه نفسه ويكون منصفاً إزاء تحمل هذه المسؤولية، وأن يحشد جهوده بشكل صادق وحسن النية من أجل حل هذه الأزمة وتحقيق استقرار في سوريا يساعد السوريين على مداواة جراحهم، وما سوى ذلك يعتبر حلولاً مؤقتة لا تقضي على المشكلة من جذورها بأي حال

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!