ترك برس

أتمَّت حركة المقاومة الإسلامية حماس عامها الـ36 في ظل حرب ضروس تخوضها الحركة في قطاع غزة مع الاحتلال الإسرائيلي بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها الحركة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تعد أكبر عملية عسكرية فلسطينية ضد الاحتلال منذ بدء الصراع.

تمتد جذور الحركة التي انطلقت بشكل رسمي بوصفها حركة مقاومة فلسطينية في 14 ديسمبر/كانون الثاني 1987، إلى خمسينيات القرن الماضي، مع انتماء الكثير من الفلسطينيين لجماعة الإخوان المسلمين، كما ترتبط الحركة معنوياً بالكثير من الحالات المقاومة في فلسطين، مثل حركة الشهيد عز الدين القسام في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي.

تعرّف حماس نفسها بأنها حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها.

تطور سياسي

ومنذ انطلاقتها حتى يومنا هذا تَطوَّر موقف الحركة السياسي بشكل مرن مع محافظتها على الكثير من الثوابت وأهمها عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، وعدم التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، إذ ترى حماس أنه رغم كل ما طرأ من استيطان وتهويد، فإن الحقوق لا تسقط بالتقادم، كما تؤكد على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وقد رفضت حركة حماس حتى الآن كل مشروعات التسوية التي عدّتها تهدف لتصفية القضية الفلسطينية.

تَعدّ حماس اتفاقات أوسلو مخالِفة لقواعد القانون الدولي؛ لأنها رتبت التزامات تخالف حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ولهذا رفضت الحركة هذه الاتفاقات وتحديداً التنسيق والتعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

ورغم ما سبق، فإن حماس رأت في وثيقتها السياسية التي صدرت في 2017 أن إقامة دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم… هي صيغة توافقية وطنية مشتركة. وقد عُدَّ هذا الموقف من الحركة مرونة كبيرة.

وقدمت الحركة صيغة أخرى كان زعيمها الراحل الشهيد أحمد ياسين قد تبناها في مرحلة سابقة، إذ قالت الحركة إنها يمكن أن “تقبل بالتحرير المرحلي لأجزاء من فلسطين وما يترتب عليه هذا التحرير، “ويمكن أن نقبل بتهدئة أو هدنة مرحلية مؤقتة ومشروطة للتخفيف من معاناة شعبنا ولتكون استراحة محارب، لكن من دون التفريط بأي من الحقوق والثوابت ومن دون الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني الغاصب”.

وعن خوض حماس التجربة الديمقراطية، فالحركة لها تجربة مميزة وناجحة في كل من الانتخابات الطلابية والبلدية والتشريعية، إذ فازت الحركة حتى الآن في هذه الانتخابات بشكل مريح وكانت انتخابات 2006 التي حصلت فيها الحركة على 67% من مقاعد المجلس التشريعي محطة مهمة أهّلت الحركة إلى تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة.

وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي، فإن حماس تؤمن بالتعددية والشراكة الوطنية، وقد حاولت إشراك الفصائل الفلسطينية معها في حكوماتها كافة، إلا أن هذه الأطراف كانت ترفض المشاركة.

وفيما يتعلق بمنظمة التحرير فإن حماس ما زالت تنظر إلى المنظمة كإطار وطني جامع، ولكن يجب العمل على إعادة بنائها لتضمن مشاركة جميع قوى الشعب الفلسطيني الحية بما فيها حماس والجهاد الإسلامي.

تطوُّر الفكر والأداء العسكري للحركة

تعد حماس الصراع صراعاً حضارياً في جوهره، وتدرك دعم الغرب الصهيوني للاحتلال، ولهذا فإنها تؤمن بأن تحرير فلسطين واجب الشعب الفلسطيني بصفة خاصة، وواجب الأمة العربية والإسلامية عموماً، كما تعده مسؤولية إنسانية، وبالتالي ترى من الناحية الفكرية أن التناغم في العمل لفلسطين بين هذه الدوائر أمر أساسي.

لقد تأسست بذور كتائب القسام عام 1986، وانطلقت بشكل منظم تحت هذا الاسم في عام 1992، وترى حماس أن مقاومة الاحتلال لا بد أن تكون بكل ما يمكن توفيره من وسائل مقاومة مشروعة وفق الحق الطبيعي.

وتنظر الحكومة للقوة من مفهوم شمولي بكل أشكالها، لذلك يعد الحديث عن “اجتثاث حماس” مجرد ترهات؛ لأن الحركة راكمت قوة كبيرة في المجالات الاجتماعية والسياسية والعسكرية كافة.

من الملاحَظ أن الأداء العسكري لكتائب القسام قد تطور تطوراً مذهلاً خلال 30 عاماً، لتتحول الحركة إلى حالة قتالية منظمة تشبه الجيوش في بعض أبعادها، وتتفوق على كثير من الفاعلين من غير الدول الذين يمتلكون كثيراً من الإمكانات التي لا تمتلكها الحركة.

ويمكننا أن نشير هنا إلى ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن حماس اهتمت منذ نشأتها بالتصنيع العسكري المحلي، وهو ما يَندر أن تهتم به جهات غير الدول في المنطقة.

وقد صنعت مسدس 9 ملم من طراز غولدستار عام 1992، وصنعت سلاح عوزي حماس في 1993، وفي عام 1994 صنعت قنابل دفاعية وهجومية وصوتية ودخانية، وفي عام 2000 صنعت قذائف “الإنيرجا” وهي قذائف مضادة للتدريع الخفيف، وقد تطورت الحركة تطوراً كبيرا جداً بعد 2007 وصولاً إلى تجربة الحركة في تصنيع المسيّرات، والصواريخ التي تطورت من مدى 3 كم إلى 250 كم.

وإضافةً لما سبق، فإن الحركة نفّذت سلسلة من المناورات العسكرية كانت آخرها مناورة “الركن الشديد” في سبتمبر/أيلول الماضي، وبمشاركة 12 ذراعاً عسكرية تابعة للفصائل، وقد جرت محاكاة الكثير من العمليات ضد أهداف مفترضة بما فيها اقتحام مستوطنات متخيَّلة على غرار ما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وقد خدمت مثل هذه المناورات هدفاً واضحاً متمثلاً في بناء القوة في قطاع غزة ومراكمتها من أجل مراغمة الاحتلال، بعد أن عملت على مشاغلة الاحتلال لفترة طويلة بين 2008 و2021، حيث ظهر هناك تحول في استراتيجية المقاومة من المشاغلة فقط إلى المراكمة تحضيراً لعمليات أكبر.

كما أن صبر المقاومة الاستراتيجي الذي أظهرته كتائب القسام برز في أكثر من محطة خلال العامين الماضيين، وقد رُبط ذلك بأهداف بعضها مرتبط بتجنب المواجهات الصغيرة حفاظاً على القوة للمواجهات الكبرى وبعضها مرتبط برؤية أبعد من مجرد تقوية المقاومة في غزة فحسب، بل أسهمت في تشكيل حالة حماية للمقاومة الثائرة في الضفة، إذ هدفت حماس خلال السنوات الماضية إلى تثوير الضفة الغربية بوصفها ساحة مواجهة استراتيجية مع الاحتلال والاستيطان وحماية الحالات المقاومة الناشئة في الضفة، مثل عرين الأسود وكتيبة جنين وكتيبة بلاطة وغيرها.

وعلى مستوى نطاق العمل العسكري، فإن الموقف التقليدي لكتائب القسام هو العمل في نطاق حدود فلسطين التاريخية، لكنّ هذا الموقف حدث عليه بعض التطور في ظل الاستفادة من البيئة السامحة للمقاومة في جنوب لبنان، إ ذ نفذت كتائب القسام خلال آخر عامين عدة عمليات عسكرية شملت إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على أهداف للاحتلال شمال فلسطين، ويعد هذا تطوراً استراتيجياً يخدم هدف إرباك الاحتلال ومنع استفراده بمناطق فلسطينية من دون ثمن، ويبقى في إطار المحدد العام في استهداف المشروع الصهيوني داخل حدود فلسطين التاريخية.

الديمقراطية الداخلية

تتميز حركة حماس بوجود انتخابات ومجالس شورى متعاقبة بشكل دوري، وتحرص الحركة كل 4 سنوات على إجراء انتخاباتها الداخلية، رغم كل القيود والصعوبات ووجود الحركة في عدة جغرافيات غير متصلة.

ولهذا تعاقب حتى الآن على رئاسة المكتب السياسي للحركة عدة رؤساء، منهم موسى أبو مرزوق وخالد مشعل وإسماعيل هنية، وفي غزة والضفة كان استعداد القادة للتضحية في مواجهة الاغتيالات الإسرائيلية واضحاً، إذ استُشهد المهندس إسماعيل أبو شنب، والشيخ أحمد ياسين، ومن بعدهما الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وفي الضفة الغربية مثل جمال منصور وجمال سليم، وغيرهم من القادة العسكريين مثل أحمد الجعبري، وهذا الأمر جعل هؤلاء القادة نماذج وقدوات لجيل جديد بعدهم من القيادات.

ما بين صورة الفتى الذي حمل المقلاع والحجر في انتفاضة 1987 وصورة القائد الذي يدير معركة دفاعية منظمة عن قطاع غزة بأسلحة مضادة للدروع مصنَّعة محلياً مثل قذيفة :الياسين 105″ اليوم، وما بين أكبر حدثيين وطنيين في تاريخ الصراع؛ الانتفاضة الأولى و”طوفان الأقصى”، توجد قصة كفاح طويلة جداً لا يمكن أن تختزلها الكلمات مهما كانت بليغة.


**مقال تحليلي نشره مركز سيتا التركي للدراسات..

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!