ترك برس

الحوار الجاري حاليا بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشأن الأزمة الأوكرانية، ليس بنّاء حتى الآن ... فالأطراف يكررون أطروحاتهم دون الاستماع إلى بعضهم البعض. وهذا لا يفيد الحل.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعرب في مناسبات عديدة عن رغبة بلاده في لعب دور أكثر فاعلية في الأزمة الأوكرانية، أو القيام بدور الوسيط.

يمكن أن يكون موقف تركيا التي تتمتع بعلاقات إيجابية مع كل من روسيا وأوكرانيا، فرصة ملائمة من حيث تقليل التوتر المستمر بين الجانبين وإحراز تقدم من خلال الوسائل الدبلوماسية لحل المشكلة.

نقول إنه قد يكون كذلك، لأن المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وروسيا بأشكال ومستويات مختلفة، والتي يشارك فيها الناتو أيضًا من وقت لآخر، تشبه حوار الصم إذا جاز التعبير.

ولأن كلا الطرفين يريد فقط الإعلان عن أطروحته الخاصة، لذلك يبقى ما يقوله الجانب الآخر في الهامش بالنسبة له، وإن تكرار المفاوضات لن يسفر عن أي نتائج. لدرجة أنه قبل اجتماعهما الأخير، أعلن وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا شخصيًا للعالم أنهما لا يتوقعان نتائج من هذه المفاوضات.

فلغة الجسد والمواقف المتبادلة والإيماءات وتعبيرات الوجه لبلينكن ولافروف؛ كان يقول بشكل مباشر وواضح أنهم لم ينووا التوصل إلى اتفاق. في هذه الحالة، سيكون من غير المجدي أن نتوقع صدور نتائج إيجابية من المفاوضات.

وقبل كل شيء ما يجب أن ندركه هو أن الصدق والإخلاص مطلوب من أجل الحصول على فرصة لإيجاد حل لأزمة الأوكرانية.

هل الاقتراحات التي قدمها الغرب لأوكرانيا تتطابق تمامًا مع الحسابات التطلعية لكييف؟ أم هو توجيه من جانب واحد مرفقة بسياسة الجزرة والعصا؟، ما هو الخيار الذي كان يمكن لأوكرانيا اتخاذه لتأمين مصالحها الخاصة؟، من الضروري لكييف أن تجري تقييما من خلال أخذ الأحداث الماضية بعين الاعتبار. إلى أي مدى يمكن لأوكرانيا إجراء هذا التقييم تحت تأثير الوضع الحالي؟، في هذه المرحلة بالذات، تحتاج أوكرانيا إلى مشورة ودعم الصادقين معها.

في هذه المرحلة، إن أول شيء يجب العمل عليه هو تقليل التوتر الحالي بين روسيا وأوكرانيا قليلاً، وهذا أمر صعب للغاية في ظل استمرار السياسات الحالية للغرب والموقف الروسي الراهن. وهنا بالذات يظهر دور تركيا التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كلا الطرفين، أنقرة في موقع الوسيط الذي قد يكون له تأثير إيجابي يسهل عملية الوصول إلى حل ينهي أو يخفف حدة التوتر.

الرئيس أردوغان أعلن أنه سيتوجه إلى أوكرانيا في الأيام المقبلة. بعد ذلك ، صرح أنه يمكنه الذهاب إلى روسيا أيضًا ...

حتى الآن، وردت تصريحات إيجابية من كل من موسكو وكييف بشأن دور الوساطة المحتمل لتركيا. روسيا في وضع صعب بسبب الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الغرب. بالطبع ، لا تريد أن يصبح الأمر أكثر صعوبة ...

وبالمثل، بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وضمها إلى أراضيها، لا تريد أوكرانيا أن تعاني أراضيها الأخرى مصيرا مماثلا.

في هذه المرحلة بالذات، يجب منع التنافس على السلطة والصراع على النفوذ القائم بين الغرب وروسيا، من دفع الأزمة الأوكرانية إلى طريق مسدود.

وهنا ستؤدي وساطة تركيا المحايدة وذات النوايا الحسنة حقًا إلى بعض النتائج الإيجابية وستكون كل من روسيا وأوكرانيا مسرورة من هذه الآلية.

لكن في المقابل هناك بعض العوائق التي تعرقل نجاح الوساطة التركية في حل الصراع الروسي الأوكراني، فمن هذه العوائق..

أولا.. هناك بعض الشروط الأساسية لتكون وسيطًا في نزاع دولي. فمن الضروري التواصل والتعاون مع جميع الأطراف التي لديها مشاكل. ومن الضروري أيضا أن تثبت أنك وسيط موثوق به وموضوعي، ليس فقط لدى الأطراف المعنيين بالمشكلة، ولكن أيضًا للعالم. وعندما يريد أحد أطراف التفاوض مغادرة طاولة الحوار، يجب أن تكون لديك الوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية لإبقائه على طاولة المفاوضات. فهل تركيا التي تريد التوسط بين أوكرانيا وروسيا لديها كل هذه المقومات؟.

ثانيا.. كما هو معلوم للجميع فإن روسيا غير مرتاحة من صفقة بيع تركيا طائرات مسيرة إلى أوكرانيا، وكذلك مستاءة من رفض أنقرة الاعتراف بضم موسكو لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها، وقد لا ترى تركيا وسيطًا محايدًا في هذه الأزمة. وهذا يعيق عملية التفاوض منذ البداية. ويعيق تقدمه.

ثالثا.. لروسيا تأثير قوي على تركيا. فهي من بين الشركاء الثلاثة الكبار لأنقرة في التجارة الخارجية. وهي أكبر مورد للغاز الطبيعي. علاوة على أنها تبني لتركيا أول محطة للطاقة النووية. إنها واحدة من الدول التي ترسل إلى تركيا أكبر عدد من السياح. ومن خلال بيعها لأنقرة نظام الدفاع الجوي "S-400"، فقد زادت من تأثيرها على المنظومة الدفاعية لتركيا وأمنها القومي.

رابعا.. فيما يخص الملف السوري، نعلم أن تركيا عضو في منصة أستانة إلى جانب روسيا وإيران. لذا فإن أنقرة تدرك ثِقل روسيا في سوريا. وفي ليبيا أيضًا تتخذ تركيا موقفا يتعارض مع موقف الروس. وهذان الملفان أيضا يشكلان عاملا من العوامل التي قد تعيق وساطة تركيا.

خامسا.. عندما تقدّم تركيا نفسها للعب دور الوسيط، هل ستفعل ذلك كتركيا وحدها أم كعضو في الناتو تمثل الولايات المتحدة وكتلة الأطلسي برمتها؟. الروس حتى لو قبلوا بوساطة تركيا لحل الأزمة الأوكرانية، فإنهم سيضعون عضوية تركيا في الناتو بالحسبان.

سادسا.. الكل يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكيةتسعى جاهدة لضم أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو. وتركيا لا تعارض ذلك، فالروس لم ينسوا هذا الأمر أيضا.

باختصار، على تركيا أن تكون حريصة بشأن الملف الأوكراني، وأن تراقب التوازن مع روسيا، وألّا تقع في فخ الولايات المتحدة الأمريكية، وعليها أيضا التفكير في المخاطر المحتملة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!