ياسين أقطاي - يني شفق

قبل عامين، كتبت مقالًا بعنوان مشابه " دور حركة حماس في إيقاظ العالم، وقد بلغت 34 عامًا". لنعد إلى قراءة هذا المقال اليوم لتذكر بعض الإشارات التي قدمها حول ما يحدث اليوم وتسليط الضوء على الأحداث الجارية بطريقة مختلفة.

"لقد أصبحت إسرائيل باعتبارها الممثل الرسمي لنظام "قطاع الطرق" الذي يحكم عالمنا اليوم، مصدرًا للأساطير حول رجحان كفة القوة والتكنولوجيا والاحتلال والنظام العالمي الظالم. وفيما تنتشر أسطورة إسرائيل على أنها لا تقهر كمدعاة للكبر والغطرسة التي تبدد آمال العدالة والحرية والكرامة، يبرز اسم المقاومة الفلسطينية لا سيما "حماس" التي بلغت 34 عامًا، كحكاية مزلزلة ومقاومة أسطورية أيضًا.

تتحول أسطورة إسرائيل التي لا تقهر أمام مقاومة حماس إلى مجرد كوميديا، كما تتحول في الوقت ذاته إلى قوة توقظ الاحتلال ذاته، فتنوه بغطرسته وقوته وتجبّره، وتذكره دائمًا بمدى صعوبة -واستحالة- الاستيلاء على هذه الأرض.

وبالطبع تعني هذه الحكاية بالنسبة للإنسان المظلوم درسًا من شأنه إعادة إحياء الإيمان في قلبه، وأن عليه أن استغلال الفرص اللامتناهية التي منحها الله له دون أن يتخلى عن الأمل تحت أي ظرف من الظروف.

إسرائيل هي أكثر من مجرد "دولة إسرائيل"، هي بنية صنعتها القوى المهيمنة في العالم، وزرعتها في أكثر الأماكن استحالة، وهم يصممون هذا العالم حسب رغبتهم من خلال منطق الغطرسة الذي يتيح لهم فعل أي شيء كما يريدون هم فقط.

إن وجود إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية يشكّل تحديًا للتاريخ والجغرافيا والإنسانية. إنه يشكّل استثنائية لجميع ما يسمى بالقيم الحديثة. فعلى سبيل المثال تتحول العلمانية التي يمجدها العالم الحديث إلى محض هراء، أمام الدعم المقدم للاحتلال الإسرائيلي الذي يبني ويرسخ وجوده بالكامل على أساس وعد في التوراة.

وإذا كان هذا الاستثناء مؤشرًا على السيادة، فإن قوة ادعاء هذه السيادة تعتمد على درجة تطرف ممارسات هذا الاستثناء. وعلى الرغم من أن الاحتلال وتحويل المدن إلى معسكرات للاعتقال والمجازر والانتهاكات الممنهجة ضد حقوق الإنسان، على الرغم من أن جميعها أشياء يعد عالم التنوير الحديث بإنهائها، فهو يتجاهلها بالمرة ويعتبرها استثناء من جملة الاستثناءات المتعلقة بإسرائيل.

هذا الكيان الإسرائيلي المتغطرس، الذي يدعي السيادة إلى حد استثناء نفسه من القواعد التي وضعها وأعلنها بنفسه، يخوض اليوم ضد حماس مواجهة مريرة قد تفوق حدود قوته.

لقد مر 34 عامًا على انطلاق وتأسيس حركة حماس الفلسطينية. وبمناسبة هذه الذكرى كان خالد مشعل الزعيم السابق لحركة حماس ورئيس مكتبها السياسي في الخارج الآن، عقد لقاء في إسطنبول، قدّم فيه ما يمكن تسميته تقييمًا وإعادة نظر لـ 34 عامًا خلت.

لقد أجرى مشعل تقييمات واضحة للغاية في هذا اللقاء الذي حضره نحو 50 صحفيًا وكاتبًا وسياسيًا من العديد من الدول، كشفت هذه التقييمات من خلال منظور تاريخي وفي ضوء الأهداف التي أعلنتها حين تأسيسها، عن العديد من الأسئلة، من قبيل: من أين انطلقت حماس؟ وإلى أي مدى وصلت في تحقيق أهدافها؟ وفي أي وضع هي الآن؟

إن المرحلة التي نشأت فيها حماس كانت مرحلة خالية من أي نوع من المقاومة ضد هذا الاحتلال القائم ضمن النظام العالمي الحالي، وفي ضوء استمرار ومواصلة إسرائيل لاحتلالها الغاشم وبدعم من القوى المهيمنة في الساحة الدولية. لا شك أنه كانت هناك مقاومة قبل حماس، وإن حماس بالتأكيد ليست بعيدة عن تقدير هذه المقاومة. إلا أن أهمية حماس تكمن في أنها أضافت روحًا وحماسًا من جديد لمعنى المقاومة لتستمر إلى اليوم دون استسلام، في الوقت الذي كانت فيه شعلة المقاومة السابقة تتلاشى، مقابل بروز أسطورة إسرائيل التي لا تقهر بشكل تدريجي يبدد معه كل الآمال.

لقد كشفت هذه الأعوام الـ 34 التي خلت عن متغيرات مختلفة في التعاطي مع أسطورة إسرائيل التي لا تقهر. في وقت حاولت فيه إسرائيل قطع دعم العالم الإسلامي والدول الأخرى للقضية الفلسطينية، من خلال السعي لتحالفات مختلفة مع دول المنطقة.

في خضم تلك الفترة الماضية كانت هناك أوقات بالطبع ظهرت فيها إسرائيل وهي ناجحة، لكنه لم يكن نجاحًا في الاستقرار أو السلام الذي تبحث عنه. وقبل أن يجف حبر المفاوضات التي كانت تعقدها مع السلطات الفلسطينية بوساطة العديد من الدول، كانت سرعان ما تواصل برامجها الاستيطانية وتشجع على انتهاكات اليهود المتعصبين، وتستمر في الترويج لخططها من أجل ضم القدس.

بما أن إسرائيل آلة إجرامية مشروطة بالاحتلال، فإن ما كانت ولا تزال تطلبه في جميع عمليات البحث عن تحالف هو التواطؤ معها في الجريمة. فلا تقدم إسرائيل لأي دولة تتحالف أو تتفق معها سوى العدوى بجريمة الاحتلال فحسب. لكن مع ذلك كانت هناك دول تنظر لهذه العدوى والتواطؤ في الجريمة على أنها مكسب. لقد تقدمت إسرائيل دائمًا عبر هذا النوع من السياسة.

يشرح خالد مشعل كيف أظهرت مقاومة حماس دومًا لإسرائيل حدود قوتها، وكيف دفعتها إلى اليأس. وتكبدت إسرائيل هزيمة ثقيلة أمام حماس عندما اعتقدت أن جميع العقبات أمام خطة الاحتلال والضم قد أزيلت، عبر خلق اتفاقات تطبيع جديدة مع الدول العربية تحت عنوان "صفقة القرن". لم تعد القوة الإسرائيلية هي المفاجئة بعد الآن، بل قوة حماس.

على الرغم من تفوقها التكنولوجي الواضح وقوة ترسانتها العسكرية والدعم الدولي الذي تحظى به، لم تتمكن إسرائيل من وقف تقدم حركة حماس، بل إن الهزيمة التي ألحقتها بها حركة حماس كادت أن تُفقدها أيضًا معظم المكاسب الدبلوماسية التي حققتها.

هزيمة حماس لإسرائيل هذا العام، وضعت الدول العربية التي تحاول تحقيق مكاسب من خلال صداقتها مع إسرائيل في وضع صعب للغاية. وأظهرت مرة أخرى أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل خطوة لن يكون لها أي فائدة، ولن تعني سوى تحمل عار التواطؤ.

الاستثمار في القوة أو الموقف الدبلوماسي الذي تمثله إسرائيل اليوم لم يعد ذلك العرض المغري السابق بالنسبة للدول الغربية. لكن من المحزن أن الدول الاسلامية التي في سباق التطبيع بعيدة كل البعد عن فهم ذلك. يمكن القول إن حماس عملت على إيقاظهم أيضًا، وبات الأمر متروكًا لهم سواء استيقظوا أم لا.

يبني مشعل كل هذا على أساس استراتيجيات حماس، إلى جانب تقييمات المخاطر والفرص، ومنظور تاريخي قوي. بغض النظر عن حجم قوة إسرائيل اليوم، وبغض النظر عن التكنولوجيا التي تمتلكها ومكانتها في التوازنات الدولية، فقد كان هناك العديد من الدول مثلها في التاريخ، دول كان يُعتقد أنها لا تقهر ولا تهزم... دول انهارت في وقت قصير وأصبحت أطلالًا..."

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس