ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

قيس سعيد إلى تمديد تجميد البرلمان وأكثر

من غير طاولة الاجتماعات الفخمة التي تتقدم مكتبة الكتب الكبيرة التي تعج بالكتب، التي ترسم مشهد الاستاذية الذي به ألقى قيس سعيد كلمته الأولى ليفجر قيم الديمقراطية التي أرستها ثورة تونس العظيمة بحجة الحفاظ على الدولة من الخطر الداهم، صدر بيان رئاسي على منصة التواصل الاجتماعي فيس بوك بتمديد قرار  تجميد البرلمان، البيان الصادر بليل كان معبرا عن الحالة التي يعيشها قيس سعيد الواعد بخارطة طريق قبل أن ينقلب عليها ويكفر بكتب الجغرافيا نفسها لأن المصطلح من صنع الغرب، وأن من يدعو له زنادقة يتبعون الغرب الضال، على الرغم من أن الرجل نفسه حج إلى الإليزيه مرتين خلال عام من ولايته، ليدعو رئيسه إلى أن ينعم عليه من فضل زاده، وهو ما وعد به ماكرون ولم ينفذه.

لكن ماكرون الذي بارك خطوة تمديد تجميد البرلمان لم ينعم على سعيد إلا بمزيد من الدعم المعنوي لسحبه أكثر إلى بحر الشعبوية العميق، والموج الأزرق في عينيه يناديه نحو الأعمق، لكن سعيد الأكاديمي والحاصل على تقدير ضعيف جدا في السياسة، ما عنده تجربة في السياسية ولا عنده زورق، مع الاعتذار للفنان عبد الحليم حافظ.

هذه الشعبوية القميئة التي انتشرت في أوروبا خلال السنوات الخمس الأخيرة وصعدت معها أحزاب وشخصيات ليس لها ذكر، إنما يلعبون على كراهية يبدو أنها عبرت البحر كما عبر فيروس كورونا وأصابت الشقيقة تونس، لكن الأخطر في القرار الذي نشر على فيسبوك هو تلك الاتهامات المبطنة بملاحقة أعضاء البرلمان بجرائم لم تعرف كما تلك المدة التي لم تحدد لتجميد البرلمان.

ليؤكد سعيد ظن الجميع بأن لا خريطة لديه ولا خطة.        

الغنوشي يرد عليه بإقالة مكتبه التنفيذي

من جهته وردا على القرار الذي أصدره سعيد بتمديد تجميد البرلمان، كان قرار راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، الخصم الأكبر لسعيد، بحل المكتب التنفيذي لحركة النهضة، لينحل معه عقد الحركة، كما يبدو في المشهد أو هكذا قذف في روع كل من تابع القرار وتوقيته وعلى رأسهم أنصار النهضة.

يقول العارفون ببواطن الأمور داخل الحركة، إن حل المكتب التنفيذي كان منتظرا منذ فترة، والتي حددت من قبل المصادر قبل مايو الماضي أي قبل الجمعية العمومية التي تم تحديد موعدها وتأجلت، وبحسب المعلومات فإن عددا من أعضاء المكتب طالبوا بحل هيئة المكتب، واقترحوا على الشيخ راشد الغنوشي تقديم الاستقالة تباعا، ويظهر المشهد على أنه انشغالات أو عوارض للأعضاء حالت دون استكمال النصاب ومن ثم تسهل المهمة لائحيا في حل المكتب ولا يؤثر القرار سلبا على الأنصار، إذا ما تم الحل بقرار منفردا أو تمت الاستقالة جماعية، وكان الهدف بحسب المصادر فتح المجال لدم جديد، وهو ما لاقى تسويفا  من الغنوشي.

لكن وفيما يبدو أن الأزمة التي صنعها قيس سعيد أدارت الدفة إلى اتجاه آخر، وأصبح لزاما أن يكون الرجل القوي في مواجهة الأزمة، فيضحى بالمكتب لإرسال رسالة لصانع الأزمة أننا ها هنا قاعدون، وأن عملية الاستبدال التي تنتظرها لن تتم وسأواجه بعد سيل سهام الاتهامات التي أطلقت على الحركة والمقصود بها رئيسها.

أخبار سارة لدعاة اللا حزبية.. بعث جديد للقذافي

تقول النكتة أن فلاحين اشتريا حمارين، فأرادا أن يميز صاحب كل حمار حماره، فقطع الأول أذن حماره اليمنى فوجد الثاني قد فعل مثله، فقط الأول أذن حماره اليسرى، فوجد الثاني قد فعل مثله، فقطع الأول قدم الحمار اليمني، فوجد الثاني قد فعل مثله، فقطع اليسرى، فوجد الثاني قد فعل مثله، فمات الحماران وسكبت علبة الطلاء.   

الأخبار السارة في كل ما حدث في تونس هذا الأسبوع تلقفه دعاة اللا حزبية واللا ديمقراطية، وهو ذلك الهدم المتعمد من الجميع لثوابت العمل السياسي والحزبي وقواعده، وهدم قيم الديمقراطية التي أرستها ثورة الياسمين، فالفوضى هي سيد الموقف في تونس والدكتاتورية تزرع على مهل، بذرها سعيد وينميها الغنوشي، على مبدأ (مافيش حد أحسن من حد).

فسعيد كما وصفه صافي سعيد أنه عدو للأحزاب وللدمقراطية والمؤسسات التي تنتجها الديمقراطية، ويرى أن هذه المؤسسات معوقة، فسعيد يرى أن الديمقراطية التمثيلية وهم كبير وخدعة يتم الالتفاف بها على إرادة المواطن، وهو ما يعني أن الكتاب الأخضر لفقيد المسرح السريالي العقيد معمر القذافي، وعلى خطاه يسير سعيد القذة بالقذة، حتى إذا ما دخل قذافي جحر ضب سيدخله سعيد، وهو ما يتخوف منه ثوار تونس وأنصار الديمقراطية، حيث الكل يتربص ويترقب قرارا بتجميد الدستور، أخر مكتسبات الثورة، وهو ما ألمح إليه سعيد أكثر من مرة بانتقاده وانتقاضه ما جاء في دستور الثورة، ولعله بذلك يكتب كتابه الأخضر الجديد على رسم تونس.

أما الغنوشي فكالتي نقضت غزلها من بعد قوة، فقرار حل المجلس التنفيذي ينبئ عن نبتة دكتاتورية تنبت في قلب النهضة، فالرجل يسعى للبحث عن فتوى قانونية تبيح له دورة ثالثة على خلاف اللائحة الداخلية للحزب قبل المؤتمر العام المقرر له أكتوبر القادم بعد أن تأجل بحجة جائحة كورونا، وفي الحقيقة الرجل يبحث عن التفافة على جماهير النهضة ولوائحها ولعل أفضل فرصة الآن أن يبقى تحت ضغط الظروف الراهنة والتحدي الذي يصل إلى حد الخطر الداهم على الحركة وعلى تونس، فسعيد يريد الخلاص من النهضة وهذا واضح، ويريد الخلاص من مكتسبات الثورة والديمقراطية، وكما من جريمة ارتكبت باسم الأزمات .         

خريطة طريق تونس التي ضاعت بين سعيد والغنوشي

من يتحدث عن الخرائط ليذهب إلى كتب التاريخ، أما الخريطة التي أتبعها والطريق الذي اسلكه وسأسلكه هي الطريقة التي خطها الشعب.. هكذا رد سعيد على من يريد استبيان مستقبل تونس بعد قراراته في 25 يوليو الماضي، هذا الخطاب المتحدي لا شك كان المعني به جمهور مناهضة الانقلاب، وعلى رأسهم جمهور حركة النهضة بالنتيجة، ولأن الرجل لم يجد من يقف أمامه، اتخذ قراره بتمديد تجميد البرلمان وزاد برفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان مع تلميح بقضايا فساد سيلاحقون قضائيا جرائها..

في المقابل تقمص الغنوشي أحد شخصيات أبطال العرب الأسطوريين، وأراد نزالا رجلا لرجل، فأقال المكتب التنفيذي للحركة ليترجل مواجها الرئيس صاحب الصلاحيات المطلقة الآن، منفردا هو الآخر بالسلطة كما سعيد وكل على قدره وما أنعمت عليه به الصدف.

أما أنتم أيها التونسيون فلا تنتظروا خيرا، فلا هذا وجماعته عنده الخريطة ولا ذاك وحلفاؤه عنده البوصلة، والخريطة والبوصلة بيدكم أنتم أيها الثوار، فالحالة التي صنعتها الثورة من حريات لن تفي بآمال الشعب الراغب في الخروج من عجز الموازنة وشحة الاستثمارات ومن ثم ندرة الوظائف، الهم الحقيقي هو هم البناء، والحفاظ على المكتسبات، فآن الأوان أن تتحرك الكتلة الثورية الصلبة من الشباب لتشكيل ملامح المرحلة القادمة ورسم خريطة تونس من غير نتوءات النظام القديم الذي استطاع أن يندس في الحياة السياسية بعد الثورة، وكذا النظام الرجعي الذي يريد أن يستدعي روح الجماهيرية العربية الشعبية التشاركية، وأخيرا، الأحزاب والجماعات التي تماهت وتحالفت مع النظام القديم بحجة المحافظة على المكتسبات وهي تحافظ على كيانها دون النظر لما حولها.. أخوتي ثوار تونس أنتم علمتمونا الأبجدية الثورية وآن الأوان أن تعلمونا رسم الخرائط. 

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس