محمود علوش - ديلي صباح

إذا كان هناك من طرف يستحق الثناء بالدرجة الأولى على دوره في إبرام الهدنة المؤقتة وصفقة تبادل الأسرى الجزئية بين إسرائيل وحماس ومن ثم تمديدها فهو قطر. لقد أظهرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ ما يزيد من شهر ونصف أن دبلوماسية القنوات الخلفية، التي تُجيد الدوحة إتقانها في التعامل مع صراع بهذا التعقيد وأعداء من هذا النوع، هي السبيل الوحيد الذي يُمكن أن يؤدي إلى بعض الأخبار الإيجابية في الحرب. لدى قطر سجل حافل بالنجاحات في مجال الوساطات الدولية. فهي رعت لسنوات مفاوضات سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية تُوجت بإنهاء إحدى أطول الحروب في التاريخ الحديث. كما أنها تلعب باستمرار دور تسهيل التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران عندما تصل التوترات بين الطرفين إلى ذروتها. كما نجحت في وضع بصمتها في صراعات دولية كبرى مثل الحرب الروسية الأوكرانية، حيث رعت مفاوضات بين موسكو وكييف لإعادة الأطفال الذين نقلتهم روسيا من الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها وتوسطت كذلك بين الولايات المتحدة وفنزويلا. وفي السياسات الشرق أوسطية المعقدة، لعبت قطر دوراً أساسياً في تهدئة التوترات بين المنافسين الإقليميين وإصلاح العلاقات بين تركيا ومصر مؤخراً. هناك أيضاً الكثير مما تقوم به قطر في هذا المجال في القارة الإفريقية.

في الواقع، أتاحت دبلوماسية الوساطات لقطر أن تظهر كقوة فاعلة في السياسات الإقليمية وكحاجة في بعض الأزمات الدولية. لقد أضحت هذه الدبلوماسية ببساطة إحدى أدوات القوة الناعمة في السياسة الخارجية القطرية. مع ذلك، فإن الجهود القطرية الحالية في الحرب الراهنة مثال واضح على الكيفية المُعقدة التي تستطيع فيها دولة ليست لديها علاقات مع إسرائيل وتحتضن المكتب السياسي لحماس أن تُقدم نفسها كطرف يحتاج الجميع له في الأوقات الحرجة. إنه أشبه بالسير في حقل مليء بالألغام. على مدى سنوات، لعبت قطر دوراً محورياً في إعادة إعمار قطاع غزة والتخفيف من وطأة الحصار الإسرائيلي المفروض عليه. وكانت لها جهود في رعاية اتفاقيات عديدة لوقف إطلاق النار في الحروب الإسرائيلية التي تعرضها لها القطاع منذ ما يزيد عن عقد ونصف. لذلك، يأمل القطريون أن يتجاوز دورهم في هذه الحرب مسألة إبرام اتفاقيات لتبادل الأسرى وهدن مؤقتة إلى الدفع باتجاه إنهاء الحرب. إن نجاح قطر في هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر والعقبات الهائلة لا يُمثل حاجة للعالم فحسب، بل يُشكل ضرورة لها أيضاً لإظهار مكانتها الإقليمية وتأمين نفسها من الضغوط الغربية المتزايدة التي تواجهها منذ السابع من أكتوبر بسبب علاقتها بحماس.

أضحت هذه العلاقة محل تدقيق متزايد في واشنطن والعواصم الغربية على الرغم من أنها صُممت أساساً من منظور أمريكي عندما طلبت واشنطن من الدوحة استضافة المكتب السياسي لحماس عام 2012 بعد خروجه من دمشق. كان الافتراض الأمريكي، وهو واقعي وأثبت صحته في هذه الحرب، أن احتضان قطر لحماس يُساعد الولايات المتحدة وإسرائيل في الحوار مع الحركة عندما تستدعي الحاجة خصوصاً في ظروف صعبة مثل هذه الحرب لأنّه لو لم تحتضن قطر المكتب السياسي لحماس في تلك الفترة، فإن ذلك كان سيعني مزيداً من الارتباط بين الحركة وإيران. إن نجاح قطر في إيجاد بعض الترتيبات المهمة بين إسرائيل وحماس على غرار صفقة تبادل الأسرى الجزئية يُساعدها في إظهار أن علاقتها بحماس كانت خياراً صحيحاً ولا يزال. كما ظهر أن هذه العلاقة مُفيدة لدول المنطقة أيضاً خصوصاً تلك المتضررة بشدة من هذه الحرب وتُريد نهاية سريعة لها مثل مصر ودول الخليج. حتى إسرائيل نفسها، فإنها كما استفادة من العلاقة بين قطر وحماس في تعزيز التهدئة في غزة خلال السنوات الماضية، فإن هذه الحرب تُظهر الحاجة لهذه العلاقة بالنسبة لها أكثر من أي وقت مضى.

حتى نهاية الحرب، فإن علاقات قطر مع حماس ستُثبت أنها ذات جدوى كبير للجميع بمن في ذلك الولايات المتحدة. لكنّ مستقبل هذه العلاقة سيتحدد في ضوء نتائج الحرب. الافتراض الواقعي أن إسرائيل لن تتمكن في نهاية المطاف من القضاء على حركة حماس تماماً حتى لو استطاعت تقويض قوتها العسكرية أو إنهاء إدارتها لقطاع غزة. ستبقى حماس تنظيماً فلسطينياً رئيسياً لا يُمكن تجاهل أهميته في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمعزل عن نتائج الحرب. وفي حال مضت الحرب كما تأمل حماس، فإن تأثير الحركة سيتعاظم على نحو كبير ما سيزيد من الحاجة إلى قطر كقناة تواصل معها في المستقبل. وكما كان للدوحة دور في تنمية النضج السياسي لحماس في السنوات الماضية ودفعها إلى تبني مقاربات جديدة للصراع على غرار القبول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، فإن هذا الدور سيبقى حاجة لحث الحركة على دعم أية عملية سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المستقبل تُفضي إلى حل الدولتين.

عن الكاتب

محمود علوش

صحفي لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس