ياسر التركي ـ خاص ترك برس

شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2021، تقلبات كبيرة صعودا وهبوطا في سعر صرف الليرة التركية، وخاصة الانتعاش الكبير الذي شهدته العملة المذكورة في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أداة مالية جديدة تدعم إبقاء الأصول بالليرة.

وعقب الإعلان عن الأداة المالية الجديدة وثبات سعر صرف الليرة التركية عند حد 13 ليرة مقابل الدولار الواحد، ظهرت تساؤلات عديدة عن إمكانية عودة تركيا إلى تطبيق نظام سعر الصرف الثابت بدلا من الحر.

وقبل الحديث عن إمكانية العودة إلى النظام الثابت لا بد لنا في البداية توضيح النظامين، مع ذكر سلبيات وإيجابيات كل منهما.

نظام سعر الصرف الحر أو التعويم

تعويم العملة هو جعل سعر صرف عملة محددة محررة بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديد قيمتها بشكل مباشر، بل يتم ذلك في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.

وللتعويم عدة أشكال منها:

- التعويم المطلق: يتم من خلاله ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر.

- التعويم المدار (الموجّه): يتم من خلاله تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل عبر مصرفها المركزي حسبما يراه محققا لمصلحة الاقتصاد القومي.

إيجابيات تعويم العملة:

1- القضاء على السوق السوداء، لأن المتعاملين يجدون أمامهم سعر صرف واحد في البنوك والمصارف ولدى كافة المتعاملين مع العملات الأجنبية.

2- تضييق الخناق على جرائم غسل الأموال، التي تجد في السوق الموازية (السوداء) لسعر الصرف منفذًا مهمًا لممارسة جرائمها، لأنه في حالة التعويم لا يكون التعامل بالنقد الأجنبي إلا عبر المنافذ الرسمية.

سلبيات تعويم العملة:

يعدّ ارتفاع معدلات التضخم، والركود ومعدلات البطالة في الأجل القصير من أبرز الجوانب السلبية لتعويم العملة. كما أنه هذه الحالة تؤدي إلى تضرر المنتجين والمستوردين، بسبب ارتفاع فاتورة الإنتاج والاستيراد، إلى جانب تضرر الدولة التي عليها ديون للخارج، وارتفاع أعباء سداد فاتورة ديونها الخارجية، وبخاصة في ظل قلّة مواردها من النقد الاجنبي.

نظام سعر الصرف الثابت

وهو عبارة عن نظام تقوم بها الحكومات بتحديد سعر صرف ثابت لعملتها المحليّة بالمقارنة بعملة أجنبيّة معيّنة، وفي بعض الأحيان بالمقارنة مع عدّة عملات أو أصول أخرى مثل الذهب.

الجوانب الإيجابية لنظام سعر الصرف الثابت:

1- توسيع التجارة، حيث إن ثبات أسعار الصرف يخلق حالة من الاستقرار في الأسواق المالية وبعيدة عن أيّة تغييرات في المستقبل القريب، وذلك يوفر للأفراد والشركات والمستثمرين وضع خطّة مستقبليّة بسبب زوال مخاطر تقلّبات العملة.

2- يساعد سعر الصرف الثابت في حماية العملة الوطنية من التقلبات وتأثيرها على مستوى المعيشة للسكّان والنموّ الاقتصادي بشكل عام.

الجوانب السلبيّة لنظام سعر الصرف الثابت:

1- على الحكومات أن توفر كميّة كبيرة من الاحتياطي الأجنبي من أجل ضمان نظام سعر الصرف الثابت بين عملتها والعملات الأخرى.

2- احتمالية تخلّي الدولة عن هذا النظام دون سابق إنذار في حال حدوث مشاكل قلة الاحتياطي وتراجع النموّ الاقتصادي، ومن الممكن أيضاً أن تصبح الحكومة عاجزة عن الحفاظ على هذا النظام.

هل تعود تركيا إلى نظام الصرف الثابت؟

طبقت تركيا نظام سعر الصرف الثابت حتى الثمانينيات من القرن الماضي، وخلال تلك الفترة وبسبب طبيعة هذا النظام كانت وزارة المالية في البلاد تتحكم في الكمية والزمان المناسبين لبيع وشراء العملات الأجنبية.

وبالتالي تسبب هذا النظام في ظهور السوق السوداء التي تسمح بتدفق العملات الأجنبية بشكل غير قانوني إلى البلاد عند عدم مقدرة الحكومة في تلبية الطلبات على العملات الأجنبية.

إلا أن التغيرات التي وقعت في الاقتصاد العالمي والتقلبات في التجارة الخارجية للدول، جعلت سعر الصرف الذي يحدده البنك المركزي أمراً غير مستدام.

واعتبارا من 1 مايو/ أيار 1981، بدأ البنك المركزي التركي الإعلان بشكل يومي عن القيمة السوقية لليرة التركية مقابل الدولار، لتتحول تركيا من نظام الصرف الثابت إلى العائم الموجه.

وفي الوقت الحالي، نرى بأنه لا يمكن لتركيا العودة بسهولة إلى نظام الصرف الثابت، لأنها دولة تعتمد على نظام مالي تكون فيه حركة رؤوس الأموال حرة، والنظام الصرف الثابت يفرض على الدولة التحكم في تدفق رؤوس الأموال الداخلة والخارجة من البلاد وإليها، إضافة إلى التخلي عن قابلية التحويل في التعاملات المالية والاقتصادية.

وبالتالي يمنع هذا النظام (الثابت) الأشخاص والشركات من إمكانية تحويل الأموال من العملة المحلية إلى الأجنبية في الوقت الذي يريدونه، لأن الحكومة هي التي تقرر من ومتى سيحصل على الأموال الأجنبية، وهي التي تمنح الإذن لإرسال وجلب العملات الأجنبية من الخارج.

ووفقا لذلك، لكي تتحول تركيا من نظام سعر الصرف الحر إلى الثابت يجب عليها التحكم في حرية تحركات رؤوس الأموال وإلغاء قابلية التحويل، وتوفير كميات كبيرة من العملات الأجنبية.

وفي ظل بلوغ الدين الخارجي لتركيا بلغ 448,4 مليار دولار في مارس/ آذار 2021، وارتفاع احتياجات النقد الأجنبي بسبب العجز في الحساب الجاري المتراوح بين 30 إلى 40 مليار دولار سنوياً، وبلوغ الديون قصيرة الأجل 177 مليار دولار، فإن العودة إلى النظام الثابت يجبر الحكومة على توفير كميات كبيرة جدا من العملات الأجنبية لتلبية الطلب عليها وإلا سيؤدي إلى ظهور سوق سوداء للعملات الأجنبية فورا، وظهور اقتصاد الظل، أي الموازي للاقتصاد الرسمي.

ويؤدي ظهور السوق السوداء واقتصاد الظل إلى حدوث اضطرابات في الاقتصاد الرسمي منها:

1- تتعرض الدولة لخسائر كبيرة لأنها لن تستطيع تحصيل ضرائب أو رسوم على تلك الأموال الضخمة المتداولة في السوق السوداء.

2- هروب المستثمرين بسبب القلق من وجود سعر رسمي غير حقيقي ومتدني للعملة المحلية في البنوك، مع وجود أكثر من ضعف هذا السعر في السوق السوداء.

3- تداول العملات الأجنبية في السوق السوداء لارتفاع قيمتها وانخفاض كميتها في البنوك.

الخلاصة

تطبيق نظام الصرف الثابت ليس عبارة عن اتفاقات وتنفيذ قرارات فقط، بل خطوة تجبر الحكومات على أن تضمن مبلغاً معيّناً من أجل الضمان والحفاظ على عملتها أمام العملات الأخرى المدرجة ضمن خيارات التداول.

كما أن نظام الصرف الثابت – باعتقادي الشخصي- ورغم الاستقرار والأمان الذي يوفره في التعاملات المالية الدولية، لا يناسب بلدا كبيرا مثل تركيا، وذلك لطبيعة اقتصادها المتنوع وغير النفطي فضلا عن أن الصرف الثابت يفقدها استقلالية سياستها النقدية والتحكم بسعر الفائدة لأنها عندئذ تتحدد بحسب تغيرات قيمة العملة المرتبط بها.

عن الكاتب

ياسر التركي

مهتم بالشؤون الاقتصادية والتاريخ التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس