علي الصاوي - 180 نيوز

بلغت الأزمة الروسية الأوكرانية ذروتها في الأيام القليلة الماضية، بعد تَعذّر الوصول إلى صيغة تفاهم سياسي بين الأطراف المتنازعة، لخفض حدة التصعيد، فقد أعلنت موسكو فشل التواصل مع كييف في حين كانت مخرجات مكالمة الرئيس بايدن ونظيره بوتين الأخيرة دون المأمول المنتظر ووصفها مسؤولون أمريكيون بالمكالمة "الهستيريا"، فقد سربت صُحف أمريكية على لسان "بايدن" بأن الغزو الروسي لأوكرانيا أصبح وشيكا في خلال أيام قليلة، كما أن تحذيرات واشنطن لرعاياها في أوكرانيا لمغادرة البلاد يؤكد المعلومات الأمريكية حول عزم بوتين غزو كييف وفقا للرؤية الأمريكية.  

وتخشى العديد من الدول الأوروبية حدوث أي صدام عسكري قد يترتب عليه خسائر اقتصادية وموجة نزوح جماعى، أبرز تلك الدول هى فرنسا وألمانيا وتركيا، فما زالت فرنسا تُشكّك في صحة المعلومات الأمريكية بأن هناك ميعاد روسي محدد لغزو أوكرانيا، كما أن موقف ألمانيا لم تضح معالمه حتى الأن، بل إن تصريحات مسؤوليها بدت على استحياء بأنها مع تهدئة الأجواء بين الطرفين، وأنها ليست مستعدة فقط للحوار، بل تصر أيضا على عدم التصعيد وسحب تدفق القوات الروسية التى اعتبرته ليس تهديدا حقيقيا.

تركيا والمعادلة الصعبة

 لكن الأمر لتركيا يبدو معقدا بسبب العلاقات الجيدة التى تربطها بروسيا لذلك تحاول أن تقف على الحِياد بين تلك الصراعات قدر الإمكان للحفاظ على مصالحها لدى الأطراف المختلفة سواء مع الروس أو الأوكران أو الغرب، بالإضافة إلى سعيها نحو إخماد الحرب التي ظهرت بعض معالمها باصطفاف آلاف المجندين والدبابات الروسية على الحدود الأوكرانية، والعمل على التوصل إلى نِقاط توافق تُرضي جميع الأطراف.

ويرى محللون سياسيون أنه في حال غزت روسيا أوكرانيا، فقد يُلزم ذلك تركيا أخذ موقف سياسي واضح بسبب عضويتها في الناتو، وهو ما لا يرغب به أردوغان، حيث ستقع أنقرة في موقف صعب للغاية، ما قد يدفعها للبحث عن تكلفة الفرص البديلة بين الوقوف مع روسيا أو الاصطفاف بجانب أوكرانيا.

أدّت تركيا دورا بنّاءً عام 2008  في التوصل إلى تسوية مؤقتة بين جورجيا وروسيا بعد حربهما القصيرة، ومن مصلحتها اليوم أن تتخذ نهجًا مماثلًا في التخفيف من حدة الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، قبل أن تتصاعد فتؤثر على نحو مباشر في المصالح التركية في المنطقة.

ونظرًا إلى سلوكيات تركيا السابقة في الأزمات والمستوى الحالي لعلاقاتها بالبلدين، ففي إمكانها أن تبدأ حوارًا ثلاثيًا يُقلّص الأزمة الناشئة، على غرار منصة الاستقرار والتعاون القوقازية التي أطلقتها في أعقاب الصراع بين جورجيا وروسيا.

ومن الممكن أن تتيح العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وأوكرانيا، أيضًا، فرصة للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب الحفاظ على قنوات الحوار المفتوحة بين روسيا وأعضاء حلف الناتو لتقليل مستوى التوتر المتزايد في المنطقة المجاورة لتركيا.

فرص محدودة وإيصال رسائل

يعمل فلاديمير بوتين على تحقيق أهداف كثيرة، من خلال التقارب مع تركيا، من بينها إحداث صدع في التحالف الغربي، وفي نفس الوقت توائم بعض سياسات أردوغان العديد من الدول الغربية، لا سيما في إطار منع توسع نفوذ روسيا، سواء في القوقاز وآسيا الوسطى، أو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهناك أيضًا حاجة متبادلة بين أنقرة وبروكسل، فوقف المزيد من التوسع الروسي يبقى ضرورة مشتركة لكليهما.

تبدو أزمة أوكرانيا فرصة أمام أنقرة لإيصال رسالة إلى حلفائها في الناتو بأنّها شريك مهم في جنوب شرق أوروبا لاحتواء روسيا؛ فموقعها محوري، حيث يمر خط الاتصال البحري الرئيس للبحرية الروسية عبر المضيق التركي، واتفاقية مونترو لعام 1936 التي تحكم المرور الحر عبر مضيق البوسفور تُلزم أنقرة بأن تراقب جميع السفن التي تنتمي إلى دول غير ساحلية على البحر الأسود، وتحدّ من حجمها وحمولتها ومدة إقامتها.

وهذا موقف غير مريح لتركيا في الوقت الحالي؛ حيث إنها مُلزمة قانونًا بتقييد وصول قوات الناتو البحرية إلى البحر الأسود، ومع ذلك، فإن الاتفاقية تلائم موسكو وتُفسّر إصرار بوتين على التمسك بها، وفي حال أغلقت تركيا مضيق البوسفور أمام البحرية الروسية بدعمٍ من الناتو إذا غزت أوكرانيا، بغض النظر عن اتفاقية مونترو، فستمّنع روسيا من إرسال أساطيلها إلى شرق البحر المتوسط، وتلك خطوة محفوفة بالمخاطر، وسيكون الرد الروسي قويًا، وتركيا اليوم ليست مستعدة للمخاطرة بترتيباتها مع روسيا في المنطقة لإرضاء حلفائها في الناتو.

مخاوف تركية من تمدد روسيا

وفي ضوء ما يحدث من توترات سدت أى أفق سياسي لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، قال المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة الإندبندنت التركية "محمد زاهد جول" إن انفصال إقليم دونباس عن أوكرانيا لصالح روسيا لن يغير من الواقع شيئا، لكنه سوف يغير من اتجاهات السياسية الأوروبية، وإن صادف وحدث صدام بين الطرفين سيكون محدودا للغاية.

وأوضح في حديثه لموقع" 180 تحقيقات" أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا لن يكون كاملا كما يُروّج البعض لأن روسيا ليست في حاجة إلى أن تتمدد عسكريا في مناطق ليس لها فيها ثقل سكاني ولا ديمغرافي ولا سياسي، لذلك فإن التدخل الروسي سيكون محدود بهدف إيصال رسائل سياسية، ولو استطاعت أوروبا تقديم ضمانات لروسيا فيما يتعلق باتفاقية مينسك سيكون مستبعد حدوث أى غزو روسي لأوكرانيا.

ولفت جول أن ما يحدث الأن سيكون له ما بعده سياسيا في المنطقة فكل تحركات روسيا سواء في شبه جزيرة القرم أو كازاخستان، أو قبل ذلك في أوسيتيا الجنوبية عام 2008 التى كانت تتبع جورجيا، يصب في صالح روسيا.

وقال جول إن التمدد الروسي في تلك المناطق يزعج أوروبا ولن يكون في صالح تركيا، مشيرا إلى أن تركيا تكمن أهميتها أنها حائط الصد الأول في مواجهة النفوذ الروسي كونها بوابة أوروبا الشرقية وأحد أعضاء حلف الناتو، وقد تلعب تركيا دورا مزدوجا في الأزمة للحفاظ على سياستها المتوازنة، فقد تسعى لإرضاء روسيا عبر منع أى دعم أوروبي لأوكرانيا يمر عبر مضيق البسفور، وفي نفس الوقت تدعم أوكرانيا عسكريا بشكل غير مباشر إرضاء للغرب وأمريكا كونها عضو في الناتو، كما أن تمدد نفوذ روسيا شمال البحر الأسود ليس في صالح تركيا أيضا، لذلك فإن تركيا أمامها فرصة كبيرة لتكون الرابح الأكبر في الصراع لو لعبت على تناقضات الأزمة جيدا.

وأشار جول في تصريحاته إلى أن روسيا لن تُعطى هامش تحرك حقيقي لتركيا للعب دور فعّال في الأزمة مع أوكرانيا، لأن توسع دور تركيا السياسي في هذا الملف ليس في صالح روسيا، خشية أن يتمدد نفوذها لاحقا في أكثر من خاصرة رخوة تحيط بالدولة الروسية منها منطقة القوقاز وأسيا الوسطى.  

وحول تأثيرالصراع اقتصاديا على تركيا قال إن تركيا لن تضحى بعلاقاتها الاقتصادية مع روسيا وكذلك روسيا، فحجم التبادل التجاري بينهما يبلغ 25 مليار دولار، إضافة إلى الغاز الروسي الذي تعتمد عليه تركيا بشكل كبير في تأمين الطاقة، حيث احتلت روسيا المرتبة الأولى في توريد الغاز إلى أنقرة بواقع 16.5 مليار متر مكعب عام 2020أى 25.5% من إجمالي واردات تركيا من الغاز الطبيعي، لذلك استبعد جول في ختام حديثه اللعب بورقة الاقتصاد في هذا الصراع لأنه ليس في مصلحة أى دولة.

 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس