ترك برس

ألقت "أزمة المعانقة" بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، بظلالها على زيارة الأخير إلى أنقرة، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في حادثة حافظت على غموض أسبابها إلى أن كشفت عنها الصحفية هاندا فرات، ممثلة صحيفة "حرييت" في أنقرة.

ووصل بلينكن إلى أنقرة في وقت متأخر من 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لإجراء محادثات مع نظيره التركي هاكان فيدان، في ظل استمرار الحرب بين إسرائيل وفلسطين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وخلال لقائهما في مقر وزارة الخارجية التركية بأنقرة، بادر بلينكن لمعانقة فيدان بعد مصافحتهما، إلا أن الأخير رفض ذلك، في موقف محرج ظهرت آثاره على وجه الوزير الأمريكي في تلك الأثناء وخلال التقاط صورة مشتركة أيضاً.

وأثارت اللقطات المتداولة تساؤلات واسعة حول توتر العلاقات بين البلدين على خلفية تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة، لا سيما أن المباحثات انتهت دون عقد مؤتمر صحفي مشترك أو إصدار بيان ختامي.

وأشارت "حرييت" التركية إلى أن ما حصل يعود إلى ما وصفته بتصرف "غير لبق" من قبل وزير الخارجية الأمريكي قبل لقائها بفيدان بقليل.

وأوضحت الصحيفة أن بلينكن وصل إلى مقر وزارة الخارجية التركي حيث كان فيدان في انتظاره أمام الباب وفقا للبروتوكولات المعمول بها، لكن الوزير الأمريكي لم يخرج من سيارته عقب وصوله مباشرة.

وذكرت أن بلينكن اختار البقاء داخل سيارته حيث كان يتحدث عبر الهاتف، وهو ما أثار حفيظة نظيره التركي الذي عاد إلى داخل المبنى حيث تصافح مع الوزير الأمريكي عقب دخوله كما أظهرت اللقطات.

وجاءت زيارة بلينكن إلى تركيا بعد تأجيلها مرتين، ووصل إلى أنقرة الإثنين 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد جولته إلى تل أبيب، إضافة إلى بعض العواصم العربية الأخرى لمناقشة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ومنذ اللحظات الأولى لوصول وزير الخارجية الأمريكي أنقرة مطار العاصمة التركية أنقرة؛ توالت الرسائل التي بعثتها تركيا واحدة تلو الأخرى، فلم تقتصر على رفض فيدان معانقة بلينكن، بدءاً من الاستقبال الفاتر في المطار من نائب والي المدينة، حتى وصول بلينكن أبواب وزارة الخارجية التركية.

ونقلت "عربي بوست" عن مصادر في وزارة الخارجية التركية أن بلينكن أراد القدوم إلى تركيا مرتين للقاء وزير الخارجية هاكان فيدان، خلال الفترة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي حولتها إسرائيل إلى مجزرة بحق أهل قطاع غزة المحاصَر.

وأوضحت أنه "نظراً للحركة الدبلوماسية المكثفة لفيدان، لم يتطابق التقويمان الخاصان بالطلبين من بلينكن للقاء، ولم يتمكنا من الاجتماع معاً بسبب ذلك".

وأخيراً تم عقد ذلك الاجتماع، واستمر لأكثر مما كان مخططاً له، وهو نصف ساعة، ليدوم مدة ساعتين ونصف الساعة، ليناقش الوزيران القضية الفلسطينية من الألف إلى الياء، بحسب المصادر التي كشفت سبب رفض فيدان معانقة بلينكن.

كواليس الاجتماعات

استمر الاجتماع لمدة ساعتين ونصف الساعة؛ رغم أنه كان مقرراً لمدة نصف ساعة فقط. 

وبدأ اجتماع فيدان وبلينكن بالحديث المنفرد بينهما، ثم بين الوفود، وكان الموضوع الأكثر سخونة على جدول الأعمال هو "الحرب في الشرق الأوسط والمذبحة الإسرائيلية التي تحدث بحق الفلسطينيين في قطاع غزة". 

وخلال الاجتماع تحدث وزير الخارجية هاكان فيدان بصراحة وحذر، وفق المصادر في الخارجية التركية، التي قالت إنها استخدم "عبارات واضحة حول الوضع الحالي لصورة الولايات المتحدة في الرأي العام العالمي وفي المنطقة". 

وشرح فيدان والوفد التركي بوضوح ما حدث في غزة، من مقتل مدنيين وأطفال، وتدمير إسرائيل للبنية التحتية، وأن الاحتلال يرتكب جرائم ضد الإنسانية.

وذكّر فيدان نظيره الأمريكي بأن "شعوب العالم كافة، من باريس إلى لندن إلى واشنطن، وخاصة شعوب المنطقة، وقفوا ضد المذبحة التي شهدوها".

وشدد له على أن "العالم كله يقف ضد العدوان والولايات المتحدة الأمريكية تضر بصورتها، سواء في المنطقة أو في العالم أجمع". 

وقال إن "المنطقة تعيش حالة من الغضب"، موجهاً الكلام له بالقول: "أنت تضع الجميع في ورطة. أنت أيضًا تعرض صورتك للخطر لأنه يُنظر إليك على أنك راعي الجرائم التي ترتكبها إسرائيل". 

خلال اللقاء طلبت أنقرة وقفاً فورياً للعدوان الإسرائيلي، مع التأكيد على ضرورة عدم إخلاء قطاع غزة من سكانه وتهجيرهم إلى أي مناطق أخرى.

في المقابل تحدّث الوفد الأمريكي خلال اللقاء عن وقف مؤقت لإطلاق النار مع ضمان إطلاق سراح الرهائن، ومغادرتهم قطاع غزة، وإنشاء عملية سياسية جديدة في القطاع الذي تقوده حركة حماس. 

وعد كذلك وزير الخارجية الأمريكي بعمل الولايات المتحدة على تسريع الجهود الرامية إلى منع سقوط قتلى في صفوف المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية، مشدداً بلينكن والوفد المرافق له بأنهم "ليس لديهم أي خطط لإخلاء غزة؛ مع رسالة  أن الجميع سيبقى في مكانه".

ظهرت على السطح مؤخراً خلافات متفاقمة بين أنقرة وواشنطن الحليفين في الناتو؛ حيث تعترض تركيا وتنتقد الإدارة الأمريكية في 3 قضايا في فترة ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأولها أن الولايات المتحدة أرسلت على الفور حاملات الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" و"يو إس إس أيزنهاور"، وبعض السفن الحربية الأخرى إلى المنطقة لدعم إسرائيل.

وقال الرئيس أردوغان إن "الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تصب الزيت على النار، وإن إرسال السفن الحربية يعني أن الحرب ستمتد إلى المنطقة". 

وفي أحد خطاباته، قال أردوغان: "أين أمريكا، أين إسرائيل-فلسطين؟ ماذا تفعل هناك؟ متسائلاً: "هل من المناسب لدولة مثل أمريكا أن تقيم السلام بهذا الحاملات أم من المناسب أن تذهب إلى هناك بالوقود والوقود؟".

السبب الآخر لانتقاد أردوغان للولايات المتحدة بشأن هذه القضية هو أنه "في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسقطت طائرة حربية أمريكية طائرة تركية مسلحة من دون طيار أُرسلت للقيام بعملية "لمكافحة الإرهاب" في شمال سوريا".

وكان الموضوع الثاني الأكثر أهمية في انتقادات تركيا للولايات المتحدة، أن "أنقرة ترى أن واشنطن لا تتحدث بقوة كافية عن إطلاق إسرائيل النار على المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة، ما أسفر عن مقتل آلاف الأطفال والنساء". 

كما اختلف الطرفان حول سبب الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي بغزة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأدى إلى مقتل ما يقرب من 500 مدني. 

بينما أشارت تركيا؛ إلى أن إسرائيل شنّت هجوماً على المستشفى؛ على عكس الرواية الأمريكية التي تدعم حكاية تل أبيب حول الحادث.

في زيادة جرعة الانتقادات الموجهة ضد إسرائيل، أشارت تركيا إلى أن الهجمات "تصل إلى حد الإبادة الجماعية" وأن جرائم الحرب المرتكبة يجب أن تخضع للمحاسبة في محكمة دولية، منتقدة المجتمع الدولي لالتزامه الصمت تجاه الهجمات على المدنيين، وشددت على أن الولايات المتحدة على وجه الخصوص فقدت "تفوقها الأخلاقي"

على الرغم من ذلك، هناك انتقاد آخر مهم لتركيا تجاه الولايات المتحدة وهو أن واشنطن لا تستمع إلى الدعوات لوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس.

في المقابل تعترض الولايات المتحدة على أن تركيا لا تصف حماس بأنها "منظمة إرهابية" مثل الدول الغربية الأخرى، وذلك بعد أن عرّف الرئيس أردوغان ووزير الخارجية فيدان حماس بأنها منظمة سياسية تقاوم من أجل إنقاذ أرضها وشعبها، ووصفهما مقاتليها بالمجاهدين الذين يدافعون عن أراضيهم.

انضمام السويد إلى الناتو

على صعيد آخر، طالب الجانب الأمريكي خلال اللقاء ذاته، بتسريع عملية موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي الناتو؛ وقال بلينكن إن واشنطن تتوقع الانتهاء من هذه العملية بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023 دون مزيد من التأخير.

وكان الرئيس أردوغان قد أرسل بروتوكول انضمام السويد إلى التحالف إلى البرلمان للموافقة عليه في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك تماشياً مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون خلال قمة الناتو في يوليو/تموز من العام ذاته.

يجب أن تتم الموافقة على البروتوكول أولاً من لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية، ومن ثم من قبل الجمعية العامة للجمعية الوطنية الكبرى لتركيا. 

ويتوقع الناتو والسويد والولايات المتحدة، أن تكتمل هذه العملية بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

في تصريحه للصحفيين لدى عودته من كازاخستان، أشار الرئيس أردوغان إلى أن العملية أصبحت الآن تحت سيطرة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، وأن البرلمان قد دخل في عملية مكثفة لإعداد الميزانية.

وقال: "إن عمل الجمعية العامة ليس قصيراً إلى هذا الحد. لكننا سنحاول أن نجعل الأمر سهلاً قدر الإمكان. وفي هذه المرحلة، سنحاول أن نبذل قصارى الجهد ما دام خصومنا يتعاملون معنا بشكل إيجابي".

الموقف التركي من التطورات في غزة

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) وفصائل أخرى في المقاومة الفلسطينية، إطلاق عملية أسمتها "طوفان الأقصى" ضد أهداف إسرائيلية في غلاف قطاع غزة التي تعاني من حصار مطبق منذ سنوات.

إسرائيل وأمام مباغتة المقاومة الفلسطينية لها، ردت على "طوفان الأقصى" بإطلاق ما أسمته "عملية السيوف الحديدية"، قصفت بموجبها المناطق السكنية وأهداف حماس في قطاع غزة ومحيطها، في محاولة منها لردع العملية الفلسطينية وإيقافها.

وخلّفت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، آلاف القتلى وعشرات آلاف الإصابات بين المدنيين، وسط تحول القطاع إلى ما يشبه الدمار والركام، وحديث عن إخلاء القطاع من سكانه وإجلائهم نحو الجنوب قرب الحدود مع مصر.

ومنذ اللحظة الأولى لتصاعد التوتر الفلسطيني الإسرائيلي، أكدت تركيا وعلى لسان كبار مسؤوليها على ضرورة وقف إطلاق النار بأقرب وقت حقناً للدماء وتجنباً لمزيد من الضحايا المدنيين، فيما أكد رئيسها رجب طيب أردوغان على أن الحل لتحقيق السلام في المنطقة وفي فلسطين يمر عبر تأسيس دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة بحدود 1976 وعاصمتها القدس.

وأمام تصعيد إسرائيل من هجماتها تجاه المدنيين في غزة وعدم استجابتها لمطالب وقف إطلاق النار، صعّدت تركيا ورئيسها أردوغان من موقفها ضد إسرائيل متهمة إياها بـ "ارتكاب المجازر والإبادة الجماعية" في غزة، قبل أن تعلن في 4 نوفمبر/ تشرين الجاري استدعاء سفيرها في تل أبيب إلى أنقرة "للتشاور" رداً على المجازر الإسرائيلية بالقطاع. 

وأرسلت تركيا حتى الآن عدة طائرات إلى مصر، محملة بمساعدات مختلفة لسكان غزة، إلى جانب فريق من الأخصائيين الطبيين الذين سيقومون بالتحضيرات اللازمة من أجل بناء مشافي ميدانية تركية في معبر رفح وفي مطار العريش بمصر، لعلاج الجرحى الفلسطينيين.

بدورها، أعلنت جمعية الهلال الأحمر التركي تكفّلها بسد احتياجات الطاقة الكهربائية للمشافي وسيارات الإسعاف في غزة، طيلة شهر كامل، فيما تواصل منظمات إغاثية تركية إطلاق حملات لدعم ومساعدة سكان غزة.

وقبل قرابة أسبوعين، أعلنت تركيا استدعاء سفيرها في تل أبيب إلى أنقرة للتشاور "رداً على المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!