ترك برس

استعرض تقرير لموقع "تي آر تي عربي" التركي أبرز ملفات الخلاف بين أنقرة وأثينا لفهم المطالب اليونانية القابعة خلف ممارساتها الاستفزازية والمتعنتة، التي تغلب عليها لغة التهديد والتوتر والتصعيد، والتي تقف عائقاً أمام تأسيس علاقات حسن الجوار.

وبحسب التقرير، انتهجت اليونان من الممارسات الاستفزازية والتعنّت أسلوباً للتعاطي مع تركيا. والتوتر بين البلدين ليس وليد السنوات الأخيرة وحسب، بل إن جذوره ضاربة في القدم منذ بدء النزاع السلجوقي البيزنطي عام 1048، والذي ورثة العثمانيون بدءاً من عام 1300 واستمر على شكل انتفاضات شعبية في الأعوام الأخيرة التي سبقت نهاية حكم الدولة العثمانية بعد خسارتها للحرب العالمية الأولى، وما تبعه من غزو يوناني لتركيا، انتهى بدحرهم خلال حرب الاستقلال والتحرير التي قادها مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه بين عامي 1919 و1923.

وفي القرن الأخير، بعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، كانت العلاقات بين اليونان وتركيا تمر بحالة فتور قبل اشتعال أزمة التنقيب عن الغاز شرق الأبيض المتوسط. واقتصرت خلافاتهما على قضية عبور المهاجرين عبر الحدود التركية إلى داخل اليونان، واعتراض اليونان على قرار أنقرة تحويل متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد منتصف عام 2020، ولا ننسى بالتأكيد الأزمة التي عاشها الطرفان بعد قيام تركيا بـ"عملية السلام" في جزيرة قبرص عام 1974.

وقبل أيام، شهد فريق "غلاطة سراي" التركي آخر محاولات أثينا الاستفزازية، فقد قُوبل الفريق التركي الذي ذهب للعب مباراة ودية مع نظيره اليوناني فريق "أولمبياكوس" بأسلوب تعامل غير متوقع، حيث جعلت السلطات اليونانية قافلة الفريق تنتظر لفترة من الوقت في المطار متحججة بعدم صلاحية اختبارات كوفيد 19 (PCR) التي قام بها طاقم الفريق، الأمر الذي اضطر الفريق إلى العودة إلى تركيا وإصدار بيان استنكار وتنديد بالأفعال اليونانية.

غاز شرق المتوسط

شهدت السنوات الأخيرة اشتعال أزمة البحث والتنقيب عن غاز شرق المتوسط بين تركيا واليونان، حيث تعمل اليونان على توسعة جرفها القاري بشكل يتعدى على السيادة التركية بشكل يخالف وينافي القانون البحري الدولي، فضلاً عن محاولاتها المستمرة لحشد الحلفاء إلى جانبها من أجل محاصرة تركيا وفرض عزلة وعقوبات دولية عليها.

في المقابل، ردت أنقرة بشكل صارم على التحركات اليونانية الاستفزازية التي تسعى لمحاصرة تركيا داخل جرفها القاري، ومحاولاتها برفقة دول أوروبية في إقصاء تركيا وسرقة حقوقها المتعلقة بملف البحث والتنقيب عن مصادر الطاقة الطبيعية شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث أضحت تركيا أكثر تصميماً على عدم التفريط بحقوقها البحرية في ما باتت تسمّيه "الوطن الأزرق".

وجاءت التحركات الاستراتيجية من تركيا، واحدة تلو الأخرى، بدءاً من إرسال سفن تركية للبحث والتنقيب في منطقة النزاع، مروراً بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا أواخر عام 2019، وإنشاء قاعدة للطائرات المسيّرة في جمهورية شمال قبرص التركية، وصولاً إلى إطلاق مباحثات لتطبيع العلاقات مع مصر قد ينجم عنها اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين على غرار تلك التي وقعتها مع الحكومة الليبية.

جزر بحر إيجة

تتكرر المناوشات والمضايقات بين القوات الجوية والبحرية لأنقرة واليونان بسبب الخلاف على الجزر الموجودة في بحر إيجة، والتي تعد من أبرز ملفات الخلاف حساسية في العلاقة بين البلدين، حيث تعتبر ركيزة نزاع أساسية تتخذها اليونان ذريعة من أجل تمديد سيطرتها على المجال البحري والجوي في بحر إيجة.

وبسبب التطورات التي تحدث في بعض الأحيان، والتي تصل إلى حد الاشتباك العسكري، وسط تحذيرات دولية من إمكان أن تؤدي إحدى هذه المناوشات إلى اشتباك عسكري أوسع بين البلدين، خصوصاً أن حدة التوتر في تصاعد منذ مطلع التسعينيات، وسط سباق تسلح بين البلدين.

وفي عام 1995، أعلنت تركيا أن توسيع اليونان مجالها البحري والجوي سيعتبر سبباً للحرب، لا سيما أن المطالب اليونانية لم تقتصر على المجال البحري، بل تعدته إلى المجال الجوي أيضاً، وذلك حين أعلنت اليونان مد مجالها في بحر إيجة من 6 إلى 10 أميال.

جزيرة قبرص

دخلت جزيرة قبرص تحت ظل حكم الدولة العثمانية بعد جلاء البنادقة الإيطاليين عنها عام 1571، وحل محلهم السكان الأتراك. ومنذ ذلك التاريخ، ظلت قبرص تابعةً للدولة العثمانية طوال ثلاثة قرون، شهدت فترات من الاستقرار والازدهار، وفترات أخرى من الاضطراب السياسي والاجتماعي.

ومنذ عام 1878 ولغاية عام 1960، ظلت قبرص تحت الوصاية البريطانية. وبعد نيل استقلالها اتفقت الدول الثلاث: بريطانيا، وتركيا، واليونان، على طريقة الحكم في الجزيرة، واتُفق على أن تشارك الأقلية التركية في الحكم، لكن الغالبية اليونانية التي تشكل نحو ثلثي سكان الجزيرة، لم تنفذ ما عليها من التزامات، فنشب خلاف بين الطرفين تطور حتى أصبح يعرف بـ"المشكلة القبرصية"، والتي على إثرها اُحتلت الجزيرة من قبل المجلس العسكري اليوناني.

وبعد تعرض الأقلية التركية لمضايقات وأعمال قتل وتهجير، تحرك الجيش التركي على الفور لحماية الأقلية التركية الموجودة في الجزيرة، وأطلق عملية عسكرية عُرفت باسم "عملية السلام" عام 1974، وإعادة الوضع السياسي لقبرص إلى طبيعته، ومن ثم أعلنت تركيا الجزء الشمالي من الجزيرة فيدرالية تركية في عام 1983، الأمر الذي أثار حفيظة اليونان والدول الغربية، واتخذ ذريعة لاحقاً من أجل تعطيل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

الأقلية التركية في اليونان

بعد تأسيس الجمهورية التركية الحديثة وفق معاهدة لوزان عام 1923، والتي على أثرها انسحبت اليونان من إقليم تراقيا التركي بعد خسارتها الحرب أمام قوى المقاومة التركية في سقاريا ومن ثم إزمير، وُقع على اتفاقية التبادل السكاني بين تركيا واليونان في 30 يناير/كانون الثاني 1923، واستُثني منها أبناء الأقلية التركية في تراقيا الغربية شمال شرقي اليونان.

ويسكن قرابة 150 ألف شخص من الأقلية التركية المسلمة المناطق الممتدة ما بين نهر مرج "إيفروس" الذي يفصل بين حدود البلدين، حتى مدينة "قوله" ونهر "قره صو" في إقليم تراقيا اليوناني، بالإضافة إلى نحو 6 آلاف آخرين يعيشون في جزيرتي رودس وكوس، يناضلون جميعاً من أجل الحصول على حقوقهم الاجتماعية والحقوقية أسوةً باليونانيين.

ومنذ توقيع اتفاقية التبادل السكاني قبل أكثر من 97 عاماً، ما زالت الأقلية التركية المسلمة التي تسكن إقليم تراقيا الغربي تعاني من مشاكل متنوعة وانتهاكات مستمرة وحرمان من أقل الحقوق الإنسانية، بدءاً من استثنائهم من اتفاقية التبادل السكاني، مروراً بالانتهاكات الشديدة للحقوق الأساسية إبان فترة حكم العسكر لليونان ابتداءً من عام 1967 ولغاية سقوطهم في أعقاب "عملية السلام" التركية في جزيرة قبرص عام 1974، وصولاً إلى الأزمة الحالية المتمثلة برفض الحكومة اليونانية الاعتراف بهويتهم العرقية فضلاً عن التدخل في شؤونهم الدينية والتعليمية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!